وإن كانت جريحة في معظمها، إلا أن المظاهرات المساندة والمؤازة للشعب الفلسطيني غابت هذه المرة كليا على الساحات العربية، رغم أن الحديث يدور عن مئات الشهداء في غزة. بالمقابل فقد تفجرت عدد من المظاهرات الصاخبة في دول العالم احتجاجًا على العدوان على غزة والذي راح ضحيته لغاية اليوم أكثر من 400 شهيد و1400 مصاب فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة الناتج عن قصف المنازل وتدمير البنية التحتية للقطاع.

مظاهرات في العواصم الكبيرة...وتخوف إسرائيلي من هذا الدعم

ونظم آلاف النشطاء في العالم مظاهرات جابت الشوارع الرئيسية في دول الهند وايرلندا وسكوتلندا وبلجيكا وكوريا وبريطانيا والمانيا وفرنسا على الرغم من الحظر التي تفرضه السلطات الفرنسية بسبب موجة العنف التي شهدتها العاصمة باريس الاسبوع الماضي بين نشطاء المؤيدين للفلسطينين وأفراد الجالية اليهودية.

وأبرز المظاهرات كانت في لندن، حيث قالت وسائل إعلام أن عشرات الاف المحتجين في العاصمة البريطانية لندن تظاهروا رفضاً لاستمرار العملية البرية للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة. وتم التوضيح أن أكثر من 20 ألف متظاهر وقفوا أمام مبنى السفارة الاسرائيلية في لندن ورفعوا يافطات تطالب بوقف قتل المدنيين الفلسطينيين ودعوا الى مقاطعة اسرائيل حتى ترفع الحصار عن غزة، وكتب عليها “أقفوا المذبحة في غزة” ، و”ارفعوا الحصار عن غزة”. وسارت التظاهرات الى منزل رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ، وتوقفت كذلك أمام مبنى البرلمان البريطاني، حيث وصلت قوات كبير من رجال الامن لتفريق المتظاهرين.

وفي معرض تحليلهم للوضع، وموقف العالم من إسرائيل، أكد محللون إسرائيليون أن التظاهرات مثلت استعراض للقوى لم يسبق له مثيل في السنوات الاخيرة في لندن وبقية العالم بالمقارنة مع التظاهرات التي خرجت ابان العملية العسكرية الاسرائيلية الاخيرة عامود السحاب في عام 2012.

المحرك للمظاهرات

من الواضح أن ما دفع العالم للخروج للشارع والتظاهر هي مشاهد القتل والدمار والعنف في غزة، فهي كفيلة لكي تأجج المشاعر وتدفع أي إنسان لإتخاذ موقف، لكن إلى جانب ذلك تنشط عددٌ من المؤسسات والحراكات التضامنية مع الشعب الفلسطيني والتي كثفت نشاطاتها بالفترة الأخيرة. تعمل تلك الحراكات على نقل الصورة الحقيقية للصراع الإسرائيلي- فلسطيني؛ فضح ممارسات الإحتلال وزيف الديمقراطية الإسرائيلية. ينشط في تلك الحراكات شباب فلسطيني وأخرى أجنبي دفعه عدل القضية إلى اتخاذ هذا الموقف، فالقضية الفلسطينية ليست قضية "كوفية وجدار" بقدر ما هي قضية "حق لشعب وإحتلال".

في "بكرا" وأزاء هذه "الإنتفاضة العالمية" قمنا بالتواصل مع عدد من الحراكات، بداية لتوثيق فعالياتها وثانيًا للحديث عن التحديات التي تواجهها كل في منطقتها. وأجمع المتحدثون لـ "بكرا" على أن الحراكات تكثف نشاطها مؤخرًا وسط غياب – تام تقريبًا- للدبلوماسية الفلسطينية. أغلب الحراكات ادعت على أنها تعمل بمعزل تام عن الدبلوماسيات الفلسطينية، موضحين أن تلك الدبلوماسيات هشة وضعيفة وأقوى تأكيد على ذلك أنها لم تستطع حتى اليوم توظيف هذا التضامن لصالح المشروع الفلسطيني وتحويله من مجرد "موقف" إلى "فعل" ولوبي ضاغط على الحكومات، كما هو الحال مع اللوبي الصهيوني.

قبطي...تعتيم اعلامي الماني على المجازر

عبير قبطي، نصراوية مقيمة في برلين، قالت لـ "بكرا" عن نشاطها في الحراك الشبابي في برلين: شاركت في نشاطات دعت اليها الجاليات او نشطاء مناصرين للقضية. غالبية هذه النشاطات هي تظاهرات احتجاجية في الشارع، وغالبا ما تكون في مناطق مركزية. وقد شهدت تفاعلا قويا ومشاركة حاشدة.

وعن صعوبة العمل مع المجتمع الألماني خاصة وأن حكومته مؤيدة للحكومة الإسرائيلية قالت : في المانيا، نظرا لتاريخها، النشاط المناصر للقضية الفلسطينية صعب بشكل عام، الحركة الصهيونية تعمل دائما على استغلال عقدة الذنب لاسكات اي صوت ناقد لسياساتها. كما وان هناك تعتيم اعلامي الماني على الفعاليات المختلفة التي تحدث في المانيا ضد العدوان الاسرائيلي، ولهذا حجم الدعم الشعبي الالماني لقضيتنا لا يزال محدودًا، على رغم من وجود مناصرين فعّالين جدًا، وحركة مقاطعة نشطة، رغم محدوديتها.

