قال الناشط في حقوق إنسان وأحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها BDS" عمر البرغوثي، في مقابلة خاصة مع موقع بكرا، إنه يجب التركيز على المقاطعة لإسرائيل ومن المتوقع أن تخسر الملايين إذا انتهت مسرحية المفاوضات.

وأضاف في حديثه لــ"بكرا"، أنه من المتوقع أن تخسر إسرائيل المليارات إذا انتهت مسرحية المفاوضات، وبات العالم أجمع يدرك أنها دولة استعمارية، عنصرية، تهدد السلم العالمي، لأن ذلك من شأنه أن يصعّد المقاطعة ضدها في كافة المجالات، الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والرياضية، وحتى في مجال حظر تجارة السلاح.

وأضاف أنه "في حزيران 2013، قررت الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي أن حركة المقاطعة BDS باتت تشكل "تهديداً استراتيجياً" لنظام الاضطهاد الإسرائيلي لشعبنا، والذي يجمع بين الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري (الأبارتهايد)، في ضوء ذلك، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نقل مسؤولية محاربة حركة المقاطعة إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية ، بعد أن فشلت وزارة الحارجية، التي تولت هذه المهمة منذ 2005، في منع أو حتى إبطاء النمو المثير لحركة المقاطعة حول العالم".

وقال البرغوثي "بدأنا نرى تجليات هذا التصعيد في محاولات إسرائيلية حثيثة في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وغيرها للضغط من أجل سن قوانين تحرّم المقاطعة. ولكن لن تمر هذه المحاولات بسهولة أبداً، إذ إنها تتعارض مع أبسط مبادئ حرية الرأي في الغرب الليبرالي، إن مجرد لجوء إسرائيل لوسيلة التجريم القانوني ستؤدي لتنامي تأييد الليبراليين الوسطيين لحركة المقاطعة، كما إنها تعكس مدى فشل إسرائيل في معركة كسب الرأي العام، أي معركة العقول والقلوب، ومدى يأسها من التصدي لحركة المقاطعة الآخذة في الانتشار السريع مؤخراً.

جميع أشكال المقاطعة تعزز بعضها بعضا

وعن أنجح أشكال المقاطعة، قال عمر البرغوثي إن كل أشكال المقاطعة BDS تعزز بعضها البعض، فقد حققت المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل اختراقات هامة في عام 2013، إذ تبنت أربع جمعيات أكاديمية في الولايات المتحدة دعم المقاطعة الأكاديمية الشاملة لإسرائيل، وكذلك فعل اتحاد المعلمين في إيرلندة واتحاد الطلبة الناطقين بالفرنسية في بلجيكا، ويضم 100 ألف عضواً. كما قاطع ستيفن هوكنغ، وهو أعظم عالم معاصر، مؤتمراً إسرائيلياً رئاسياً قاده شمعون بيريس. وفي الجانب الثقافي، باتت عدد كبير من الفرق الفنية العالمية ومن أهم نجوم الموسيقى تفادي تل أبيب أو إلغاء عروض كانت وقررة هناك.

وفي المجال الاقتصادي، أصبحت الشركات المتورطة في جرائم إسرائيل ضد شعبنا وانتهاكاتها للقانون الدولي عرضة لخسائر مالية هائلة، ومنها شركة "فيوليا" و"جي 4 إس". كما أقر الاتحاد الأوروبي معايير تمنع تمويل أي مشروع إسرائيلي في الأراضي المحتلة. وقبل أيام، أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستستثني من اتفاقيات التعاون العلمي والتقني مع إسرائيل جميع الشركات والمؤسسات الإسرائيلية المتواجدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، "بما فيها القدس الشرقية"، وفي بداية هذا العام، أعلن ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي، وتقدر استثماراته العالمية بـ 200 مليار دولار، سحب جميع استثماراته من البنوك الإسرائيلية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مما شكل ضربة معنوية ونفسية هائلة لأحد أهم أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي. كما أعلن من يومين أكبر بنك دنمركي، "دانسكه"، مقاطعة بنك "هبوعليم" الإسرائيلي لتورطه في المستعمرات، وقرر أكبر صندوق سيادي في العالم، وهو الصندوق النرويجي (الذي تقدر استثماراته العالمية بما يقارب 800 مليار دولار) سحب استثماراته من شركتين إسرائيليتين متورطتان في الاحتلال والمستعمرات. وعدد من الشركات الهولندية والألمانية أنهى تعامله مع شركات إسرائيلية لنفس الأسباب.

