يقال أن لا شيء في الدنيا يعادل ألم من فقد ابنا له، فالابن بحسب ما يصفه المثل بالنسبة لوالديه هو فلذة كبدهم، فكيف لو كانت الفقيدة هي البنت التي كانت هي الترياق والشفاء لوالدها؟ وكيف لو كانت قد فارقت الحياة بجيل مبكر جراء مرض خبيث لا يرحم، يدعى السرطان.

امس الثلاثاء صادف اليوم العالمي لمكافحة مرض السرطان، وتزامنا مع هذه المناسبة كان لنا حديث مع الشاعر محمود مرعي ابن قرية المشهد والذي فقد ابنته عائشة قبل بضعة أشهر بعد أن عانت لسنوات من هذا المرض، السرطان.

7 ضحايا من السرطان في نفس العائلة

بدأ الشاعر محمود مرعي حديثه : قبل أن أتطرق لبيتي، في عائلتي، عائلة مرعي لوحدها سبع ضحايا توفوا بعد معاناة مع السرطان، ابن أخي، ابنتي زوجات أخواي ، ابنة اختي، قريبي ووالد زوجة أخي، زوجة أحد الأقارب، كل هذه الضحايا هم في عائلة واحدة فما بالك بكل ضحايا السرطان في المشهد، ولو عرفنا عدد الضحايا، هل برأيك نستطيع معرفة عدد المرضى؟ انه كبير، كبير جدا.

من وقّع على إقامة فينيسيا

وتابع : ان مسبب انتشار السرطان بهذه القوة في المشهد هو التلوث الصادر عن مصنع فينيسيا، نعرف بأن هذه الحكومة لا تريد مصلحتنا بل تحب أن لا ترى عربيا كما قال بنجريون وأقول أن علينا أن نقاضي الدولة في محكمة العدل الدولية كي تمتثل للعدالة في ضل كل ممارساتها العنصرية ضد العرب، ولكن الأمر الأكثر سوءً أن هنالك من هم أبناء شعبنا وبلداتنا ممن وقعوا على إقامة هذا المصنع وقتها وأقولها بكل صراحة، هذا الشخص الذي وقع على إقامة المصنع يجب أن يتم إعدامه فهو مجرم وسبب بموت الكثير من أبناء المشهد، مثله مثل الحكومة التي لا تريدنا هنا.
وتابع : برأيي لا تكفي هذه الوقفات والتظاهرات واللجان ويجب أن يكون هنالك حراك شعبي حقيقي تجعل المصنع يغلق أبوابه، يجب أن يشعروا أننا نريد المحافظة على حياتها وحياة من هم بعدنا في هذه البلد.

ثم تحدث الشاعر محمود مرعي عن معاناته خلال فترة مرض ابنته عائشة التي وافتها المنية قبل بضعة أشهر جراء مرض سرطان الدم، وتطرق الشاعر في حديثه عن بداية المرض لدى عائشة منذ عام 2004 أي منذ أن كانت بالصف الثامن وكيف تطور المرض وكيف تمت ازالته بعد ذلك ومن ثم رجع فجأة ليقضي عليها خلال فترة قصيرة.

صرت أحس أن الله سبحانه وتعالى يقول لي، حدك إلى هنا

وقال : في الفترة الأخيرة عندما كانت عائشة تعاني صرت أحس أن الله سبحانه وتعالى يقول لي، حدك إلى هنا، فكنت أرى ابنتي وفلذة كبدي تتألم وتعاني وليس بيدي ما أفعله، أحيانا كنت أخرج من الغرفة .

وأضاف : في المرة الأخيرة التي اخذتها إلى المستشفى وعندما خيرني الطبيب إما نقلها لرامبام أو لبينلسون عرفت أن عائشة لن تعود إلى البيت وهي على قيد الحياة فقد فهمت مدى خطورة وضعها.

توفيت وحيدة وهي لا تستطيع الكلام 

وقال : بالفترة الأخيرة وصلت حالة عائشة إلى وضع صعب جدا فقد عجزت عن الكلام وكانت اذا ارادت أن توصل لنا شيئا، توصله عن طريق الهاتف، أي أن نبدأ بعد الأحرف أمامها وتغمض عينيها عندما نصل للحرف الذي تريد وقد كانت آخر جملة وصلتني منها أنها جعلتني أكتب " يابا ، إحنا وين" حيث أنهم نقلوها يومها من غرفة لأخرى وظنت أنها نقلت لمكان آخر وفي يوم وقفة العيد وقد كان يوم عيد ميلادها ونحن متوجهون للمستشفى  في حيفا لنحتفل معها بعيد ميلادها وجدنا أن حالتها قد ساءت ، وبعد بضعة أيام ونحن في طريقنا إلى المستشفى في ساعات الصباح وصلنا الخبر بأن روحها قد ودّعت هذه الحياة، توفيت عائشة وحيدة وهي لا تستطيع الكلام .

