كعادتها لا تلقي السلطات الأسرائيلية بجميع اذرعها العسكرية والسياسة بالا لكرامة البشر ولا لحرمة منازلهم ، فترى جهازها السياسي يضرب بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية فيما يضرب جهازها العسكري بيد من حديد محاولا سحق المواطن الفلسطيني الذي انتفض خائضا لمعركة فاقدة لموازين القوى في وجه الة الحرب الإسرائيلية ن فهي لا تكتفي بسحق ذلك المقاوم فقط بل تذهب الى أبعد من ذلك بكثير فتحاربه في أمن وأمان بيته وأهله وعائلته ، وقد أكرمني الله بأن التقي قبل سنوات في معتقل جلبوع بأسير من الجليل الفلسطيني وتحديدا من قرية البعنة كان مثالا ودليلا على ما ذكرته سابقا ، فلم تكتفي السلطات الإسرائيلية بأن تصدر عليه حكما بالمؤبد تسع مرات اضافة الى 30 عاما بل ذهبت الى معاقبة اهله والتضييق عليهم ماديا ونفسيا حتى وصل بها الأمر الى حرمان والديه من زيارته بحجة أنهم ممنوعون من قبل جهاز الأمن العام " الشاباك " .

استرجاع لذاكرة !

وفي زياة لي لمنزل الأسير البكري رجعت بذكرياتي الى سنين الإعتقال في سجن جلبوع ، فقد رأيت ذلك المنزل الذي طالما حدثني عنه عندما كان يشرح لي عن الطريقة الهمجية التي تم اعتقاله فيها عندما اقتحم المئات من أفراد الوحدات الخاصة الإسرائيلية بمساعدة العشرات من السيارات العسكرية ذلك المنزل في الساعات الأولى من فجر اليوم الثامن من شهر اغسطس في العام 2002 ورأيت تعابير أفراد عائلته التي عجزت عن تصور مدى ألمها على فراق ابنها ولم أكن لأفهم ذلك الألم لو لم أقم بتلك الزيارة ، فما أن عرفت الحاجة ملكة والدة البكري انني كنت معتقل مع ابنها حتى اغرورقت عينيها بالدموع وأخذت ترحب بي وكأن ابنها أمام ناظريها من شدة شغفها وشوقها له !

الرواية الكاملة ...هذه المرة أسمعها بلسان العائلة

تماما كما سمعتها قبل سبع سنوات من الأسير ابراهيم عندما كنا سويا في سجن جلبوع، شاء الله تعالى أن أعود وأسمعها مرة أخرى بلسان عائلته ولكن هذه المرة عشت تفاصيل ليلة اعتقاله بكل أحاسيسي، كانت الصورة محسوسة ومُجسدة أمام ناظِري، فيشير الأب الى ذاك الباب، تلك الغُرفة، وهذا الممر ، أخذ يشرح لي تفاصيل تلك الليلة بكل دقة فقال " كنا نائمين فاستيقظنا الساعة الثالثة صباحا على أصوات وصراخ وحدات الشرطة الخاصة الذين اقتحموا الحي بمساندة العشرات من المركبات العسكرية فدخلوا الى داخل المنزل عنوة دون أي استئذان وأخذوا يعيثون فيه فسادا " .
وتابع والد الأسير حديثه مشيرا باصبعه الى زوايا البيت فتارة يشير باصبعه الى تلك الخزانة التي قلبها أفراد الشرطة ليلة الإقتحام وتارة يشير الى تلك الزاوية التي تم حجزهم فيها أثناء التفتيش وأخرى يشير الى ساحة المنزل حيث كانت تقف عشرات المركبات العسكرية ليلة الإقتحام تماما كما سمعتها من ابنه قبل سنوات في المعتقل.

وتحدثت والدة الأسير الحاجة ملكة فقالت " كانت ليلة لن تنتسى فقد هاجمو بيتنا بكل شراسة وعدم انسانية ، رأيت في أعينهم كرها لنا كفلسطينيين ..
تفاصيل العملية بلسان العائلة ...

في اليوم الثاني من شهر اغسطس للعام 2002 احضر الأسير ابراهيم رفيقا له الى منزل العائلة حيث مكث عندهم ثلاث أيام لكن العائلة لم تكن تعرف بأنهم يخططون لتنفيذ عملية في الشمال الفلسطيني ولم يكونوا يعلموا بأن هذه العملية سيتم تنفيذها خلال أيام قليلة ، كل ما كانوا يعرفوه هو أن هذا الشخص هو رفيقا لابنهم فقد كان يعمل معه لمدة ثمان سنوات في أعمال البناء والترميمات وفي فجر اليوم الرابع من نفس الشهر انطلق الأسيران ابراهيم وياسين برفقة منفذ العملية باتجاه مناطق الشمال يبحثون عن أهداف للعملية حيث قام الإستشهادي بتنفيذ العملية قرب مدينة صفد .

السلطات تعتقل الوالد والوالدة وتحكم عليهم بالسجن الفعلي ...

