يحتفل أبناء الديانة اليهودية في هذه الايام بعيد الفصح، (بالعبرية: פֶּסַח پيسَح) وهو أحد الاعياد الرئيسية والمركزية في اليهودية. يُحتفل بهذا العيد لمدة سبعة أيام وذلك تذكراً وأحياءاً لخروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية كما يوصف في سفر الخروج. وهذا العيد هو من الاعياد المذكورة في التوراة، حيث جاء فيها:

"وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فانه بيد قوية اخرجكم الرب من هنا ولا يؤكل خمير. ..... . وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلا من أجل ما صنع إلي الرب حين اخرجني من مصر. ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لانه بيد قوية أخرجك الرب من مصر. فتحفظ هذه الفريضة في وقتها من سنة إلى سنة." (سفر الخروج).

وبحسب سفري التكوين والخروج، والتفسير التراثي اليهودي لهما، كان بنو إسرائيل عبيدا للمصريين فتمردوا على الفراعنة وذهبوا إلى سيناء لمدة أربعين عاماً حتى استقروا في بلاد كنعان. "خلال ترحالهم في بادية سيناء أنزل الرب على موسى وبني إسرائيل وصاياه وجعلهم شعبا موحدا".

من هذا المنطلق يعتبر العديد من اليهود هذا العيد عيد الحرية والتحرر والانعتاق من العبودية والطغيان، بعد ثورة وصدام مع مصر الفرعونية وبداية تشكل الوعي التاريخي للجماعة وتسلم النصوص اللاهوتية من الرب.

ولكن من المفارقات التاريخية والزمكانية أن الحكومات الاسرائيلية وخصوصا الحالية ( والتي تدّعي تمثيل كل الشعب اليهودي) إضافة إلى مشاريعها العنصرية الكولونيالية -الاحتلالية للشعب الفلسطيني الاصلاني أعلنت على لسان المتحدث باسم الجيش وباسم وزير الامن يعلون( الذي أعلن هو أيضا بدوره يوم أمس الاستيلاء على 984 دونما لصالح المستوطنات في منطقة القدس) بفرض الاغلاق على مناطق الضفة الغربية ليومين كاملين ومن ثم سيتم إجراء تقييم للوضع. المعنى الفعلي لهذا القرار هو منع آلاف الفلسطينيين من التنقل والحركة بل وسجنهم في مناطق مغلقة. ليس هذا الامر بالجديد فغالبية الشعب الفلسطيني القابعة تحت نير الاحتلال ممنوعة من دخول البلاد أصلاً طيلة أيام السنة ولكن لارتباط وتشابك وتمازج الحدثين المذكورين ( الحرية والإغلاق) دلالات ومعان متعددة.

من جانب آخر رفضت الحكومة الاسرائيلية إطلاق سراح الدفعة الرابعة من المعتقلين الفلسطينيين الذين تم الاتفاق على إطلاق سراحهم (وخصوصا أسرى الداخل) مما دفع إلى انهيار المفاوضات والتي لم نعول عليها منذ البداية إطلاقا. بالإضافة إلى ذلك، فقد قامت قوات الشرطة بالتحقيق مع مجموعة من الشباب الذين تظاهروا في مدينة الناصرة هذا الاسبوع وعبروا عن ارائهم واحتجاجهم ضد الاحتلال وممارساته البشعة وضد محاولات تجنيد العرب سواء للخدمة المدنية او للجيش وقد سبق هذه التحقيقات والاعتقالات اعتقال صحافي شاب وناشط في مركز عدالة الحقوقي أثناء عودته إلى البلاد. ومؤخرا فرضت المحكمة السجن الفعلي على الشيخ رائد صلاح وأدانت بعض اعضاء الكنيست العرب والحكومة مستمرة بملاحقة القيادات العربية واعتقال الشباب العرب الدروز الرافضين للتجنيد.

إن الحرية هي المنارة التي تشتق منها حقوق الانسان ومن خلالها يترجم كل انسان كرامته بشكل عملي وهي تشكل المدخل للحق بالحياة، والاستقلال والمساواة، والعدل، وتحرر الفكر، والاحترام وحرية التعبير وطمأنينة العيش وحرية الحركة والعمل وما إلى ذلك من حقوق سياسية واجتماعية وثقافية ومدنية. الكثير من الفلاسفة والمفكرين اطالوا وتبحروا في الحديث عن الحرية وخصوصا في بنية العلاقة بين الحاكم والمحكوم- السيد والعبد والتي تنطبق على المشهد الاسرائيلي-ألفلسطيني والتي لا مجال لاستعراضها في هذا السياق.

يشير التأمُل في ما أوردناه إلى ان الحكومة الاسرائيلية في كثير من الاحيان تعامل كل ابناء الشعب الفلسطيني بنفس المنهجية والتوجه ولا تميز بين من يحمل المواطنة وبين القابع تحت الاحتلال. كما ان غزة في حالة حصار فإن الضفة فعليا ورمزيا تحت الحصار( وهذا للتذكير بان غزة والضفة اختان تحملان الهم ذاته). من الاهمية بمكان التوضيح، أن فهم المجتمع الاسرائيلي لقيمة الحرية يعني قمع ومصادرة وسلب وتقييد حرية الفلسطيني.

ومن جانبٍ آخر تُعاد دوامة التاريخ حيث ان اليهود الذين استُعبدوا في الماضي وقُيدت حريتهم من قبل فراعنة مصر أو نُكّل بهم من قبل قادة أوروبا يمارس قادتهم الصهيونيون الان استعباد الشعب الفلسطيني والتحكم بحياته ومصيره. وهذا يؤكد بان الاسرائيلي بالرغم من استحواذه على كل وسائل واليات القوة إلا أن الخوف ما زال يسيطر على مسلكياته وبذلك فهو بذلك أسير ذاته ومعتقداته. هذا ما جعل الشاعر محمود درويش يسعى من خلال القصيدة إلى تبديد الاوهام الصهيونية والى "تحرير الأعداء بإعادتهم إلى الحظيرة الانسانية.

لقد قال د. صائب عريقات في مؤتمر مركز مسارات في رام اللهة في الاسبوع الماضي ان استرتيجية نتنياهو تستند إلى ثلاث ركائز: ان تكون سلطة بدون سلطة واحتلال دون تكلفة وفصل قطاع غزة عن القضية الفلسطينية. للأسف ، لم يفصح عريقات ما هي أستراتيجية السلطة الفلسطينية لمواجهة هذه التوجهات وخصوصاً ان الحكومة ماضية بمصادرة الاراضي، واعتقال آلاف الاسرى وتقييد حرية الشعب الفلسطيني.

باعتقادي ان ركيزة النضال الفلسطيني يجب أن تكون التحرر لكل أبناء الشعب الفلسطيني : التحرر من اللجوء، التحرر من الاحتلال والتحرر من التمييز والعنصرية. وهذا لن يحدث الا اذا وُجِدَتْ قيادة فلسطينية موحّدة وحازمة وُجدت مؤسسات وحدوية ناجعة واُتُفق على استراتيجية تحرّر موحدة. من الضروري إعادة توحيد كل أبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا في أطار مشروع وطني تحرري أخلاقي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]