ثم بدا الشاعر محمود مرعي يتحدث مستذكرا ابنته وتصرفاتها في البيت وقال أنها ملاكه وأنها من كانت تزيل كل حزن عنه وأكمل حديثه والدمع واضح بعينيه، دمع والد على فقدان ابنة كانت أغلى ما يملك، وقال أنه كثيرا ما يخطئ وينادي عليها بالبيت ناسيا أنها قد صارت عند ربّها، مما يزيد الوضع بالبيت صعوباً وألما،  ليبدأ بعد ذلك بسرد قصيدة كانَتْ مَلاكي التي كتبها في رثاء المرحومة عائشة.

وقال الشاعر محمود مرعي :-
لَيْسَ الرِّثاءُ بُنَيَّتي مِنْ شاني = أَوْ نَبْشُ مَجْرى الدَّمْعِ وَالأَشْجانِ
لٰكِنْ مُصابي فيكِ فاقَ تَحَمُّلي = لَوْلا التَّصَبُّرُ نِعْمَةُ الرَّحْمٰنِ
كُلُّ الكَلامِ مَضى وَفارَقَ مُعْجَمي = إِلَّا "اَعِنْ يا رَبُّ" فَوْقَ لِساني
أَوْ حَمْدُ رَبِّي وَهْوَ أَرْحَمُ راحِمٍ = ضَعْفَ العِبادِ وَمَلْجَأُ الحَيْرانِ
ضاقَتْ عَلَيَّ مَسالِكي في ساعَةٍ = حُمَّ القَضا وَأَنا بَعيدُ مَكانِ
وَاللهُ كانَ العَوْنَ في ما نابَني = طولَ الطَّريقِ وَصانَ مِنْ زَيَغانِ
في غُرْفَةِ الإِنْعاشِ أَفْصَحَ عَجْزُهُمْ = وَهُمُ الأُساةُ وَيَشْهَدُ الثَّقَلانِ
لٰكِنْ أَمامَ بَيانِ رَبِّي اسْتَعْجَموا = وَاسْتَسْلَموا لِـمَشيئَةِ الدَّيَّانِ
فَالطِّبُّ وَالتَّطْبيبُ أَسْبابٌ وَلا = أَقْدامَ لِلْأَسْبابِ لِلْجَرَيانِ
لٰكِنَّها بِيَدِ الـمُسَبِّبِ واقِعٌ = كَالشَّمْسِ في وَضَحٍ بِلا بُهْتانِ
وَمَشيئَةُ الباري قَضَتْ بِرَحيلِنا = عَنْ ظَهْرِها لِلْجَوْفِ لِلدِّيدانِ
هَبَطَ الذُّهولُ عَلَيَّ دونَ تَرَيُّثٍ = وَعَلا الوُجومُ مَلامِحي، غَشَّاني
وَاسْتَعْجَمَتْ لُغَتي وَعَجْزٌ لَفَّني = وَوَقَفْتُ مُفْتَقِرًا صَحيحَ بَياني
وَرَأَيْتُ وَجْهَكِ أَشْرَقَتْ أَنْوارُهُ = كَالبَدْرِ مُكْتَمِلًا بِلا نُقْصانِ
وَسَرى هُدوءٌ في العِظامِ وَأَعْيُنٌ = شَخَصَتْ وَحَلَّ الـمَوْتُ دونَ تَوانِ
وَالرُّوحُ لَبَّتْ إِذْ دَعاها رَبُّها = وَطَغى السُّكونُ وَغارَتْ العَيْنانِ
وَهَتَفْتُ يا "عَيُّوشَ" قومي وَانْهَضي = إِذْ كُنْتِ نائِمَةً أَمامَ عِياني
وَعَلى الجَبينِ سُخونَةٌ وَحَرارَةٌ = تَنْفي انْقِضاءَ العُمْرِ في الرَّيْعانِ
وَنَسيتُ أَنَّ الـمَوْتَ حَلَّ بِغَيْبَتي = قَبْلَ الْتِقاءِ حَبيبَتي بِثَواني
لَوْ كُنْتُ يا "عَيُّوشَ" أَعْلَمُ وَقْتَهُ = عَجِلَتْ خُطايَ كَرَفَّةِ الأَجْفانِ
وَوَصَلْتُ قَبْلَ حُلولِهِ وَرَحيلِهِ = وَبَذَلْتُ روحي راضِيًا كَحَناني