من هم أبرز من قاطعوا إسرائيل؟

وعن أبرز من قاطعوا إسرائيل يقول البرغوثي، إنه لا توجد شركات عالمية تقاطع إسرائيل بعد، بل توجد شركات تقاطع المشاريع الإسرائيلية في الاراضي المحتلة عام 1967 فقط، ولكن هذه البداية، كما يدرك الجميع.

وأضاف أن قائمة المشاهير الذين لبوا نداء المقاطعة طويلة للغاية وهي تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: جزء قاطع وأعلن تأييده المبدئي للمقاطعة بوضوح، مثل المغني الشهير روجر ووترز (فرقة بِنك فلويد) والكاتبة الكندية ناعومي كلاين والأمريكية أليس ووكر والموسيقي إلفيس كوستيللو والمخرج البريطاني كِن لوتش الحائز على جازة "كان" والكاتب البريطاني جون برجر وأكاديميين لامعين من كافة أنحاء العالم، ومنهم الفيلسوفة اليهودية الأمريكية جوديث بتلر. وجزء استجاب لنداء المقاطعة فألغى أنشطة كانت مقررة في تل أبيب أو غيرها دون إبداء الأسباب، مثل فرقة "ذا بيكسيز"، والمغني الشهير بونو والفرنسية فانيسا بارادي، ومغني الراب سنوب دوغ. وجزء رفض من الأساس تلبية الدعوة الإسرائيلية لإقامة أنشطة في دولة الاحتلال دون تفسير. بدأت المؤسسة الأكاديمية والثقافية الإسرائيلية تشعر بآثار هذه المقاطعة الآخذة في النمو السريع من خلال ضعف الإقبال الدولي على المؤتمرات والاحتفالات والندوات والمهرجانات الإسرائيلية.

وأشار البرغوثي أنه بات عدد كبير من الأكاديميين العالميين يقاطع المؤتمرات الإسرائيلية في داخل الدولة وخارجها، حتى باتت الجامعات الإسرائيلية تشعر بأن هناك ضغطا كبيرا من المقاطعة عليها، كما نجحنا في بعض الحالات في إقناع منظمي مؤتمرات بنقل مؤتمراتهم من دولة الاحتلال إلى دول أخرى احتراماً لمعايير المقاطعة الفلسطينية. اذاً نحن نحقق نجاحات كبيرة على الصعيد الأكاديمي والثقافي، وخصوصاً الجانب الفني، وهذا يضغط على إسرائيل كثيرا، لانها قامت ببناء سمعتها وصورتها في الغرب على انها دولة "ديمقراطية" و"ليبرالية" بل و"حضارية"، أي بمعنى آخر وكأنها دولة تنتمي للغرب، لأوروبا، ووجدت في "الشرق المتخلف والهمجي" عن طريق الخطأ أو الصدفة! لذلك من المضر جداً بسمعة إسرائيل ان يقاطع مهرجاناتها واحتفالاتها فنانون ومثقفون بثقل روجر ووترز وأليس ووكر.

وتحدث البرغوثي عن عدد متناميٍ من اليهود التقدميين المناهضين للصهيونية، من مثقفين وناشطين، بدأ يقاطع دولة اسرائيل ويرفض أن تتحدث الدولة باسمه أو بالنيابة عنه، وقال إنه هناك قائمة طويلة من الأسماء اليهودية اللامعة من المعادين للفكر الصهيوني العنصري المتضامنة معنا والتي انضمت إلى حركتنا، وهذا يعتبر نصر لنا ومن عوامل إضعاف الهيمنة الإسرائيلية في الغرب.

هل يتم العمل على المقاطعة داخل الـ 48؟


وعن المقاطعة داخل أراضي 48 يقول البرغوثي إنه بعد أكثر من عامين ونصف من اللقاءات الجماهيرية والندوات والاجتماعات والمناظرت واستشارة المئات من المثقفين/ات والأكاديميين/ات والناشطين/ات في اراضي 48، أطلق حركة المقاطعة معايير المقاطعة الخاصة بأراضي 48، والتي ولذلك، فإنّ "حملة المقاطعة" تحترم وتقدّر بعمق خصوصية فلسطينيي 48، وقد اجتهدت لسنوات خلت، من خلال لقاءات وجدالات وحوارات مع مثقفين/ات وطلبة وأكاديميين/ات وفنانين/ات ونشطاء اجتماعيين في مناطق 48، من أجل صياغة معايير تلائم واقعهم/ن المُركّب.

