تجربة مميّزة مرّ بها عدد من الشباب من داخل البلاد الذين قرروا المشاركة في مشاريع تطوعيّة خارج البلاد عن طريق هيئة الأمم المتحدة، ومن الاعمال التطوعيّة مشاريع مختلفة تتعلّق بالبشر والحيوان، ومن هذه المشاريع اختار كرم شلاعطة – وهو شاب من قرية عرابة أن يقوم بالتطوّع داخل ملجأي أيتام في سيريلاكنا الأفريقيّة.

وفي كاندي – حيث وصل كرم شلاعطة هناك استقرّ وبدأ التطوّع صباحا داخل ملجأ أيام لذوي الاحتياجات الخاصة، وفي ساعات ما بعد الظهر والليل تطوّع في قرية أخرى تبعد نحو ساعة ونصف في سيريلانكا اسمها ماتالي داخل ملجأ أيام لأطفال عادييّن.

شعب فقير، مبتسم 

يستعرض كرم شلاعطة لمراسلنا في المقابلة الخاصة التي أجراها معه حول العمل التطوعي الذي استغرق شهرا في سيريلنكا، فيقول أنّها دولة فقيرة تنتشر بها الأمراض المختلفة ومنها المعدية والقاتلة، وفيها شعب فقير بسيط ترتسم على شفاهه الابتسامة رغم الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ورغم أنّهم لا يعرفون الأحذية – فهم يمشون بلا أحذية.

ويقول شلاعطة أنّ عمله التطوعي يبدأ صباحا في كاندي حيث الأطفال اليتامى – ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانوا بحاجة لأيادٍ عاملة في تحضير الأكل سهل التناول (البلع)، نتيجة وجود مرضى يعانون من صعوبة بلع الطعام، كما وكانوا يقومون بالمساعدة في نقل الأطفال المرضى من السيرير وإليه.

نادوا عليّ والدي ..!

أما في ساعات بعد الظهر، فيقوم كرم شلاعطة بالمشي نحو نصف ساعة ليصل محطّة للباص تقلّه إلى ماتالي حيث عمله التطوّعي الثاني في ملجأ للأيتام، موصفا اللحظات الأولى لوصوله إلى هناك قائلا: "وصلت إلى هناك، وقف الأطفال بخلسة وخوف ينظرون إلي، فبشرتي تختلف، ولغتي أيضا فهنالك صعوبة بالتواصل بينهم، وحتّى ملبسي، أدركت يومها أنّ واجبي أن أزرع البسمة على شفاههم.. حققت هذا الإنجاز، فعند مغادرتي القرية نحو البلاد ركضوا ورائي لمنعي من السفر، وهناك من نادى علي والدي.. فهم أيتام تركهم أهلهم نتيجة التكاليف الباهظة.. كان مشهد مؤثّر جدا".

مشروعان 

ويشير شلاعطة أنّه قام بسلسلة من المشاريع هناك، أهمها كان تدشين ملعبين، أحدهما لرياضة "الكريكر"، وآخر لكرة الطائرة، قائلا أنّه وصل إليهم فوجدهم يلعبون في ملعب غير معد لذلك، يحملون خشبة مثل خشب أعمال البناء في بلادنا، ويلعبون في كرة ممزّقة، فقررت أن يكون المشروع التطوعي الأول لدي بناء ملعب لهذه الرياضة، وبمساعدة الأطفال قمنا بإعداد الملعب وتحضير قواعد الرياضة هناك وإحضاء الخراط لهذا الملعب وتحقق الهدف ببسمة رائعة من الأطفال، كما واحتاج الأمر أن يقوم بشراء معدات اللعب من جيبه الخاص من مضرب وكرة.

أما المشروع الثاني فكان إقامة ملعب كرة طائرة، فتم نصب عامودان وتثبيتهما بالباطون ووضع شباك عليه وإحضار كرة الطائرة أيضا كي يلهوا بها.

انقاذ طفلة 

كرم شلاعطة كان حذرا من التطورات التكنولوجيّة، فالاسبوع الأول لم يجرأ بأن يخرج هاتفه النقّال، وعندما احتاج بأن يلتقط بعض الصور أحضر هاتفه معه فبدأ شغف الأطفال بالتعرف على الجهاز "الغريب"، يوصف هذه اللحظة فيقول: " لم اخرج الهاتف النقال لأنّهم لا يعرفونه، كنت ألبس ساعة على يدي، ساعات طويلة وهم معجبون بالضوء الموجود داخل الساعة، فقام الاطفال بارتداء الساعة للعب بها معجبين بضوئها وألارقام عليها، حاولت في النهاية وبعد أن اخرجت الهاتف للتصوير أن أشرح لهم عن عمله.. لكن لن تصدقوا ردة فعل الطفل الذي شرحت له كيف يمكن له ان يلتقط لنا الصور".

ومن المشاهد المؤثّرة التي لا ينساها خلال عمله التطوّعي، فيعود إلى الملجأ حيث ذوي الاحتياجات الخاصة فيقول: "طفلة صغيرة كانت تنزوي وتصاب بالصرع، فيقومون بسجنها داخل غرفة لوحدها فيصيبها حالة من الصرع والهيجان، تقوم بضرب السياج والصراخ.. هذا المشهد تكرر أربعة أيام متواصلات حتّى قررت أن أتدخل بعدما لم أعد أحتمل، أخرجتها في المرّة الأولى، فامت بالهجوم على الأطفال للاعتداء عليهم.. هدّأتها واكتشفت أنّ المشكلة لديها كانت أنها تريد اللعب مع الأطفال.. فمع الوقت أصبحت هادئة وتشارك الأطفال في الألعاب.. نبّهت على من يتواجد داخل الملجأ بألا يحرمونها من اللعب، فلم يتكرر هذا المشهد إلا في ساعات الليل لأسباب مرضيّة".

ويعلّق على هذا المشهد مؤكدا أنّ هنالك اهمال مططقع، من يعمل في بيت الايتام لا يحصل على مبلغ مادي كافي، وبالتالي لا توجد أي علاجات نفسية واي اهتمام لكل مريض، هذا المشهد أثر جدا فيه، ولأنه جاء من أجل المساعدة بحث عن تغيير الواقع الموجود.. ويومها لم يرَ الا ان البنت أرادت اللعب، وعندها هدأت أعصابها، فإصابتها بنوبات الصرع نابع من الاهمال..

تجربة فريدة في مجتمع الضاحكين 

ويضيف: "الحياة فقيرة جدا، في سيريلانكا يمشون بدون أحذية في الشوارع، الحياة دينية تسيطر عليهم فهم يعبدون البقر، ونرى البقر في كل الشوارع.. ممنوع أن يؤذى الحيوان، ونراهم منتشرون بكل مكان.. الأمراض خطيرة ومنتشرة مثل الملاريا وغيرها، فكنت أتناول دواء يوميا لمنع الاصابة بالعدوى، لكنهم شعب الضاحكين، فكنت أمشي بالشارع وكل من لا يعرفني من هناك يضحك ويبتسم بوجهي ويرحب بي، هم شعب بسيط ومبتسم رغم كل الظروف الاقتصادية الموجودة".

وعن عمله التطوعي، أكّد أنها تجربة فريدة شجعته على اعمال التطوع المختلفة، وأنّه تعرّف على عالم جديد، فكل شيء يختلف وكأنه قادم الى كوكب جديد، وهي تجربة تضيف الى الانتماء الذاتني للشخص ، وهنالك اصدقاء جدد تعرف عليهم من متطوعين أتوا من أنحاء العالم، وخلال اشهر سيزورونه في بيته.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]