في عام 2005 تعرّضت (كاتبة المقالة) إلى حادث طرق مروّع، حينها أصبت بصورة خطرة بكف اليد مما دفع الأطباء بادئ الأمر باتخاذ قرار بقطع الكف. وقع القرار لم يكن هيّن، فلأيام كثيرة لازمتني حالة نفسية سيئة جدًا. ان تجد نفسك يومًا بدون كف يد أو يد أو رجل، شعور لا يمكن وصفه البتة، مرة واحد تندفع وبشدة إلى ذهنك كل الأسئلة، البديهية والغبية، كيف سأحمل كأس الشاي؟! كيف أقوم بربط حذائي؟! كيف أقوم بتسريح شعري؟! تعرف الأجوبة لتلك الأسئلة وتحاول أن تنكرها.

المشي على رجل واحدة فقط..وفرح

مضى على الحادث سنوات طوال ولم تقطع يدي، لكن الخوف من الموضوع راودني مجددًا الأسبوع الماضي عندنا دخلت إلى مستشفى صفد لمقابلة الطفل "وليد". فكان اليوم الثاني الذي سيقوم وليد فيه بالمشي بعد أن حصل على أطراف اصطناعية عوضا عن يده ورجله اللتين قطعتا. رجل الشمال تم قطعها من الفخد واليمين من الركبة. بفرح خبرني وليد على أنه استطاع المشي مجددًا، على رجل وحدة فقط!

الغريب والمستهجن في الموضوع أن وليد كان فرحًا فعلا، للحظة تخال أن للجيل حقه، وأن ابن الـ 14 عامًا لم يعي بعد صعوبة ما سيواجه مستقبلا، بدون أطراف، وخاصة في الوضع الحالي في سوريا حيث عاد إلى بلدته درعا مجددًا يوم الأحد الفائت.

شعور لا يوصف !

وليد، رد على سؤال حول شعوره قائلا: لا يمكن وصف ذلك، منذ ثلاثة أشهر لم أمشي، ولم أذهب للحمام وحيدًا، واليوم الحلم بدأ يتحقق. والألم، وان كان موجودًا لكنه أخف وألطف.

وعن كيفية إصابته قال وليد: ذهبت وصديقي لشراء الأرانب، لم نشارك بأي حرب أو أي اقتتال، بطريقنا وقعت قذيفة وأصابت صديقي بصورة مباشرة وأنا أصبت من الشظايا. للحظات شاهدت أشلاء صديقي ولم أفهم الكثير، لم أفهم بسبب الدماء أين رأسه وأين رجليه، لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك، لكن ما أعرفه أنني أفقت في مستشفى صفد، معي والدتي وأهل الخير من مؤسسة الإغاثة في الناصرة.

ترى الإصابة فلا يوجد لك رد فعل

والدة وليد، المتواجدة معه قصت علينا ما مر عليه وما لا يعرفه فقالت لـ "بكرا": وصلني خبر عندما كنت في المنزل أن أحد ابنائي أصيب، ظننت بداية انه ابني البكر. لم اتوقع أن المُصاب هو وليد. عندما ذهبت إلى المستشفى ذهلت من هول المنظر، بدون يد بدون رجلين ويتألم ...لم أعرف ماذا يمكن أن نفعل، وهل أصلا سيعيش وليد أم لا، الصدمة لم تبكيني، ما رأيته لا يدفعك للبكاء أو العويل أو الصراخ. أنت "تتمسمر"، لا تتحرك، تنفذ ما يمليه عليك البعض وهكذا وصلنا إلى صفد.

وتضيف: أول شهر لي في المستشفى، مع الغربة والابتعاد عن الأطفال، ازدادت حالتي النفسية سوءً، خاصة وأن حالة وليد لا زالت غامضة، ولا نعرف اذا ما كان سيعيش أم لا، وأقولها صراحة، ولا أعرف اذا كنت سأعبر بدقة عن مشاعري، أهلنا في فلسطين المحتلة ساعدونا كثيرًا، والأخوات من مؤسسة الإغاثة لم يتركوني للحظة، فقد قاموا بمرافقتي طوال الوقت وساعدوني بالحصول على المستلزمات والاحتياجات اليومية.
انعدام الآمان في سوريا ووجهتنا نحو الأردن

وعن المصير الذي ينتظر وليد في سوريا قالت الام: لا أعرف، بدأنا نبحث عن حلول، وليد حصل على أطراف اصطناعية بدعم من مؤسسة الإغاثة والعون ولكن عند عودتنا إلى سوريا سنبحث عن حلول أخرى، خاصة وأن وليد سيكبر وبحاجة إلى أطراف أكبر. مصير وليد حتى الآن مبهم، وسوريا لا زالت تنزف وحالة الآمان فيها معدومة، نفكر في النزوح إلى الأردن وبدأنا بالترتيبات ونأمل أن تنجح.

