في ظلّ قلب الحكم في أوكرانيا، والقلق الذي يسود الدولة ومصيرها المستقبلي، وتحديدا بعد أن خرجت روسيا لتشهر سلاح القوّة من أجل فرض سيطرتها على أوكرانيا ومنع تهديد مصالحها الخارجيّة، وفي حين هدّدت أمريكا ألا تقف مكتوفة الأيدي أمام أي احتمال لتدخل عسكري من قبل روسيا، فماذا يدور هناك؟ مراسلنا تحدّث مع رئيس معهد إيميل توما للدراسات الشرق أوسطيّة، ورئيس الدائرة الفكريّة في الحزب الشيوعي الإسرائيلي عصام مخول.

مصالح للحفاظ على أبواب مفتوحة

في البداية قدّم مخول لمحة تاريخيّة حول أوكرانيا والتي كانت جزءً من الإتحاد السوفييتي، وقبلها كانت دائما منطقة حساسة، حيث كانت امتدادا للأمبراطورية الروسيّة، وهي تشكل كيان سياسي مستقل اليوم، وأوكرانيا تقع على البحر الاسود الموصل إلى المياه الدافئة – وبما فيها شبه جزيرة القرم وهي المخرج الأساسي لروسيا الى المياه الدافئة، ولذلك توجد مصالح للحفاظ على أبواب مفتوحة وتعاون إستراتيجي مع أوكرانيا، وروسيا دافعت تاريخيا عن هذا الممر.

خلق واقع إستراتيجي جيوسياسي جديد على مستوى المنطقة

الجانب الآخر هو أن أوكرانيا هي الدولة التي يعيش فيها أكبر أقلية روسيّة خارج روسيا، وما حصل مؤخرا وفجّر الاوضاع هو محاولة خلق واقع استراتيجي جديد يحاصر روسيا، مضيفا: "الصورة بالغة الوضوح بعد عشرة أيام من الأحداث الحادة هناك، أنّ أصابع الولايات المتحدة وحلف الناتو كان وراء تفجير الأوضاع في أوكرانيا، فقد جرى في أوكرانيا انتخابات رئاسية عام 2013، وهناك اتفاقيات هامة جدا بين روسيا وأوكرانيا وفي صلبها أنانيب الغاز التي تربط بين روسيا وأوروبا الغربية، 80% من الطاقة التي تصدرها روسيا إلى أوروبا الغربيّة يمر عبر أوكرانيا، وما يجري هو في إطار محاولة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية خلق واقع إستراتيجي جيوسياسي جديد على مستوى المنطقة والعالم".

لما يسمى بالربيع العربي، علاقة 

وأشار إلى أنّه لا يمكن الفصل ما جرى في السنوات الماضيّة بالشرق الأوسط وما سمي بالربيع العربي ومحاولات القطع بين أوكرانيا وروسيا، فأمريكا تعمل على ضمان سيطرتها على مصادر الطاقة وطرق نقل الغاز والنفط، ومحاصرة روسيا والصين ومنع أي فرصة لنشوء قوة دولية موازية للولايات المتحدة الأمربكيّة – هي سياسة أمريكا منذ سنوات التسعين. وأضاف: "ما يجري في سوريا، التهديد بالحرب على إيران وتهديد المقاومة اللبنانية عن بناء خط متواصل من الهيمنة الأمريكية على كل مصادر الطاقة وكل البلدان التي تمر بها أنابيب النفط والغاز إبتداءً من المحيط الأطلسي الى شمال افريقيا وصولا الى الشرق الأوسط ودول الخليج حتى أفغانستان، واذا ما سيطرت على سوريا إيران والمقاومة اللبنانية وأخضعتها لهيمنتها فإنّ أوكرانيا تأتي في هذه السياق، ونفس القوى من حلفاء الناتو وذويلها في الشرق الأوسط وتركيا التي لعبت دورا في ما سمي بالربيع العربي، قامت بانقلاب في أوكرانيا لعزل روسيا".

روسيا لن تتردد بأن تفشل ما يحصل في أوكرانيا

وشدّد مخول أنّ روسيا لن تتردد بأن تفشل ما يحصل في أوكرانيا بكل الوسائل ومنها ضمان سيطرتها على شبه جزيرة القرم والمياناء الذي يخدم الأسطول البحري العسكري الروسي، كما وأنّ هنالك اتفاقية بين أوكرانيا وروسيا تنتهي عام 2043 حول الميناء العسكري، ولذلك رد الفعل الأمريكي والغربي يشير أنّ أيادي الولايات المتحدة الأمريكية والناتو كان وراء تفجير الأوضاع في أوكرانيا.