لٰكِنَّهُ السِّرُّ الـمُغَيَّبُ يا ابْنَتي = وَالكَشْفُ مُمْتَنِعٌ عَلى الإِنْسانِ
وَعَنْ الخَلائِقِ رَبُّنا قَدْ صانَهُ = أَبْقاهُ طَيَّ الغَيْبِ وَالكِتْمانِ
أَوَ ما دَعَوْتِ الكُلَّ قَصْدَ نَظافَةٍ = في بَيْتِ جَدَّتِكِ اسْتِباقَ أَذانِ؟
قَدْ خِفْتِ أَنْ تَقْضي وَتُقْبَضَ روحُها = فَغَسَلْتِ لِلْحيطانِ غَسْلَ أَواني
لٰكِنْ رَحَلْتِ وَشَيَّعَتْكِ بُنَيَّتي = فَالـمَوْتُ في تَوْقيتِهِ رَبَّاني
وَاسْتَرْجَعَتْ نَفْسي وَفاضَتْ مَنْطِقًا = يُرْضي الإِلٰهَ مُكَوِّنَ الأَكْوانِ
سُبْحانَ مَنْ خَلَقَ الخَلائِقَ وَالحَيا = وَقَضى الفَناءِ لِإِنْسِها وَالجانِ
سالَتْ عَلى الجَسَدِ الـمُسَجَّى أَدْمُعٌ = وَعَلا النَّشيجُ وَعَمَّ في الأَرْكانِ
اَلْكُلُّ يَبْكي زَهْرَةً قُطِفَتْ وَما = يُرْجى الرُّجوعُ لِسابِقِ الأَزْمانِ
وَغَدا رَحيلُكِ واقِعًا وَحَقيقَةً = يا وَرْدَةً سُقِيَتْ دَمَ الشِّرْيانِ
وَتَواتَرَتْ بَعْدَ الرَّحيلِ بَشائِرٌ = تَفْسيرُها اسْتَعْصى عَلى التِّبْيانِ
قالوا حَمامٌ أَبْيَضٌ غَطَّى السَّما = في اللَّيْلِ فَوْقَ البَيْتِ في طَوَفانِ
في لَيْلَةِ البَرَكاتِ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ = مَنْ يَقْضِ فيها يَنْتَقِلْ لِأَمانِ
وَالدَّمُّ، رَغْمَ البَرْدِ في ثَلَّاجَةٍ = حَتَّى الصَّباحِ، يَنِزُّ في فَوَرانِ
وَالـمِسْكُ فاحَ مِنْ الجَبينِ كَما رَوُوا = وَسُهولَةُ التَّقْليبِ لِلْجُثْمانِ
لَمْ يَشْتَكوا ثِقَلًا لِوَزْنٍ أَوْ عَنًا = بَلْ كُنْتِ وَزْنَ الرِّيشِ في الحُمْلانِ
وَبِساعَةِ التَّشْييعِ قالوا قَدْ رَأَوْا = سِرْبَ الحَمامِ يَرِفُّ في هَيَجانِ
وَيَطيرُ صَوْبَ مَجَنَّةٍ كَمُشَيِّعٍ = وَالنَّعْشُ في الإِسْراعِ كَالطَّيَرانِ
وَلَقَدْ تَواتَرَ عَنْ نَبينا أَحْمَدٍ = أَنَّ الشَّهادَةَ سَبْعُ في الحُسْبانِ
مَنْ قَدْ قَضى بِالبَطْنِ نالَ شَهادَةً = أَوَ لَيْسَ هٰذا الوَصْفُ في السَّرَطانِ؟
وَيَقينُ قَلْبي حُزْتِها يا طِفْلَتي = وَمَضَيْتِ راضِيَةً إِلى الرِّضْوانِ
وَرَضيتُ عَنْكِ بُنَيَّتي وَحَبيبَتي = وَالكُلُّ راضٍ يا ابْنَتي وَيُعاني
غُصَصَ الفِراقِ بِحَرِّها وَلَهيبِها = مَنْ ذا لَهُ بِلَظى الفِراقِ يَدانِ؟
حَتَّى الطُّيورُ تَكَدَّرَتْ أَلْحانُها = وَالحُزْنُ وَشَّحَ خُضْرَةَ الأَغْصانِ
وَالقَلْبُ مَفْطورٌ وَلَسْتُ مُحَصَّنًا = مِنْ فَتْكَةِ الزَّفَراتِ في الأَحْزانِ
مَرَّتْ عَلَيَّ خَواطِرٌ وَهَواجِسٌ = كادَتْ تُزَلْزِلُ راسِخَ الإِيمانِ
أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمٰنَ جَلَّ جَلالُهُ = كادَ اليَقينُ يُصابُ بِالخِذْلانِ
ما جازَ يَمْتَزِجُ اليَقينُ بِشُبْهَةٍ = كَلَّا وَلا بَرِحَ الرِّضى وُجْداني
ثِقَتي بِرَبِّي لَمْ تُزَعْزَعْ لَحْظَةً = فَالشَّكُّ أَصْلُ تِجارَةِ الخُسْرانِ
اَفْرِغْ عَلَيَّ الصَّبْرَ يا رَبَّ الوَرى = وَالْطُفْ بِنا مِنْ سَطْوَةِ الهَذَيانِ
فَالضَّعْفُ أَصْلٌ في الأَنامِ وَنَصُّهُ = آيٌ أَتى في مُحْكَمِ القُرْآنِ
وَالقَلْبُ تَغْمُرُهُ الشُّجونُ مَرارَةً = بَعْضي إِلٰهي لُفَّ بِالأَكْفانِ
أَدْرَجْتُها بَطْنَ اللُّحودِ وَعَتْمَها = وَأَهَلْتُ تُرْبًا فَوْقَها في آنِ
وَتَرَكْتُها وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّها = أَغْلى عَلَيَّ مِنْ العَريضِ الفاني
كانَتْ عَروسَ الدَّارِ أَجْمَلَ وَرْدَةٍ = تُهْدي الشَّذا لِلْبَيْتِ وَالسُّكَّانِ
وَتُوَزِّعُ البَسَماتِ في جَلَساتِها = وَيَفيضُ مِنْها البِشْرُ لِلْجيرانِ
اَلْكُلُّ عَنْ أَخْلاقِها قَدْ حَدَّثوا = أَوْ طيبِها وَالعَقْلِ وَالرَّجَحانِ
كانَتْ مَلاكي في الحَياةِ وَحارِسي = إِنْ قُلْتُ "عُشْعُشَ" صَوْتُها لَبَّاني
رَكَضَتْ تُسابِقُ ضَحْكَها نَحْوي وَكَمْ = ساقَتْ طَرائِفَها إِلى آذاني
وَإِذا صَرَخْتُ مُغاضِبًا وَمُعاتِبًا = هَبَّتْ تُراضيني "أَنا هِيَّاني!"
وَتَلُفُّني بِذِراعِها وَحَنانِها = وَبِبَسْمَةٍ تَسْتَلُّ ما أَعْياني
وَتُقَرِّبُ الخَدَّ الطَّهورَ لِقُبْلَةٍ = وَتَغيبُ وَالأَفْراحُ مِلْءَ جَناني
يا رَبُّ فَارْحَمْها وَطَهِّرْها فَما = يُرْجى سِواكَ لِـمِنْحَةِ الإِحْسانِ
وَاجْعَلْ إِلٰهي في الجِنانِ خُلودَها = وَبِلا حِسابٍ يا عَظيمَ الشَّانِ
وَاسْبِغْ عَلَيها الأَمْنَ مِنْكَ تَحَنُّنًا = وَاغْفِرْ لَها يا واسِعَ الغُفْرانِ
وَاشْمَلْ بِعَفْوِكَ رَبَّنا لِضَعيفَةٍ = وَبِذا دَعاكَ وَأَلْحَفَ الأَبَوانِ

وأنهى حديثه الشاعر محمود مرعي قائلا : يقال أن الفرح قد يتخطى بيوتا ولكن الموت لا يتخطى أي بيوت، يدخل كل بيت لأن كل حي مصيره الموت، الحمد لله رب العالمين وأيماننا قوي دائما.

وخلال اللقاء تواجدا كل من الشابة ضحى مرعي والشابة نجاة مرعي وهما قريبتا المرحومة عائشة وصديقتيها، وقد تحدثا عن المرحومة، كم كانت تملك قلبا كبيرا يتسع للجميع وكيف كانت اللحظات جدا صعبة عن فراقها حيث أنها كانت متمسكة بالحياة ومؤمنة بالله كثيرا.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]