اصدرت المخابرات الاسرائيلية امراً  الى الوزراء بعدم استخدام طريق رقم 443 الذي يربط بين منطقة تل ابيب والقدس عبر مستوطنة "موديعين" بحجة الحفاظ على سلامتهم بعد تكرار حوادث القاء الحجارة والزجاجات الحارقة عليه من قبل الفلسطينيين بحسب زعمه. 

يشار الى ان شارع 443 الذي يمر قسم منه في الضفة الغربية هو شارع رئيسي يربط القدس ومستوطنات الضفة الغربية مع مدينة موديعين ومدن السهل الساحلي. يخدم هذا الشارع حوالي 40,000 سيارة يوميا ويستعمل بديلا عن شارع القدس - تل أبيب (شارع رقم 1) الذي يشهد ازدحاما بشكل عام.

14 كم من شارع 443 و التي تشكل حوالي نصف طول الشارع كانت تستعمل في الماضي، حتى منذ أيام الانتداب البريطاني، كمفصل حركة رئيسي في جنوب محافظة رام الله والتي كانت تعبر بين القرى الفلسطينية جنوب غرب المدينة وخدمت عشرات آلاف الفلسطينيين للحركة والتنقل بين هذه القرى ورام الله.

في سنوات الثمانين قررت إسرائيل توسيع شارع 443، ولهذا الغرض فقد صادرت الأراضي العامة والخاصة من سكان القرى المجاورة للشارع. وقد تقدم أصحاب الأراضي بالتماس إلى محكمة العدل العليا ضد مصادرة الأراضي وصادقت المحكمة على قانونية هذه المصادرات بعد أن قبلت ادعاء الجيش الاسرائيلي بأن شق الشارع يتم أيضا لصالح السكان الفلسطينيين: منظومة الشوارع في الضفة لم تعد تستجب لاحتياجات السكان حيث طرأ ارتفاع ملحوظ على عدد السيارات وعدد العمال الذين عملوا في إسرائيل واحتاجوا إلى مثل هذه الشوارع.

اغلاق الشارع امام حركة الفلسطينيين

في العام 2002، في أعقاب قيام بعض الفلسطينيين بإطلاق النار على سيارات إسرائيلية سافرت في الشارع، قتل خلالها ستة مواطنين إسرائيليين ومواطن من القدس الشرقية، حظرت إسرائيل على الفلسطينيين السفر في الشارع أو السير لأي هدف كان، بما في ذلك لغرض نقل البضائع أو للاحتياجات الطبية الطارئة. وقد اضطر الفلسطينيون إلى السفر عبر طرق بديلة، مشوشة وملتوية، التي تمر عبر نفق تحت الشارع بين القرى المختلفة وداخلها. هذه الطريق التي تبعد أضعافا عن الشارع الأصلي كان من المقرر لها أن تخدم 35 ألف مواطن من سكان القرى في المنطقة.

تم تطبيق حظر سفر الفلسطينيين عبر شارع 443 بداية بواسطة المعيقات المجسمة - البوابات الحديدية، مكعبات الباطون والحواجز، أو بدمج هذه الوسائل - ومن بعد ذلك بواسطة دوريات الجنود، الذين عاقبوا الفلسطينيين الذين انتهكوا هذا الحظر. فيما بعد بدأت الشرطة الا سرائيلية بتحرير المخالفات وفرض الغرامات بحق الفلسطينيين الذين استعملوا الشارع. كما تم نصب حواجز (حاجز مكابيم وحاجز عطروت). في طرفي الشارع حيث يمر داخل دولة إسرائيل أو منطقة نفوذ القدس.

إن الحركة في شارع 443 حيوية للغاية بالنسبة لسكان القرى. بالنسبة للكثيرين منهم، هذه هي الطريق المؤدية إلى أراضيهم الزراعية الموجودة على طرفي الشارع. بالإضافة إلى ذلك، هذه هي الطريق الأساسية إلى مدينة رام الله المركزية في المحافظة، التي يحصل فيها سكان القرى على خدمات تجارية وخدمات صحية وتعليمية. توجد بين سكان القرى وبين سكان رام الله علاقات عائلية واجتماعية. وقد أدى منع الحركة والتنقل فوق الشارع إلى المس بأرزاق سكان القرى وإلى إغلاق أكثر من مائة مصلحة تجارية كانت تعمل على طوله داخل القرى، من بينهم تجار البلاط، الا زهار والأثاث وكذلك المطاعم.

في أعقاب الانتقاد الواسع الذي تم توجيهه بسبب إغلاق الشارع قامت إسرائيل في الأعوام 2007 و2008 بشق ثلاثة شوارع سمتها "شوارع نسيج الحياة" لتكون مخصصة لسكان القرى الفلسطينية فقط، وكان من المفترض لها ان تربط قرى المنطقة بمدينة المحافظة، رام الله. لكن، شق هذه الشوارع جر مسا إضافيا بحقوق الإنسان حيث انه لغرض شق هذه الشوارع صادرت إسرائيل أراض إضافية من القرى المحيطة بالشارع ومن سكانها. إلى جانب ذلك، مع أن شق هذه الشوارع البديلة حسّن من قدرة قرى المنطقة على الوصول إلى مدينة رام الله، غير أنه تم شقها بمعايير متدنية جدا مقارنة مع شارع 443. هكذا، فإن جزءا من شارع "نسيج الحياة" الذي تم شقه بين قرية عور الفوقا وبيتونيا انهار خلال أمطار الشتاء الأخير مما أدى إلى إغلاق الشارع أمام حركة السير.

