إنّها الشّعرة الفاصلة ما بين الحرّيّات المنشودة والخصوصيّات المفقودة.. إنّها اللّحظة الحاسمة ما بين العامّ والخاصّ، لحظة قد تحوّل حياتنا وحياة بناتنا وأبنائنا إلى جحيم..!

في أعقاب الموجة اللّا-أخلاقيّة العارمة الأخيرة، واستغلال وسائل الاتّصال التّكنولوجيّة المتطوّرة، والهواتف النقّالة ببرامجها المتنوّعة، مثل: "إنستچرام" و"واتس أپ" و"ڤايبر" وغيرها، بشكل مؤذٍ ومُسيء ومُعيب فقط، لهدف إشباع غرائز البعض، الجنسيّة منها والمرضيّة النّفسانيّة، أصبح من السّهل فضح أسرارنا، وتداول وتبادل صور بناتنا وأبنائنا الكاشفة الفاضحة عن عوراتهم وعوراتنا..!

إنّ التّحرّش والاعتداء الجنسيّ تخطّى حدود الهمس والغمز واللّمس؛ إذ بات من السّهل استغلال أيّ صورة كانت لفتاة أو حتّى فتًى، بشكل لا-أخلاقيّ، عن طريق فبركتها أو تعرية صاحبتها و/أو صاحبها، لهدف الابتزاز المادّيّ والجنسيّ، والتّهديد بتداولها أو نشرها عبر وسائل الاتّصال التّكنولوجيّة المتطوّرة، بأسرع وقت ولأكبر عدد من مستخدمي هذه الاتّصالات المتطوّرة.

على الأهل واجب مراقبة تصرّفات بناتهم وأبنائهم على السّواء، الأطفال عمومًا، والمراهقون منهم خصوصًا، حيث بات من الصّعب التّحكّم والسّيطرة على تصرّفات البنات والأبناء، وسط ما نشهده من مستجدّات وتطوّرات ومواكبات لعصر نلهث فيه وراء مغريات الحياة، بعيدًا عن جوهرها.

كنت قد حذّرت في مقالات سابقة عدّة من خطورة استعمال وسائل الاتّصال بشكل سلبيّ، وعرضت عددًا من الوقائع الموجعة الّتي حدثت لبناتنا وأبنائنا.. وفي ظلّ ما يحيطنا من عنف جسديّ وكلاميّ وتصرّفات لا-أخلاقيّة واعتداءات جنسيّة يوميّة، وجدت من المناسب التّوعية مجدّدًا، والتّحذير من خطورة ما يجري.

حتّى الثّقة العمياء والحرّيّة شبه التّامة اللّتان يمنحانِها الوالدان للبنات والأبناء، تحتّمان عليهما مراقبتهم بين الفينة والأخرى، ومتابعة ما يدور في أفلاكهم.. وقد دفعت هذه الحرّيّة المُفرطة – في حالات عديدة – إلى الانجراف؛ حيث قامت طالبة عربيّة بتصوير نفسها وهي ترتدي أرخص الملابس الدّاخليّة وأهزلها، لترسلها إلى "عشيقها" الّذي قام - بدوره – بتعميمها ونشرها عبر وسائل الاتّصال المختلفة. وفي حالات أخرى وقع عدد من الأطفال والفِتية ضحيّة اعتداء وابتزاز جنسيّ عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ. وفي الأسبوع الأخير، تمّ تداول ونشر صور لطالبات عاريات من إحدى المدارس الثّانويّة الحيفاويّة، وغيرها.. وغيرها.. وغيرها..!

أعيد وأكرّر ضرورة الحرص على اختيار الأصدقاء عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، والابتعاد عن نشر معلومات أو صور قد يتمّ استغلالها لأغراض مُسيئة ولا-أخلاقيّة، وعلى الأهل عدم الاستهتار، ومتابعة الأمر ومراقبة محادثات وصور وتصرّفات بناتهم وأبنائهم، الأطفال منهم والمراهقون.

تراقب أجهزة الاستخبارات المحلّيّة والدّوليّة، والشّرطة كذلك – عبر وسائل عدّة – العديد من المبحرين ومستخدمي وسائل الاتّصال التّكنولوجيّة، لأسباب أمنيّة وجنائيّة وأخلاقيّة، فتترقّب وتتابع، حفاظًا منها على أمنها ومستقبلها. أمّا نحن، فنترك فلذات أكبادنا يبحرون ويغوصون ويتواصلون كيفما يريدون ومع مَن يريدون، بلا رقيب أو حسيب، فلا نحفظ بذلك، أمنهم ومستقبلهم، خصوصًا بوجود أحدث التّقنيّات التّكنولوجيّة المتطوّرة الّتي تسهّل عمل الكثير..!

لقد أصبحت خصوصيّاتنا عامّة، لا ممنوعات ولا محرّمات! ولكلّ المتحرّرين التّقدّميّين المتفلسفين المنفتحين، أقول: يجب علينا التّعدّي – في حالات معيّنة – على خصوصيّات بناتنا وأبنائنا، والحدّ من حرّيّاتهم، بدل أن يتعدّى الآخر عليهم، فيحوّل، حينها، حرّيّاتهم المنشودة لمجرّد وَهْم، ويستبيح خصوصيّاتهم المعروضة!
(حيفا)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]