وأضافت عن هدف النشاطات: هذه النشاطات برأيي لها هدفان، اولا رفع الوعي في البلد الاجنبي وحث الناس على اتخاذ موقف وخطوات ضد الاحتلال وثانيا الدعم المعنوي لابناء وبنات شعبنا ودعم صمودهم ومقاومتهم، فرغم اننا بعيدون جغرافيا نحاول ان يصل صوتنا اليهم وان يدركوا بانهم ليسوا وحدهم في المعركة. هذا اقل واجب واضعف الايمان.

حامد- اونيل، حراك أيرلندي مستقل على عدة جبهات

وفيما لم تتطرق قبطي للدبلوماسية الفلسطينية أوضحت الناشطة النصراوية ايضًا رولا حامد اونيل، وتعيش حاليا في ايرلندا وتعمل محاضرة في قسم الدراسات النسوية في جامعة كورك، أوضحت لـ "بكرا" أن كافة نشاطات الحراك التضامني الإيرلندي مع الشعب الفلسطيني مستقل تماما، ويعمل بمعزل عن أي تنسيق عدا مع المؤسسات الحقوقية الإيرلندية.

وأوضحت حامد- اونيل على أنه وفي الآونة الأخيرة كثفت حركة التضامن الإيرلندية مع الشعب الفلسطيني عامةً، وحركة التضامن في كورك مع الشعب الفلسطيني، فعاليتها الإحتجاجية، والتي قوبلت لأول مرة تقريبا بعنف واضح من قبل أفراد الشرطة. فقد نظمت عدة مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية بالإضافة إلى حملات الإغاثة وحملات مقاطعة للمنتجات الإسرائيلية.

وقالت حامد- اونيل لـ "بكرا" على أن الشعب الإيرلندي بشكل عام متضامن على المستوى الشعبي مع الشعب الفلسطيني ويؤمن بعدل قضيته، وهذا ما نحاول أن نعززه، هو كشف جرائم الإحتلال وكذب ماكينة الدعاية الإسرائيلية.

وأنتقدت حامد- اونيل بشدة وضع الدبلوماسية الفلسطينية في إيرلندا مؤكدة غيابها عن الساحة معللة ذلك بإنشغالها بالإنقسام الفتحاوي- حمساوي في الشارع الفلسطيني. وذكرت لـ "بكرا" عن محاولة حركة التضامن مساعدة عدد من المصابين في غزة ونقلهم للعلاج في إيرلندا إلا أن تلك المحاولت فشلت حيث طالها صراع الإنقسام وبات كل فريق يلقي المهمة على الآخر ويتهم الآخر بمحاولة إفشالها.

منصور، الكوريون مشبعون من الدعاية الإسرائيلية

وفي كوريا الجنوبية، وتحديدًا العاصمة سول، تحدثنا إلى العكية الناشطة نورا منصور، والتي أشارت بداية حديثها إلى عدد المتظاهرين المتواضع في كوريا والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، إلا أنها أكدت أن هذا بحد ذاته تحول كبير، خاصة وأن النشاطات مستمرة منذ استشهاد الشاب محمد ابو خضير في القدس قتلا على يد مستوطنين.

وقالت منصور، المظاهرات بدأت بسول بمظاهرة فردية أمام السفارة الإسرائيلية، فكان يوميًا يذهب شخص إلى هنالك ويقوم بالتظاهرة طوال اليوم، ليبدله آخر في اليوم الثاني والثالث وهكذا حتى المظاهرة الكبيرة .

وأوضحت أن أبرز ما شاهدته في المظاهرة هو تواجد الشرطة المكثف، فلم يسبق لمظاهرة أن جوبهت بتلك الأعداد من أفراد الشرطة.

وأضافت نشاطنا لا يقف عند هذا الحد، فنعمل على تقوية المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، في دول مطبع إقتصاديا بشكل كبير من إسرائيل، وقد نجحنا في التأثير ولو بسيطًا ، مثال على ذلك عمل مرافعة مكثف أمام شركة يونداي أدى في النهاية إلى إنجاز بسيط له معنى.

منصور قالت لـ "بكرا" أنها لا تعرف إذا كان هنالك أي دبلوماسية لفلسطين في سول، فلم تسمع عن الموضوع، وتؤكد أن أصعب ما في الأمر هو جهل الشعب الكوري لوقائع الإحتلال، فهو على الأغلب مشبع بما تروج له الدعاية الإسرائيلية والذي يصور الصراع على أنه متواز وأن إسرائيل تتعرض للتهديد من قبل المقاومة الفلسطينية فيما يتم إختزال حقيقة ووجه الإحتلال وعدد الشهداء في غزة.

عبد الله.. لنركز على وحدة الهوية الفلسطينية

بدوره نفى عبد الله الـ عبد الله، دبلوماسي سابق وسفير فلسطين في عدة دول، لموقع "بكرا" الإدعاءات بضعف الدبلوماسيات الفلسطينية مؤكدًا على ان السفارات بتواصل تام مع الحراكات والحكومات حيث تنشط، مفصلا أن هنالك قرابة الـ 166 حزب اشتراكي بتضامن تام، قولا وفعلا، مع القضية الفلسطينية إلى جانب عدد من الأحزاب في دول العالم.

وشدد عبد الله على أن وحدة الهوية والصف الفلسطيني هي البوصلة الوحيدة التي يجب أن تعتمد عليها تلك الحراكات، وحينها ستصب كل الجهود في خانة واحدة، خدمة القضية الفلسطينية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]