التقيتها في بيتها، فوجدتُ إنسانة قويّة، معنوياتها عالية، لكن خلف الابتسامة بعض الحزن الدفين، تخفيه، ثم تعود لترسم ابتسامة رضى وشكر، على دعم العائلة والمجتمع لها، نتحدث سيدة من إحدى قرى الشمال، أمٌ لشاب وأربع بنات.

وبدأت تسرد لي حكايتها قالت: تتلخص حكايتي بتعرضي مِن قِبل أحد الموظفين في المؤسسة التي كنتُ أعمل بها للتحرش، في البداية كنت أعود الى البيت متوترة، وعصبية، وطوال الوقت كنتُ أجلس لوحدي، وعندما تكرّر الاعتداء، ثلاث مرات، كنتُ في الطابق الثالث، نزلت إلى الطابق الثاني، توجهت مباشرةً لإحدى الموظفات، وهي ذات مركزٍ مؤثّر في المؤسسة، وأبلغتهما عن الاعتداء، فتلقيتُ دعمًا كبيرًا منهما، وتوجهتُ مباشرةً إلى الشرطة، كنتُ طوال الوقت أخاف أن أخبر زوجي عن الاعتداء، لكن بفضل المسؤولة في عملي، التي قامت باستدعاء زوجي، وإبلاغه بقضية التحرش، وقرر الوقوف إلى جانبي، ومرافقتي في المسار القضائي.

تساءلت السيّدة (ب): "ليش اسكت، ليش أخاف، أنا ما غلطتش هو اللي غلط معاي".

تتابع: "شعرتُ برضى كبير بعد أن وقفت عائلتي إلى جانبي، وقامَ زوجي بدعمي، هو والعائلة، وأهلي بمن فيهم أمي وأشقائي وشقيقاتي، ورفض الجميع أن أتنازل عن حقي".

تقول السيّدة الضحيّة: "إنّ مسألة الاعتداء الجنسي ليس له علاقة بالجيل ولا بالشكل ولا بأي شيء، فهو مرض عند مرتكب الجريمة، لقد قرأتُ قبل فترة قصيرة عن رجل في عمر (59 عامًا)، اعتدى على سيّدة عمرها (60 عامًا). وفي رمضان الماضي توجه المتهم إلى أحد أسلافي طالبًا مِنه اسقاط الدعوة، فردّ عليه أنه لا يعرف شيئًا، وجاءَ يسألني، فحكيتُ له كل التفاصيل، قلتُ له يومها: "هل تقبل أن يدخل أحدهم ويغلق الباب على زوجتك غصبًا عنها، سأسقط الدعوى؟"، فردّ أنه يرفض ذلك، وأنّ لي القرار في مسألة متابعة القضية قانونيًا".

يقول زوج السيدة المعتدى عليها: "أنا لم أتردد، علمًا أني لم أعرف منها، في المؤسسة تحدثت الي الشخصية المؤثرة وأبلغتني بالتفاصيل، وقالت لا نريد التهور، لكن الأمر غير مطلوب، ومنذ العام 2005 وأنا اتابع مجريات التحقيق، وانتظر التطورات المحكمية، لكن الغريب أن يبقى الموظف في منصبه رغم الحقائق الواضحة".

عن القانون الإسرائيلي والتعسُف

ترى السيّدة المشتكية أنّ القانون الإسرائيلي لا يعطي الحق لصاحبه، بسهولة، وأنّ الواسطات هي التي تُديرُ الأمور، و"لو أنّ القانون فعلاً له دوره، لما بقي المتحرش في وظيفته".

تضيف: "أتمنى ممن لم يقف إلى جانبي، أن يُصاب بنفس الجرح، حتى يعي معنى الظلم، ويصرخ بأعلى صوته، كي يُخرج الموظف من مكانه".
تعود الزوجة فتقول: إنّ صمت المرأة العربية حين يتم المس بها، خوفًا مِن المجتمع ومن تقولاته، مَع أنّه يجب أن تصرخ وتُعلن للجميع أنّ لها حق ويجب أن تقف عنده".

وتضيف: "في البداية كان الأمر قاسٍ عليّ، لم أستوعبه، لكن عندما وقف البداية صعبة جدًا، مررتُ بظروف قاسية، كنتُ لا أحب رؤية أحد، لكنني الآن راضية عن نفسي، وأرفع رأسي، ولا شيء يُخيفني، فلماذا نصمت عن الحق؟! الآن حتى لو طلب مني العالم كله أن أسقط الدعوى فلن أسقطها، لأنها مسألة حق وكرامة، علمًا أنني كنتُ في البداية خائفة من رد فعل زوجي لكن دعمه قلب حياتي وزاد من ثقتي به وثقتي ببناتي وابني".

وتابعت: "آمل أنني استطعت أن أؤثر على النساء، ودفعهن للإعلان عن الاعتداء، وعدم التستر والكبت في مواجهة المعتدي".