ما أن قامت السلطات الأمنية الإسرائيلية باكتشاف ملابسات القضية حتى بدأت بحملة اعتقالات واسعة وعشوائية لجميع سكان الحي الذي يقطنه الأسير ابراهيم حتى أنها قامت باعتقال كل من تكلم مع الإستشهادي أو حتى راه وقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية ما يزيد عن 37 شخص من عائلة البكري فاعتقلت اوالده ووالدته وأعمامه جميعا وأبناء عمه ، وقد أفرجت عنهم لاحقا بعد فترات متفاوتة من الإعتقال والتحقيق ، فقسم منهم تم الإفراج عنه بعد عشرين يوما ومنهم بعد شهر ومنهم من قضى ستة أشهر قبل أن يتم الإفراج عنه من قبل المخابرات الإسرائيلية التي قامت باعتقالهم وتوقيفهم دون أي مسوغ قانوني ..

لكن السلطات الإسرائيلية لم تكتف بذلك فقد قامت بتقديم والد الأسير ابراهيم البكري ووالدته للمحاكمة ، حيث تم الحكم على الوالد بالسجن الفعلي لمدة سنتين وأربع سنوات إعتقال منزلي ،وذلك بتهمة التستر على منفذ العملية وتقديم المساعدة له ، فيما تم الحكم على الوالدة بالسجن لمدة سنة كاملة ، وقد قالت الحاجة ملكة حين سألناها عن التهمة التي وجهت اليها قالت " هذه دولة فاقدة القوانين ، لقد تم الحكم علي بالسجن لمدة سنة فقط لأني قمت بتحضير الطعام لضيف دخل منزلي ...أي قوانين وأي دولة تمنع المرأة من أن تقوم بتحضير الطعام لأي شخص يدخل منزلها !!!" .

تضييق مستمر على الأهل وحرمان غير قانوني من الزيارة ...

تنتهج السلطات الإسرائيلية أساليب عدة لتضعف بها نفسية الأسرى الأمنييين بشكل عام وذلك من خلال الضغط النفسي المستمر عليه داخل الأسر عبر التنقلات المستمرة والمخالفات التي تصدرها ادارة السجون بحقه من غير وجه حق وحرمانهم من كافة حقوقهم القانونية كالتعليم والزيارة وإدخال الكتب وممارسة الرياضة ، لكن هناك وسيلة خرى للضغط على الأسير الأمني وهي بالنسبة اليه أكثر صعوبة من الأولى الا وهي الضغط والمضايقة المستمرة لأهله في الخارج سواء عبر التشديد عليهم في الزيارة أو حتى حرمانهم منها في العديد من الحالات تماما كما حدث مع عائلة الأسير البكري حيث منعت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ذويه من زيارة ابنهم تحت حجة أنهم مرفوضون من قبل الشاباك ، حيث قامت مؤسسة يوسف الصديق بالإستئناف على القرار وقد استطاعت عبر محاميها الأستاذ عز الدين جبارين أن تنتزع حق الزيارة للولدة فيما ينتظر الأهل قرارا بخصوص الوالد الذي رفضت المحكمة السماح له بزيارة ابنه تحت حجة المنع الأمني .

والدة الأسير البكري : لا أريد أن اصبح مثل والدة الأسير وليد دقة !!

مشيرة الى مدى التخوف الذي تشعر به العائلة جراء الأنباء المتضاربة حول الدفعة الرابعة من الإتفاق الذي تم التفاهم السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية بوساطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، قالت والدة الأسير البكري " نحن لدينا ثقة بالسلطة وكلنا أمل بأنها لن تخذلنا وستبقى ثابتة على مطالبها وهنا أنا أتحدث عن الأسرى القدامى الأربعة عشر من الداخل وأقول بأنهم جميعهم أبنائي وأن الإفراج عنهم هو بمثابة الإفراج عن ابني فتحريرهم يعطينا أملا بالإفراج عن باقي الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ، أنا فخورة بابني وبما قام به فابني لم يفعل واحد بالمئة مما فعله بنا اليهود " .

وتابعت الحاجة ملكة قائلة " انا اريد أن يتم الإفراج عن ابني مثلي مثل أي أم في الدنيا بأي طريقة كانت حتى لو كلفني ذلك لأن اموت في سبيل ذلك فأنا لا اريد أن يبقى ابني طول حياته خلف القضبان ولن أقبل بأن تأتي الي بعد عشرين عاما لكي تجري معي مقابلة كوالدة أسير من الأسرى القدامى".

رسائل

في ختام اللقاء وجهت عائلة البكري رسائل الى السلطة والفصائل الفلسطينية مطالبة اياها بانهاء ملف المصالحة وضرورة الألتفاف الجدي حول قضية الأسرى ومحاولة البحث عن حلول ملائمة للإفراج عنهم والذي لا يمكن أن يتم في ظل الإنقسام والفراغ السياسي الذي يخيم على الساحة الفلسطينية ، كما ووجهت رسالة شكر وتقدير الى كافة المؤسسات الحقوقية التي تختص بشؤون الأسرى و التي دعمتهم خلال السنوات السابقة وعلى رأسها مؤسسة يوسف الصديق لرعاية السجين .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]