تحت رعاية صحيفة "حيفا" وموقع "حيفانت"، ووسط حضور لافت، تنفّستُ ولمست وعشت، يوم الجمُعة الأخير (2014/5/9)، على مدار ساعة وأزيَد بقليل، الوطن بكلّ معانيه، ضمن أمسيّة فنّيّة وطنيّة، أحيتها وأحيتنا معها، على مسرح "الميدان"، الفنّانة الشّابّة رلى ميلاد عازر، الّتي عادت بنا إلى التّراث الوطنيّ الجميل، إلى المعنى الحقيقيّ للوطن والأرض والانتماء، وإلى الصّمود والبقاء والأصالة، أصالة الوطن والصّوت.

عرّفتْ عريفة الأمسيّة الفنّيّة، مَيْمَنة أبو كنعان، «غنّي للوطن» بأنّها مِساحة موسيقيّة للاحتفاء بتراثنا العريق، ولإعادة سرد الحكايات الّتي نتناقلها جيلًا بعد جيل، من خلال الكلمة واللّحن.. ومثل هذه الأغاني تعتبر رحلة عبر الذّاكرة، وسفرًا إلى موطن أجدادنا وأصل جذورنا، إلى حيث ينبض القلب بالحنين والشّوق، إلى حيث نكون نحن نحن، فتصير الموسيقى أداةً تُكرّس لترسيخ وجودنا.

غالبًا ما يُنسب الوطن إلى الأرض، إلى الحيّز الجِغرافيّ الّذي يجمع أبناء الشّعب الواحد؛ أمّا في واقعنا الفِلَسطينيّ المركّب، ولسبب تفرقة أبناء شعبنا – ما بين الدّاخل والضّفّة وقطاع غزّة والشّتات – فهناك أهمّيّة كبرى لاتّساع مفهوم الوطن إلى أبعاد ثقافيّة وروحيّة، كالانتماء إلى موسيقانا وشعرنا وذاكرتنا الجماعيّة ومعالم حضارتنا.

في "غنّي للوطن" اقتبستِ الفنّانة الشّابّة، رلى ميلاد عازر (ابنة مدينة النّاصرة)، عن محمود درويش «ما هو الوطن..؟ ليس سؤالًا تجيب عنه وتمضي، إنّه حياتك وقضيّتك معًا»، وقد قدّمت من خلال العرض الفنّيّ الوطنيّ المميّز أغانيَ تراثيّة نقلت لنا عبرها قصصًا متنوّعة مغلّفةً برسالة واحدة وصريحة: إنّنا لا نزال وسنبقى هنا، بثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا وفنّنا.

لقد استطاعتِ الفنّانة الفِلَسطينيّة الشّابة، رلى عازر، صاحبة الخامة الصّوتيّة المميّزة والرّائعة، أن تطوّع الوطنَ بصوتها وصوتَها للوطن، ليشكّل هذا المزج صورةً رائعة لوطن لطالما حلمنا به.. مسّني صوتها ووصلني فلمستُ الوطن فيه.

نوّعت عازر وبرعت في أغانيها الوطنيّة، فكان لصوتها وللوطن حضورٌ لافت وبارز طَوال الأمسيّة.. بدأت عازر الأمسيّة الفنّيّة الوطنيّة بأغنيّة "أنا بتنّفس حرّيّة"، تلتها بـ"يا رايح صوب بلادي"، ثمّ "طلّتِ البارودة.."، و"نيرون مات ولم تمت روما" (محمود درويش)، ومن ثمّ رائعة مارسيل خليفة "بغيبتك نِزل الشّتي.. قومي طلعي عَ البال"؛ لتختتم الفقْرة الموسيقيّة الأولى بـ"مفتاح القدس".

فاعتلتِ المسرح ضيفة الشّرف، الفنّانة ميرا فائق عازر، لتقدّم أغنيّة خاصّة من كلماتها وألحانها ضدّ التّجنيد بعُنوان: "قُلْ لِي راضي عن حالك..؟ قُلْ لِي فخور بحالك؟!.. لسّه بدّك تخدم؟!"، وقد لاقت استحسان الحضور. ثمّ أمتعتنا بصوتها العذب بأغنيّتين وطنيّتين تفاعل معهما الجمهور وشاركها الغناء: "ودّعوني وراحوا يمّا صوب النبطيّة"، و"راجعين يا هوى".

ليعود بعدَها ويصدح صوت الفنّانة رلى عازر بموّال "غابتِ الشّمس يا بِن شعلان"، ثمّ بأغنيّة "هدّي يا بحر هدّي"، وتلتها أغنيّة "أهو دا اللّي صار وَدي اللّي كان"، فـ"منتصب القامة أمشي" (سميح القاسم)، و"بقولو صغيّر بلدي، بالغضب مصوّر بلدي".. وقد تفاعل الحضور الّذي لفتَه وشدّه صوت الفنّانة الشّابّة رلى عازر، فشاركها الغناء.

وفي ختام الأمسيّة الفنّيّة الوطنيّة أنشدت الفنّانتان رلى وميرا عازر النّشيد الوطنّي "موطني" (قصيدة فِلَسطينيّة عربيّة كتبها الشّاعر الفِلَسطينيّ إبراهيم طوقان، ولحّنها الموسيقار اللّبنانيّ محمد فليفل، عام 1934، وأصبحت النّشيد الرّسميّ لفِلَسطين منذ ذلك الوقت)، فوقف الحضور إجلالًا وتقديرًا واحترامًا.

رلى عازر صوت سيترك – بدون أدنى شكّ – بصمةً على السّاحة الفنّيّة المحلّيّة والعالميّة، أيضًا. من الضّروريّ تسليط الأضواء ومتابعة وصقل وتنمية هذه الموهبة الفذّة، ذات الخامة الصّوتيّة المميّزة واللّافتة، الّتي تشدّك وتُبهرك، لأنّها تملك، فعلًا، مؤهّلات صوتيّة وموسيقيّة تميّزها وتخوّلها أن تغنّي، فعلًا، للوطن.. إنّه صوت سيصدح ويلمع ويبرز ويتربّع على السّاحة الفنّيّة.

من الجدير بالذّكر أنّ الأمسيّة الفنّيّة كانت، أيضًا، تحت رعاية: مطعم "الرّيّان"؛ "ترنيم" – بيت العطور؛ قهوة "نخلة" الأصليّة؛ "شقحة"؛ "سيتي ميوزِك" – شلح؛ مقهى «إليكا»؛ فؤاد قيصر (تصميم معماريّ)؛ إسكندر فهد (مراقب حسابات)؛ وسام رستم (مصوّر فوتوچرافيّ).

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]