وتأمل المشتكية أن تكون قصتها مثلاً يحتذى به، مِن قبل نساء وأبناء مجتمعنا، بحيثُ يتجاوز الإنسان خوفه ويقوى على المواجهة مِن أجلِ مستقبلٍ أفضل للجميع. وكانت آخر كلماتها: إنّ كرامتي لا تُشترى بالمال.

يُشار مدير قسم المرافعة في جودة السلطة، يرافق المشتكية خلال جلسات المحكمة. إضافة إلى زوجها، الذي يرافقها في داعمًا.

جمعية كيان تواجه التحرش الجنسي

وبخصوص ملف السيّدة ب ، تتابع جمعية كيان ومحاميتها، بالإضافة إلى مدير قسم المرافقة في جودة السلطة ملف الضحية من الشمال، جميعهم يرافقون الضحية، وعن قضيتها تعلّق المحامية راوية حندقلو، باسم جمعية كيان قائلة: " المسار الجنائي لم يصل إلى نهايته بعد، ليس بسبب المشتكية، بل بسبب صفقات الادعاء التي تقوم بها النيابة العامة. المثير في الأمر أنّ السيّدة عملت في إحدى المؤسسات في البلدة، وتعرضت لاعتداء مِن الموظف، والذي تحرش بها ثلاث مرات، أقفل الباب عليها، حاول لمسها، وعندما طفح الكيل وصار من الصعب استيعاب الوضع، قررت المشتكية التوجه إلى القضاء، ولجأت للمسار القانوني".

تضيف: "في البداية شعرَت الزوجة بالخوف من ردة فعل الزوج والعائلة، ومن نظرة مجتمعها، وتحميلها المسؤولية، لكنّ موقف الزوج جاء مفاجئًا بصورة إيجابية، كونه تقبّل الموضوع، وساند زوجته، التي توجهت لمركز العلاجات النفسية، كما تابعت بالمسار الجنائي، وقد وصلت النيابة الى صفقة ادعاء فيها لائحة اتهام معدلة لا تتحدث عن "تحرش جنسي"، بل عن تصرف غير لائق في مكان عام، وقد حُكم بالسجن المشروط، علمًا أن المسار القضائي كان يمكن ان يسير بطريقة اخرى. وقد وكل المعتدي محامٍ خاص، وتقدمت بدعوة مدنية ضد المؤسسة التي يعمل بها، وفُرض على الموظف بدفع مبلغ 30 الف شيكل، كما تقدمت المشتكية بدعوة أخرى للقضاء المدني، ضد التأمين الوطني، لاعتبار التحرش الجنسي حادثة عمل".
تضيف حندقلو: "جاء في قرار المحكمة، أنّ ما مرت به المشتكية هو تحرش جنسي وتعرضت لضرر كبير وبناءً عليه تم الاعتراف بالاعتداء كحادث عمل، ما يعتبر انجازًا كبيرًا، بسبب مواكبة المشتكية لحقها، علمًا أنّ نساء اخريات قد يتنازلن عن حقهن في المسار القانوني والجنائي".
ويشار أنّ السيّدة التي تعرّضت للتحرش، قد تضررت بسبب خفض نسبة وظيفتها، وعوقبت بنقلها إلى مكان عمل آخر، بينما بقي الموظف في منصبه.

وتؤكد المحامية أنّ أفضل ما فعلته (ب) أنها استطاعت التأثير على الآخرين، وتحفيزهم على المواجهة، حتى أنّ بعض النساء قررن أن يقفن إلى جانب السيّدة، عندما آمنّ بضرورة دعمها.

وتقول المحامية راوية حندقلو: أنّ جمعية كيان تعمل في الأحوال الشخصية منذ 10 سنوات، وتقوم بمعالجة قضايا حقوقية إلى جانب الأحوال الشخصية، إضافة الى النظر في حقوق النساء في العمل والتحرش في أماكن العمل.

وتضيف: "إنّ التحرشات الجنسية موجودة في الكثير مِن الأماكن، بل إنّ واحدة من بين ثلاث نساء تتعرّض للتحرش الجنسي، لكن ما يؤذي أنها تصمت وكأنّ شيئًا لم يكن، رغم أنها تتعرض لإيذاء نفسي وعصبي وجسدي واجتماعي".

تضيف حندقلو: "واضح أنّ المجتمع "يطبطب" عندما يكون الرجل هو المعتدي، بينما تُلام الضحية، وتبدأ بالبحث عن تبرير ودفاع عن نفسها، مع أنها هي التي تعرّضت للإيذاء".

وتُنهي المحامية راوية حندقلو: "الضحيّة حاولت تبرير موقفها، بالتأكيد أنها لم تكن متحجبة، لكنها لا تعرف أنّ التحرُش ليس له علاقة بشكل المرأة ولا بما ترتديه، لأنّ المشكلة أساسًا فيه وليس في المرأةِ نفسها، وما يؤكِد ذلك، أنّ سيدات كبار السِن يتعرّضن للتحرش، أو حتى أطفال من الذكور والإناث، لا ذنب لهم ولا حيلة، وعليه "لا يجب ترك المعتدي ومعاقبة الضحية، أو لومها".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]