كما وربط مخّول ما يحصل اليوم في أوكرانيا وفشل ذلك في سوريا، حيث قال: "إذا كانت أمركيا قد تحالفت إضافة الى القوى الرجعية والعربية والحركات الأصولية والخليج وتركيا والناتو، اذا كانت امريكا اعتمدت في سوريا من خلال التحالف مع القاعدة وجبهة النصرة وداعش وغيرها من قوى الإرهاب وأطلقت عليهم أسم الثورة وأنهم المدافعين عن الديمقراطية في سوريا، أو الإخوان المسلمين في مصر، فإنّ في أوكرانيا هنالك تحالف أوروبي أمريكي واعتمادهم على قوى تعلن أنها نازية – وهم حلفاء أمريكا وأنّهم ثوّار ومناضلون من أجل الديمقراطية في أوكرانيا، ولذلك من الذي يلعب بالنار ويشعل عيدان النار أمام انابيب الغاز في اوركنيا، وإذا لم تتم رؤية هذه الزاوية لا يمكن فهم ما يحصل في أوكرانيا، وكله من أجل تحسين مواقعها الاقتصادية وهيمنتها على مستوى العالم وهو خطر يهدد السلام العالمي ويجب أن يشعل كل الأضواء الحمرايء أمام من يريد الحفاظ على السلام العالمي".

لا أعتقد أن أمريكا قادرة على فرض حل عسكري في أوكرانيا

وردّا على سؤال مراسلنا حول خشية مواجهات أمريكيّة روسيّة في حال قامت روسيا بالتدخل العسكري لحماية مصالحها هناك قال مخّول: "لا أعتقد أن أمريكا قادرة على فرض حل عسكري في أوكرانيا، هذا ما حصل قبل سنوات في جورجيا، فأمريكا التي تسعى للعب على رئتي روسيا (أوكرانيا) لن تنجح على غرار ما حصل مثلا في ليبيا، وروسيا ليست لاعبا بدون حول ولا قوة، وأوكرانيا هي خط أحمر لروسيا، خاصة وأن أمريكا أصبحت القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وقامت بتضييق الخناق على روسيا، لكن في السنوات الأخيرة إستفادت روسيا من فشل مشاريع أمريكا في أفغانستان والعراق وضرب سوريا وليبيا، وعدم تحقيق النتيجة التي ترجوها أمريكا، وفي ظل الأزمة الاقتصادية فأمريكا غير قادرة على كسب هذه المعركة في أوكرانيا، خاصة وأنّ المصالح الحياتية لروسيا هي المهددة، وروسيا عادت تلعب دورا في العالم، وتريد أن تعود دولة عظمى في العالم، وفي ظل تحسن اقتصاد روسيا بسبب فشل المشاريع الأمريكية، لذلك روسيا لن تسمح لأمريكا اللعب على ملعبها، فأوكرانيا هي الملعب البيتي لروسيا".

الهيمنة الأمريكية، تقارب على الموت 

وفي النهاية أكّد مخول أن الحالة التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي جعلت من أمريكا سيدة العالم المطلق والقطب الواحد، ولكن هذه المرحلة تشرف على الموت، مشيرا أنّه قال في السابق أنّ "على صخرة صمود سوريا على وجه المؤامرة الأمريكية سيتحطم نظام القطب الواحد"، فالتطورات تثبت أن مقدرة أمريكيا على التحكم بإدارة العالم وحدها آخذة بالتآكل، وقوى كبيرة بدأت تبحث عن مكانها، روسيا بقوتها الاقتصادية والعسكرية، الصين وقوتها التي تهدد مركز الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وموقف دول مثل البرازيل، الهند، جنوب، افريقيا، فنزويلا، كوبا، ودول أخرى الرافضة لعالم القطب الواحد، ذلك فإنّ عالم الامبراطورية الأمريكية آخذ بالتآكل، ومحاولة قلب النظام في أوكرانيا بهذا الشكل بعد أقل سنة من الانتخابات في أوكرانيا التي رفضت المعارضة المدعومة من أمريكا ستفشل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]