نادراً ما يدرك المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي أن سلوكهم الالكتروني سيتحول لدراسات في علم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من الفروع المتصلة. ولعل المستخدم لأي شبكة اجتماعية لا يبالي بما قد تكشفه الدراسات حول سلوكه الالكتروني. فما أن تنتشر عادة ما على فيسبوك مثلاً حتى تنتشر وتتحول إلى ظاهرة خصوصاً وإن مارستها شخصية عامة كرئيس أو ممثل عالمي أو لاعب كرة قدم.

وبالرغم من حداثة الظاهرة نسبياً إلا أن الSelfie أو الصور الذاتية كانت محط اهتمام الباحثين في مجال الإعلام والإعلام الاجتماعي منذ سنوات، فالمصور الامريكي جيم كراسو قد ناقش هذا النوع من التصوير في بدايات القرن الواحد والعشرين عند ظهور شبكة My Space التي تميزت باتخاذ مستخدميها لهذا النوع من الصور التي لم تلق رواجاً في بدايات ظهور فيسبوك.

ومنذ أن التقط الرئيس الامريكي باراك أوباما صورة الSelfie مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيسة وزراء الدنمارك هيلي ثورنينغ شميدت، حتى انتشرت التعليقات على جميع مواقع التواصل الاجتماعي الداعمة لتطبيقات الصور، وبات اتخاذ الشخص الصورة لنفسه بعدة زوايا وباستخدام كاميرا الهواتف الذكية أمراً دارجاً.

وفي العام 2013 أصبحت الكلمة Selfie والتي بدأ باستخدامها الاستراليون كلمة معجمية دخلت قاموس أوكسفورد وحصدت لقب "the word of the year" أي كلمة العام. ولم يتوقف استخدامها على المراهقين كما في السابق بل أصبحت موضة تتبعها كافة الفئات العمرية مهما اختلفت مواقعها الوظيفية.

وقامت الصور الذاتية كغيرها من الظواهر بوضع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في خانتين، مع وضد. وفي كلتا الحالتين لا يتوقف المستخدمين عن مناقشة الظاهرة، سواء باتباعها أو انتقادها. وما أثار حفيظة المستخدمين في الآونة الأخير هي دراسة صدرت عن الرابطة الامريكية للطب النفسي (APA) تصف مهووسي الصور الذاتية بالمضطربين عقلياً. واعتبرت الدراسة أن مهووسي الصور الذاتية يعانون من نقص في الثقة بالنفس ويحاولون ملء فجوات في علاقتهم مع محيطهم.

وهذا ما لا تتفق معه الشابة تالا بني عودة ( 19 عاماً) فترى في الصور الذاتية مساحة للاحتفاء بالنفس: "أنا لا اتخذ الصور الذاتية وأشارك الناس بها على مواقع التواصل الاجتماعي لأريهم أنني إنسانة رائعة، أنا أقوم بذلك لأنها تجعلني أشعر بشكل جيد تجاه نفسي وأشعر بالفخر حيال شكلي، علينا أن نحب أنفسنا وأن نظهر ذلك".

أما الشاب ماهر جعفر (29 عاماً) يوافق تماماً مع الدراسة المذكورة آنفاً ويرى في الصور الذاتية نرجسية عالية: "لم التقط أي صورة ذاتية طوال حياتي ولن أفعل. أنا لا أحكم على محبي الصور الذاتية لكنني أحياناً أكون صوراً نمطية عن طبيعة شخصياتهم ولا أستطيع فهم حاجتهم لنشر هذه الصور. ليس هذا نوع الصور الذي أفضله وأرى فيه نوع من الرياء والتفاخر غير المبرر".

ديما زيادة (27 عاماً) ترى أن الصور الذاتية للمجموعات لطيفة وتسجل لحظات وذكريات جميلة، لكنها تعتقد أن الصور الذاتية الفردية: " تنم عن قلة ثقة بالنفس ولا تعبر عن جمال الشخص". أما رناد بركات (25 عاماً) تقول أنها تعي تماماً سخافة الصور الذاتية لكنها تحب تسجيل لحظات جميلة في حياتها: "في أغلب الأحيان لا يوجد من يرافقني لذلك اضطر لأصور نفسي بنفسي وأن أحتفظ بالصور للذكرى، وأعلم أنه من السخافة أن أَكثر من مشاركاتي على مواقع التواصل الاجتماعي لكنني أقوم بذلك بكل الأحوال".

يحدثنا الدكتور توفيق سليمان الاخصائي النفسي عن هذه الظاهرة: "هذه مساحة لتفريغ التوتر، فكل إنسان يعيش في حالة قلق وتوتر يبحث عن مكان ما لتفريغها، كالرسم والكتابة، والآن التصوير". ويعزو سليمان أسباب هذه الظاهرة إلى امتلاك الانسان لنظم دفاعية لا إرادية يشغلها الجسم بهدف التخفيف من حالة القلق والتوتر التي يعيشها ويعتبر الاهتمام بالنفس بشكل مفرط نوع من التصرف اللاإرادي الذي لا يدركه الشخص.

ويرى سليمان أيضاً في هذه الظاهرة نوع من أنواع التمرد على النظم الاجتماعية: "بالرغم من أن ظاهرة الصور الذاتية عالمية إلا أن مضمون استخداماتها مختلف حسب ثقافة المجتمع وأنظمة عاداته وتقاليده التي يرغب الشخص بالتمرد عليها من خلال انعكاسات مظهره في الصور الذاتية". ويؤكد سليمان أن الأشخاص الذين يؤمنون برفضهم للصور الذاتية ويعتقدون أنهم أقل توتراً من محبي الصور الذاتية أو أكثر ثقة بأنفسهم مخطئون تماماً لأن "كل إنسان يعيش حالة قلق وتوتر ويفرّغ هذه المشاعر بأساليب مغايرة عن غيره، إذ أن هذا النظام النفسي الدفاعي هو نظام لا إرادي وبالتالي يفرغ الشخص توتره في إطار آخر".

يذكر أن مدينة ماكاتي الفلبينية حصدت لقب عاصمة العالم لصور الSelfie، فقد سجلت المدينة وعدد سكانها 500,000 نسمة نحو 285 مهووس بالصور الذاتية لكل 100,000 من السكان وذلك على تطبيق الصور العالمي إنستاغرام (Instagram)، ووصل حد الاحتفاء بهذا اللقب أن أعلن رئيس بلدية المدينة يوم الرابع عشر من آذار يوماً للاحتفال باللقب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]