يشكّل إجراء الانتخابات الرئاسية السورية اليوم نقطة تحوّل فاصلة في مسار الأزمة التي تشهدها سورية بفعل الحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة ضدّها منذ أكثر من ثلاث سنوات، من دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها السياسية في تفتيت وحدة الشعب السوري والنيل من تماسك الجيش السوري أو شرعية الرئيس بشار الأسد.

يعود الفضل في إنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي في توقيته إلى الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري في الميدان وأدت إلى إحداث تحوّل في موازين القوى لمصلحته، وإلى سقوط الرهانات التي عقدتها الدول الداعمة للجماعات الإرهابية على إحداث تغيير في التوازن ميدانياً لفرض شروطها السياسية على القيادة السورية بدفعها إلى التراجع عن رفض التدخلات الخارجية في شؤون سورية الداخلية وتقبل بحلول من خارج الإرادة الوطنية السورية.

كان مؤتمر «جنيف 2» محطة مهمّة عكست فشل هذه المحاولات الغربية لإمرار صفقة تسوية تقضي بتأجيل الانتخابات والتمديد للرئيس بشار الأسد مدة سنتين، وكانت الإسفين الذي يسمح لها في ما بعد بالتشكيك في شرعية الرئيس الأسد وإظهار الدولة السورية بصورة الدولة الفاشلة والعاجزة عن إجراء الانتخابات، تمهيداً لفرض الوصاية الخارجية عليها.

غير أنّ مثل هذه المحاولات تلاشت وذهبت أدراج الرياح بفضل صلابة الموقف الوطني السوري وتمسكه بثوابت استقلال سورية وسيادتها ورفض أيّ مساس بها.

لذلك يبدو واضحاً أنّ الانتخابات تجرى اليوم في ظلّ تحوّلات ميدانية وشعبية وسياسية لمصلحة الدولة الوطنية السورية، تتمثل في الآتي:
1 ـ سيطرة الجيش السوري على كامل منطقة القلمون وقلعة الحصن قرب حمص، وبالتالي إقفال مسارب تهريب السلاح والمسلحين عبر الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري، وبالعكس، وتحرير أحياء حمص القديمة من وجود المسلحين، فضلاً عن التقدم المستمرّ للجيش في غوطة دمشق وريف درعا وحلب.

2 ـ فقدان الجماعات المسلحة البيئة الحاضنة في المناطق التي كانت تسيطر عليها، بعد انكشاف طبيعتها الإرهابية وممارساتها الفظيعة، وافتضاح ارتباطاتها بالعدو الصهيوني والولايات المتحدة وزيف ما ادّعته من مطالبة بالحرية والديمقراطية والإصلاح في بدايات الأزمة.

3 ـ توحّد الشعب السوري وفشل محاولات تمزيقه والنيل من وحدته الوطنية، وبالتالي إخفاق الحملات الإعلامية التي أُنفقت عليها مئات ملايين من الدولارات لتضليله ودفعه إلى الانقلاب على دولته الوطنية وقيادته المقاومة، وتحويله إلى حصان طروادة في خدمة أعدائه، وكان مشهد الحشود الكثيفة في يوم المشاركة في الانتخابات الرئاسية في لبنان معبّراً عن هذا الوعي الوطني وتلك الوحدة التي ظخر بها الشعب السوري، وستظهر بقوة أكبر اليوم في الداخل السوري.

4 ـ ثبات القيادة السورية على مواقفها السياسية الوطنية والقومية والمقاومة وعدم التراجع قيد أنملة عنها، وعكست الدبلوماسية السورية في الخارج تلك الثوابت وبرهن الجهاز الدبلوماسي السوري عن وطنية منقطعة النظير لم تلِن أو تطوّع أمام الإغراءات أو الضغوط.
انطلاقاً من ذلك، فإنّ الانتخابات وحماسة الشعب السوري إلى المشاركة فيها، في ظلّ التحوّلات المذكورة آنفاً، ستكون ذات آثار كبيرة ومهمة في الأزمة السورية، على عدة مستويات:

ـ على المستوى الميداني: سوف ينعكس نجاح الانتخابات في رفع معنويات الجيش وتعزيز دوره واندفاعه نحو تسريع عملية الحسم ضدّ الجماعات الإرهابية، ويترافق ذلك مع انهيار آمال الجماعات المسلحة في إمكان إحداث تغيير في موقف الشارع السوري لمصلحتها.

ـ على مستوى المصالحات: سوف تخلق الانتخابات مناخاً عاماً يحفز على إجراء المزيد من المصالحات في العديد من المناطق، كما سيعزز الوضع الميداني الذي يسجل التراجع المستمرّ للجماعات المسلحة. من هذه القناعة لدى العديد من المسلحين بعدم وجود أي أفق لاستمرارهم في الحرب.

ـ على المستوى السياسي: سوف تقوّي الانتخابات موقف الدولة السورية وتعزز شرعية قيادتها وتسقط جميع الذرائع التي تطلقها الدول المعادية لسورية في هذا الشأن، وبدأت الصحافة الغربية تمهّد منذ الآن للتعامل مع الرئيس الأسد، وأول مسؤول غربي دشّن ذلك هو رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير.

انطلاقاً من ذلك، سوف تشكّل الانتخابات نقطة تحوّل فاصلة، ما قبلها غير ما بعدها، وانتخاب الرئيس الأسد وحجم المشاركة الكبير سيوجّهان صفعة قوية إلى المخططات الغربية ورهانات الغرب وحلفائه على تغيير في المعادلة لمصلحتهم، ولن يكون أمام الدول التي قادت الحرب على سورية سوى الشروع في التكيّف مع الواقع الحاصل، أي التسليم بفشل حربها في سورية، والتعاون الأمني معها لمواجهة خطر تنامي إرهاب الجماعات المتطرفة، وإبداء انفتاح سياسي على غرار ما تفعله هذه الأيام مع إيران.

هذا يعني بالتأكيد تحوّل في موازين القوى لمصلحة حلف المقاومة في المنطقة وتعزيز أوراق قوة حلفاء سورية إقليمياً ودولياً.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]