قد نتفق جميعا على ان تمثيل الاعلام في العصر الحالي لم يعد يقتصر على التلفاز والاذاعة والصحف، بل دخلت الى عالمه مواقع الانترنت الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي والمدونات كمنافس قوي يزاحم على الوصول الى قمة الهرم الاعلامي الموفر للجمهور المعلومة والتحليل.

وربما يجادل البعض ان الاعلام كفكرة وممارسة بسيطة هي قديمة قدم الانسان، ولكن تطور وسائل الاعلام قد يكون قد اسهم بشكل كبير بإيجاد مؤسسة الاعلام التي تطورت لتصبح ذات التأثير الاكبر على الرأي العام مع مرور الوقت.

وكما دخل التلفاز وقبله الاذاعة الى عرش تربعت عليه الصحف طويلا، جاء الانترنت وما يثري محتواه الفضاء المعلوماتي من كم هائل من المعلومات والاخبار والآراء لينافس بذلك وسائل الاعلام الكلاسيكية على المكانة بين الجمهور، وكذلك لينافسها على استخدام ادوات توجيه الرأي العام، لا سيما اداة تأطير المعلومات.

ونظرا لأهمية الانترنت ومكانته لدى الجمهور، وسائل الاعلام التقليدية تحرص على التواجد أيضا في الفضاء الالكتروني لتنقل رسائلها الاعلامية المصاغة برؤية معينة من الشاشة الصغيرة او اثير الاذاعة او صفحات الجرائد الى صفحاتها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وباتساع نطاق استخدام الانترنت وما تضمن ذلك من بناء للمواقع الالكترونية الشخصية وانشاء شبكات التواصل الاجتماعي التفاعلية انتقل الجمهور من حالة المستقبل فقط، الى حالة المستقبل والمرسل للرسالة الاعلامية في آن واحد، اذ انخرط جمهور الانترنت أيضا في إنشاء وعرض محتوى الانترنت.

وبناء عليه فقدت وسائل الاعلام التقليدية ميزة القدرة الحصرية على تشكيل القصص المعلوماتية والتأثير في الرأي العام وتوجيه انظر المشاهدين الى طرف او زاوية في الحكاية دون غيرها، حيث اصبح لدى مستخدم الانترنت القدرة أيضا على الاسهام في صياغة المحتوى المعلوماتي على ذلك عبر الفضاء الالكتروني.

فبعد ان كانت الاخبار المبثوثة والمنشورة تشكل في مباني الاذاعة والتلفزيون وفي مقرات الصحف وتخضع تشكيلتها وصياغتها وتقديمها للجمهور لقرار المحرر او بما يتناسب مع مواقف المؤسسة الاعلامية ومصالح الجهة الداعمة لها والمتحالفة معها، اصبح بمقدور مستخدمي الإنترنت ان يتلقوا الاخبار من مصادر اخرى، بل واصبح بمقدورهم أيضا ان يكونوا مشكلين للمعلومات والاخبار المتناقلة والمبثوثة من الانترنت بما يتوافق مع رؤيتهم هم.

يقول استاذ تحليل الشبكة الاجتماعية باري ويلمان في كتابه الحديث "التشابك: نظام العمل الاجتماعي الجديد"، ان المستخدم والذي هو اصلا يقع ضمن المجتمع المتشابك، تحول الى منشئ للمعلومة في محتوى الشبكة. وهنا تكمن قدرة مستخدمي الانترنت وهي في التأثير على ما يتلقاه جمهور المعلومة.

وبالانتقال الى محتوى ذات المعلومة التي تبثها وسائل الاعلام، والعوامل التي تؤثر على صياغتها ونشرها بطريقة معينة، فان استاذ الاعلام المتخصص في دراسة "التأطير الاعلامي" روبرت انتمان وصف التأطير الاعلامي بانها عملية تتضمن اختيار وابراز، اذ تقوم على اختيار جانب من جوانب الحقيقة وجعلها اكثر بروزا في النص بطريقة تؤدي الى تسويق تعريف وفهم معين للقضية المطروحة، وتقديم تفسير للمبررات التي ادت الى حدوثها وكذلك تقييمها اخلاقيا وطرح حلول لها. واشار انتمان في عمل بحثي لاحق الى ان التأطير هو ايضا اقتطاف عناصر قليلة من الحقيقة المدركة وتجميع رواية تركز على صلات بين هذه العناصر بهدف التسويق لفهم معين للقضية المطروحة.