وأضاف أنه انطلاقاً من خصوصية وضع فلسطينيي 48، تميز حركة المقاطعة، على سبيل المثال، بين مفهوميّ حقوق المواطن/ة والتطبيع، أهم الأمثلة للإسهام في حملة المقاطعة من داخل الدولة:‌عدم تمثيل إسرائيل أو مؤسساتها الخاضعة للمقاطعة في المحافل الإقليمية والدولية؛ وعدم المشاركة في وفود إسرائيلية (رسمية أو برعاية منظمات صهيونية عالمية) في زيارات دولية؛ وعدم توفير غطاء فلسطيني، أي "ورقة توت"، لمن يخالف معايير المقاطعة من فنانين وأكاديميين عالميين؛ وعدم المشاركة في أنشطة إسرائيلية ذات طابع دوليّ وخاضعة للمقاطعة.

كما تحدث البرغوثي عن عدم المشاركة في أنشطة تنظمها أو ترعاها المؤسسات الصهيونية الدولية في إسرائيل أو في الخارج؛ أما على مستوى دعم الحملة بشكل إيجابيّ، فيمكن دعم وترويج المقاطعة الدولية للمؤسسات الإسرائيلية المتواطئة في انتهاك القانون الدولي، وكتابة، أو التوقيع على، الرسائل والعرائض التي تدعو إلى المقاطعة الثقافية أو الأكاديمية العالمية، وتوثيق تجارب التمييز العنصري والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، وغيرها.

ما هي حركة المقاطعة وما أبرز أهدافها

وهنا يرى البرغوثي أن حركة المقاطعة تهدف إلى ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وإن المقاطعة كشكل من أشكال المقاومة الشعبية والمدنية متجذرة في عقود من الكفاح الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي والاحتلال.

وأضاف أنه امتداداً لهذا التاريخ الحافل والعديد من تجارب المقاطعة، سيما في الانتفاضة الأولى، وتأثرا بتجارب النضال في جنوب أفريقيا انطلقت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في 2005 بنداء أطلقته الغالبية الساحقة في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات تدعو فيه العالم، بالذات المجتمع المدني الدولي والحركات الاجتماعية، لقطع العلاقات في جميع المجالات مع إسرائيل، كونها دولة احتلال وأبارتهايد، كما قاطع العالم جنوب أفريقيا خلال حقبة نظام الفصل العنصري.

وحدد النداء ثلاثة شروط تشكل الحد الأدنى المطلوب لكي يمارس الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير: إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967، بما في ذلك إزالة المستعمرات والجدار؛ إنهاء نظام التمييز العنصري القائم في أراضي عام 1948 ضد الجزء من شعبنا الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية؛ وعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية التي شردوا منها. أي أن حركة المقاطعة تبدد الانطباع الذي ساد بين الكثيرين بعد توقيع اتفاقية أوسلو الكارثية بأن الشعب الفلسطيني يمكن اختزاله بالفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة عام 1967، دون فلسطينيي 48 ودون اللاجئين.

اما أهم عوامل نجاح حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هو وحدة المجتمع الفلسطيني في دعمها، إذ حظي نداء المقاطعة BDS، الذي أطلق في 2005، بتأييد القوى السياسية والاتحادات النقابية وشبكات الدفاع عن حقوق اللاجئين والاتحادات الشعبية كافة بالإضافة إلى القوى النسوية والشبابية والمنظمات الأهلية. إن النجاح الذي نراه اليوم هو ليس حدثاً عابراً، بل تراكماً لثمان سنوات من العمل التطوعي المبدئي والمثابر من العديد من الناشطين والناشطات الفلسطينيين في الوطن والشتات وآلاف المؤيدين لحقوق شعبنا حول العالم.

وبناء على العديد من المعطيات، فإن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، التي أطلقها أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات في 2005، قد حققت قفزة نوعية خلال العامين الماضيين في المجال الأكاديمي والثقافي والاقتصادي. ففي ذروة قوتها الاقتصادية والعسكرية، بالذات النووية، ورغم فرض هيمنتها على دوائر القرار الأمريكي، تشعر إسرائيل بالتهديد على نحو غير معهود من هذه الحركة، رغم، أو ربما بسبب، كونها حركة مقاومة شعبية ومدنية، محلية وعربية وعالمية، تستند على القانون الدولي وتستمد مبادئها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]