خلف الكواليس

لست من عشاق موسيقى "الجاز"، لكنني مغرمة بالموسيقيين والمغنين عمومًا. وعدت إحدى صديقاتي بمرافقتها إلى عرض فني، "فجرّتني" للجلوس في الصف الأول الأمامي في القاعة، وقبل ذلك "سحبْتُها" معي لنتناول كأسين أو ثلاثة من المشروب في أحد البارات.
دخلتُ القاعة وأنا منتشية مبتسمة، ومن النظرة الأولى أحببت عازف السكسوفون الذي يتلوى على وقع الأنغام التي يعزفها، وتمنيت في مخيلتي أن يرفع شفتيه عن آلته، ليقبّلني! كان هذا العازف الشاب طويل القامة، أجعد الشعر، وعلى العموم: جذابًا كارزماتيًا"!

هجوم...!

طوال العرض كنت أكرّر على مسامع صديقتي أنني عازمة على "التحرش" بهذا العازف الوسيم، بل ولن أتوانى عن مضاجعته خلف الكواليس، فكانت صديقتي ترمقني بغضب هادئ وهي تهمس: كفّي عن حماقاتك الهوجاء! فازددتُ إصرارًا على الانقضاض على فتى خيالي الجامح.

وحين نزل عن المسرح، اندفعت باتجاهه فتاة شقراء نحيلة، ورأيتهما يتبادلان أرقام الهواتف، وما هي إلا لحظات حتى توارى خلف الكواليس، فأسرعت إلى هناك، وما أن وقعت عيناي عليه حتى عاجلته بالقول: تعال يا "ريتشارد جير"، لنغمر المدينة بالألوان والألحان، وليصبغ السكسوفون الفضاء بأنغام الجاز... فنظر إليّ مشدوهًا من جرأتي وشاعريتي، وقبل أن يجيب أمسكت بتلابيبه وقبّلته، وبادلني بقبلة حارة لا أعرف كم من الوقت استغرقت، ووجدنا نفسينا في غرفة صغيرة منزوية، غارقين في القبلات والمداعبات، ورحنا نجرّد بعضنا البعض من الملابس، حتى آخر قطعة، فبادرته سائلة: معك كوندوم؟ فأجاب مرتبكًا متلعثمًا: الحقيقة أنّ هذه أول تجربة لي من هذا النوع.

صُعقت وصدمت من هذا الكلام، واعتراني غضب وخيبة وإحباط، فهذه ليست أول مرة اصطاد فيها شابًا عديم التجربة، فكان الجماع بيننا لا يستغرق أكثر من ثلاث أو أربع دقائق، يتخلله أنين وتأوهات غريبة تنتهي بقذف سريع، وأحيانًا ببكاء طفولي من الشريك... فقررت هذه المرة أن أضع حدًا للمهزلة المحتملة، فارتديت ملابسي على عجل، وودعت عازف الجاز بقبلة سريعة وغادرت المكان.

تعلمت الدرس!

في طريقي عرجت على المراحيض ونظرت إلى حالتي بالمرآة فتنبهت إلى خدش وأثر أحمر على رقبتي، من "عراكي الغرامي" ومعانقاتي للولد الساذج "الأعذر" (من "عذراء"!)، ورأيت في هذه العلامة وصمة عار تدل على مغامراتي وعربداتي المنفلتة، ومع من؟ مع ولد لا يفهم شيئًا في الجنس والهوى والغرام، وهمست لنفسي: "مستاهلة". وعندما خرجت من المراحيض رأيته واقفًا بصحبة أصدقائه ووالديه، فأدركت هول غلطتي وفداحتها، وقد سمعتهم يتحدثون عن اقتراب التحاقه بالخدمة العسكرية، فشعرت بغصّة وسألت نفسي: هذا الأهبل سيكون جنديًا؟ وشعرت بنظرات أصدقائه ووالديه تلاحقني، وكأنهم يعلمون بما جرى بيننا، فأشحت بنظري عنهم، وأسرعت إلى حيث تنتظرني صديقتي، لنهرب بسرعة.

مهما يكن من خيبة وفشل وإحباط، فعلى الأقل زودت صديقتي بموضوع للتندّر والسخرية.

وما زالت تستذكر هذه الحادثة وترويها على مسامع الأصدقاء، فتعلمت الدرس: قبل أن أضاجع شابًا، يتوجب عليّ أن أعرف عنه كل شيء كيلا يسبب لي الخيبة والإحباط، وإلا "راحت عليّ"!

بعد بضعة أيام زالت آثار الخدوش عن رقبتي، ولم أعد مضطرة لارتداء اللفحات، ورحت أبحث عن "فرائس" جديدة، وصادفت أكثر من أحمق ساذج على شاكلة العازف الخائب.. وهذه حكاية أخرى..!

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]