الالتماس إلى محكمة العدل العليا

في شهر حزيران 2007 قُدم التماس إلى محكمة العدل العليا من قبل سكان ستة قرى مجاورة لشارع 443 بواسطة جمعية حقوق المواطن، وطالبوا بفتح الشارع أمام الفلسطينيين. وقد ادعى الملتمسون في التماسهم أن إغلاق الشارع يمس بحقوق الإنسان للسكان الفلسطينيين، ويتناقض مع القرارات السابقة الصادرة عن محكمة العدل العليا، وتشكل تجاوزا لصلاحيات القائد العسكري وهي غير قانونية لأنها تستند إلى تمييز محظور.

في نهاية شهر كانون أول 2009، بعد مرور عامين ونصف تقريبا على تقديم الالتماس، حددت محكمة العدل العليا بأغلبية الآراء وجوب إلغاء المنع التام المفروض على حركة الفلسطينيين في مقطع من شارع 443 الذي يمر داخل الضفة الغربية. وقد حدد القاضي عوزي فوجلمان في قرار الحكم أن القائد العسكري تجاوز صلاحيته عندما فرض المنع الجارف على حركة الفلسطينيين في شارع 443 وفي كل الأحوال، فإن هذا المنع غير تناسبي على ضوء المس المحقق بحياة سكان القرى الفلسطينية المجاورة للشارع. وقد حدد القضاة للجيش خمسة أشهر من أجل بلورة حل آخر يوفر الحماية للإسرائيليين الذين يسافرون عبر الشارع.

تطبيق قرار محكمة العدل العليا

رغم التحديدات المبدئية الهامة للقاضي فوجلمان، لم يتضمن القرار توجيهات واضحة للجيش بخصوص الطريقة التي ينبغي عليه بتطبيق قرار الحكم. بالإضافة إلى ذلك، رفضت المحكمة طلب السكان بخصوص ضرورة إلزام الجيش بفتح الطريق في معبر بيتونيا الذي يربط بين القرى وبين مدينة رام الله. الترتيبات الجديدة التي اقترحها الجيش فرغت قرار الحكم من مضمونه وما تزال ترتيبات السير الجديدة تبعد الفلسطينيين عن الشارع. تتضمن الترتيبات الجديدة إقامة حاجزين جديدين - قرب معسكر عوفر وقرب مكابيم، يتم فيها طبقا لإعلان الجيش إجراء فحص صارم للسيارات الفلسطينية التي ترغب بالسير بالشارع وفتح أربعة مخارج من الشارع إلى القرى الفلسطينية. تتيح هذه الترتيبات الحركة للفلسطينيين بين القرى لكنها تحول دون استعمال الشارع كطريق أساسية إلى رام الله. يستمر الجيش من خلال هذه الترتيبات في انتهاج سياسة التمييز المرفوضة تجاه سكان المنطقة الفلسطينيين الذين يتم تقييد حركة تنقلهم بصورة كبيرة جدا بينما يحق لمواطني إسرائيل السير فوق الشارع بحرية.

إن من حق إسرائيل بل من واجبها حماية كل إنسان موجود فوق أراضيها ويخضع لسيطرتها الفعالة. كما أن إسرائيل تملك الصلاحية لفرض القيود على حرية الحركة والتنقل لسكان الاراضي المحتلة. ومع هذا، فإن الأمر مسموح فقط إذا كانت هذه القيود ضرورية لاعتبارات عسكرية محققة وفورية واستنادا إلى مبدأ التناسب. لا يبدو أن المنع الجارف على حركة الفلسطينيين فوق شارع 443 في الماضي وترتيبات السير الجديدة مستوفية لهذه الشروط، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أنه تم فتح شوارع أخرى في الضفة الغربية التي فتحت أمام الفلسطينيين، مع انه وقعت فيها بالماضي حوادث إطلاق نار. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هذا المنع لا يهدف إلى خدمة مصالح أمنية وأن إغلاقه يستند أيضا إلى خدمة مصالح غريبة. لو كانت إسرائيل معنية حقا وبصدق في حماية حياة الإسرائيليين الذين يسافرون عبر الشارع، لكانت قادرة على تقييد أو حتى منع سفر الإسرائيليين في الشارع، من خلال تطوير شوارع ووسائل نقل بديلة داخل أراضيها.

إن شارع 443 هو مثال واحد من بين أمثلة كثيرة على نظام منع السير والتنقل الذي تفرضه إسرائيل على السيارات الفلسطينية في الشوارع المختلفة في الضفة الغربية. ومع هذا، على النقيض من الشوارع الموجودة في عمق الضفة الغربية، فقد تحول شارع 443 إلى شارع يخدم يوميا آلاف الإسرائيليين الذين يتنقلون بين المدن داخل إسرائيل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]