وأضافت متحدثة عن هواجسها: لي أربعة أطفال غير وليد، أصغرهم يبلغ من العمر 3 سنوات، أشتاق لهم، لكن كنت أتمنى أن يصلوا إلى هنا لنكمل حياتنا.

وشددت الوالدة على شكرها الخاص لطاقم مؤسسة الإغاثة الإنسانية للعون في الناصرة خاصة بالذكر مدير المؤسسة رائد بدر، وعضو الإدارة جاسر كناعنة وعضو الطاقم رائد زعبي.

الإغاثة والعون، منطلقاتنا إنسانية بحت

السيد رائد بدر، والذي تواجد وقت زيارتنا لوليد تحدث إلى موقع "بكرا" عن الخدمات الخاصة التي تقدمها مؤسسة الإغاثة والعون في الناصرة للمصابين السوريين مشددًا على أن تلك المساعدة تأت من منطلقات إنسانية بحت ولا علاقة لها بالموقف السياسي من الأزمة.

وقال لـ "بكرا" على أن المؤسسة ترافق كل مريض سوري يصل إلى المستشفيات الإسرائيلية، حيث تقدم له مساعدات شخصية وأخرى خدمات تسهل تواصل مع الطاقم الطبي، وايضًا تقوم بتوفير أطراف لمن بترت أطرافهم مثل الطفل وليد.

وقال بدر على أن العمل يتم بالتنسيق مع المستشفى الذي يرغب بهذا التنسيق. وأوضح: يعمل الطاقم الطبي على إنقاذ المريض فقط وإعادته إلى سوريا، فيما نقوم نحن بتسهيل حركته والعمل معه على الجانب العلاجي ومواجهة الحياة مع الإعاقة التي أصيب بها مؤخرًا.

40 الف شيكل لوليد

وقال بدر على أن المؤسسة قدمت حتى الآن عشرات الأطراف وهي مكلفة جدًا، ويحدد السعر حسب الطرف نفسه، حيث يبدأ من 9 آلاف شيكل ويصل إلى 40 ألف شيكل. وردًا على سؤال بكرا قال بدر على أن حالة وليد كلفتهم ما يقارب الـ 40 ألف شيكل.

وأوضح بدر على أن التمويل لكل هذه المشاريع يأت من متبرعين من أهلنا في فلسطين الـ 48 داعيًا فلسطيني الـ 48 إلى دعم المؤسسة ماديًا ليستمر عملها في دعم أخوتنا السوريين والفلسطينيين، حيث تعمل المؤسسة ايضًا على مشاريع دعم خاصة للأخوة في الضفة والقطاع.

مستشفى "صفد"..تكاليف علاج الجرحى السوريين 14 مليون

يٌشار إلى أنه وبعد عملية التفجير التي وقعت يوم امس على الحدود السورية في هضبة الجولان المُحتل والتي لقي فيها الفتى محمد قراقرة (13 عامًا) من قرية عرابه مصرعه وأصيب ثلاثة اشخاص بجروح متفاوتة، كشف "صفد" صباح اليوم عن مُعطيات تتعلق بعلاج الجرحى السوريين في المستشفى.

وقال المستشفى أنه تعالج حتى يومنا هذا 322 مصابًا سوريًا وأجريت 305 عملية جراحيه مختلفة وأكثر من 4400 يوم رقد المصابين في المستشفى لتلقي العلاج، حيث تبلغ تكلفة العلاج حتى يومنا هذا 14 مليون شيكل.

ويعتبر مستشفى صفد اقرب مستشفى من الحدود السورية، حتى يومنا هذا ما زال يتعالج في المستشفى 14 جريحا سوريا من بينهم إمراتان وطفل يبلغ من العمر 3 سنوات. اما الجريح الاكبر في العمر الذي وصل لتلقي العلاج فكان عمره 80 عاما.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]