وربما كانت عناصر التأطير الاعلامي هذه متواجدة عند كل خبر يخص قضايا عامة تتناقله وسائل الاعلام التقليدية، الا ان ما نراه الان من انتشار الاخبار والمعلومة الذاتية الصنع من قبل مستخدمي الانترنت، قد يكون مؤشر على ان عملية التأطير هي ايضا موجودة في الخبر والنص والصورة المتناقلة بين المستخدمين عبر الفضاء الالكتروني.

وأجزم ان كلًا منا، وفي اطار شبكته الاجتماعية المتواجدة عبر صفحات الانترنت ومواقع التفاعل الاجتماعي، يتعرض لكم هائل من المعلومات مصدرها اعضاء شبكته. وفي القضايا المحلية او العالمية الجدلية او ذات الاهتمام العام، يمكن ببساطة ان نرى التفاوت في طريقة نقل المعلومة باختلاف وجهات نظر مقدميها، اذ ان المواقف الشخصية من هذه القضايا تكون حاسمة في عملية التأثير على اختيار أي الزوايا من الحقيقة يراد نشرها ونقلها او التركيز عليها.

ولان كل منا مقتنع بموقفه من هذه القضية او تلك، نعمد في نقلنا للمعلومة الى التركيز على جوانب وزاويا معينة من الحقيقة بشكل يدعم مواقفنا، بل وننقل مع هذه الجوانب تحليلنا للأسباب التي ادت لوجود هذه القضية ونعمل ايضا على انزال الحكم الاخلاقي عليها واقتراح حلول لها من زاويتنا الفكرية. وفيما نحن نسعى الى طرح القضية وهي محملة بهذه الخصائص، غالبا ما نغض النظر عن جوانب وخيارات اخرى للحلول والاسباب لا تتفق مع مواقفنا. فمن السهل الان عبر النظر الى مواقع التفاعل على الانترنت ملاحظة كيف لكل منا طريقته في طرح المعلومة او نقلها عن مصادر اخبارية تتفق مع وجه نظره او نشر نصوص وصور تقوي حجتنا من مصادر اخبارية نتفق معها فكريا.

قد يكون منطقيا ان نعتقد بان قدرة مؤسسات وسائل الاعلام التقليدية في عملية التأطير الاعلامي كبيرة جدا وذلك لقدراتها المهنية في تقديم الخبر والمعلومة وسهولة وصولها للجمهور الذي لا زال حجم كبير منهم يستقي المعلومة من وسائل الاعلام التقليدية، الى جانب ما تمتلكه هذه الوسائل من اطار واسع لنقل المعلومة، بالمقارنة مع القدرة المحدودة نسبيا لكتاب المدونات او مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يقتصر تأثيرهم على محيطهم الشبكي او على مع من يتواصلون معه الكترونيا، في وقت المساحة المتاحة لهم لنقل المعلومة محكومة بتصميم الموقع الالكتروني هذا او ذاك.

وعلى الرغم من ذلك، فان القدرة على التأثير وصياغة مضمون الرسالة الاعلامية لم تعد تقتصر على النخبة الاقتصادية والسياسية التي تحكمت طويلا في المشهد الاعلامي والمعلوماتي، بل بدأت تنتقل هذه القدرة بالتدريج الى عناصر المجتمع المنخرط في استخدام فضاء الانترنت ومنغمس في التفاعل فيه.

فعلى سبيل المثال يمكن ان نرى كيف ان المعلومة ذات الاهمية اصبحت تنقل من المواطن في الشارع مصاغة بما يتوافق مع رؤيته للمعلومة، مباشرة الى الفضاء المعلوماتي الاجتماعي الالكتروني عبر موقع تويتر، وليقوم كتاب المدونات بعد ذلك بتحليل هذه المعلومة بما يتفق مع رؤيتهم، ويعملوا على نشر الخبر وتحليله على حسابهم على الفيسبوك، ليتنقل على اثره الخبر وتحليله المصاغان بما يتفق مع رؤية كاتبيهما بين الافراد على مواقع التواصل والاصدقاء المتصلين بين بعضهم هناك.

فاليوم، لم يعد للفرد القدرة فقط على الوصول للمعلومة من مصادر اخرى غير التلفزيون والاذاعة والصحف والمجلات، بل ايضا اصبح يمتلك الفرصة للمقارنة بين عدة صياغات واكثر من تحليل لذات الخبر والمعلومة، ليرى بذلك الحقيقة من عدة اوجه وزوايا، وقد يسهم ايضا هو أيضا في ابراز زاوية اخرى من زوايا الحقيقة واضافتها لمحتوى الفضاء المعلوماتي.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]