لَملمتْ الأُمَهات جِراحهن، ومَسحنّ الدمّع عن وجناتهن، حين علمت كل واحدة منهن بمصابها، وجهزَتْ كُل أم حقيبتها الصغيرة والأوراق الطبية بانتظار تَصاريح عِلاج فلذاتِ أكبادهن، فخطون إلى هُناك- خلف تلك الجدران العالية التي تشبه قضبان السجن، يودعن غزة لوقتٍ يجهلنه، مِن أجل السماح لهن ولأبنائهم بتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية.

رحلة الشفاء.. والابتعاد عن الأهل والأبناء...

وما أن يعبُر الأمهات بوابة " إيريز"، حتى يبدأن العبور نحو المجهول، يلاحقهن هاجس الموت، من قبل احتلالين- صراع مع " العدو"- المُعالج، و النجاة من عدوانه، وقذائفه الساحقة، والاحتلال الثاني، استوطن جسد أطفالهن، في صراع من أجل الحياة والتغلب على احتلال الجسد ومحاربة الورم، والنجاة منه بعون الله، وبمساعدة الوسائل الطبية المتقدمة في المستشفيات الإسرائيلية المعالجة للأطفال والبالغين المصابين بمرض السرطان.

تَركَتْ النساء وراءهن الزوج والأطفال بالديار، ودّعن المخيم والجدران، وتعطرن برائحة التُراب المضممة ببحر غزة، على أمل العودة بعد الشفاء المرجو، المحدد بوقتٍ أقله أسبوع، لتمتد الفترة العلاجية لدى الكثيرين إلى أسابيع وسنين، بعيدين عن ذويهم وعن القدر الذي ينتظرهم لدى عودتهم إلى غزة.

بُـكرا الخير.. وحكايات مليئة بالحزن..

ضمن مشروع بُـكرا الخير، التقى طاقم الموقع، المكوّن من مديرته غادة زُعبي، والزميل وائل عوّاد وصديق الموقع إبراهيم عاصي، وكنتُ أنا برفقتهم، مع مجموعة من الأمهات والآباء ذوي الأطفال الغزيين الذين يتلقون العلاج في مستشفيي " ايخيلوف" و" تل هشومير" في تل أبيب، وكان من ضمن المتعالجين أيضًا بالغون، جميعهم تركوا عائلاتهم لمجهولٍ لا يعلمه غير الله، وخاصة في الظروف الحالية التي تعيشها غزة تحت القصف والعدوان الغاشم!

ولكل فردٍ منهم حكاية، للصغير قصص أطفال بطلها ليس الشاطر حسن، بل هم أنفسهم الذين تحدوا المرض بعزمهم وحبهم للحياة، وحكاية آباء وأمهاتٍ يرافقون أطفالهم طيلة المدة العلاجية، ويتحملون البُعد والجفا، وعدم التأقلم في أروقة المُستشفى وجهلهم للغة العبرية، وقلة الحيلة وقلة السيولة والمال! متحملين واقعًا مُركبًا، بين غزة وإسرائيل لا أحد غيرهم يفهمه، لكن الشفاء والعلاج هو الهدف السامي بهذه المسألة، واختيار العلاج في المستشفيات الإسرائيلية يأتي بسبب أن السُلطة الفلسطينية لا تمول العلاج في المستشفيات الأردنية أو المصرية، بل فقط في إسرائيل!

حكايات النساء..

تتحدث أم الطفلة ديما عن حالة ابنتها التي أتت إلى المستشفى لمراجعة حالتها الصحية، حيث جاءت قبل 7 شهور هي وطفلتها لتلقي العلاج من ورم سرطاني أصاب رأسها، وتم استئصاله ومن ثم تلقت العلاج الإشعاعي بذات المستشفى.
وديما هي البنت الكبرى بين أخواتها الأربع اللاتي تركتهن والدتهن برفقة الزوج- يقبعون تحت القصف، والزوج- الأب عاطلٌ عن العمل منذ سنة، بسبب تردي الوضع الاقتصادي في غزة.

وبالنسبة لأعمال الخير، وللأشخاص الراغبين بالتبرع، قالتْ إن المقيمين بالسكن المخصص للمرضى المتعالجين وذويهم، يساعدهم ويدعمهم، وخاصة أنه يوجد أشخاص مقيمون منذ عدة شهور.

زوجة يوسف...

وبدورها تحدثت زوجة يوسف وهو مصاب بورم سرطاني كان منتشرًا بجدار بطنه، وهو يمكث للعلاج في مستشفى " ايخيلوف" منذ 6 أشهر، وهي ترافقه منذ 40 يومًا، بعيدة عن أبنائها الصغار، وواحد من أبنائها أصيب برأسه قبل العدوان، ويعاني من كسر في جمجمة الرأس، وهي تخشى عليهم من الحرب، وخاصة أنه تم إخراجهم من بيوتهم فهي من سكان حي الزيتون الذي أمرت قوات الجيش الإسرائيلي بإخلائه بسبب القصف.
وعن وضعهم المادي قالت أم يوسف، إنهم استدانوا الأموال من أجل توفير المصروف والمواصلات.

" قمنا بتوزيع الأولاد.. حتى لا يموتوا بنفس " القذيفة"

وقالت زوجة يوسف بقلب موجوع على حال غزة وحال أولادها، أنها قامت بتفريق أبناءها لدى الأقارب، وكل طفل عند قريب، ولم تقم بوضعهم عند نفس الشخص، خوفًا من سقوط قذيفة والقضاء عليهم لا سمح الله.
وتابعت: " قمنا بتوزيع أبنائي وأبناء أخوالهم، بشكل متفرق، فكل طفلين سوية ( الابن وأبن الخال)، في مكان بعيد ومختلف، حتى إذا أصابت القذيفة أحدهما، ينجو الآخر.

زوجة موسى أبو جزر..

أما زوجة موسى أبو جزر، فقصتها تتشابه مع النساء جاراتها في السكن، فزوجها يعاني من سرطان الدم، وتلقى العلاج في السابق، وعاد المرض إليه من جديد، ويتلقى حاليًا العلاج في مستشفى ايخيلوف، ولديهما 10 أطفال، تخشى عليهم هي الأخرى من قذائف الحرب، وقالت أنهم مشتتون فمنهم بضيافة أخوانها وأخوان زوجها، وذلك بعد سقوط قذيفة على بيتهم وهدم جزء منه. وفي نهاية حديثها حمدت الله على مصابهم.

مها.. مريضة بسرطان الثدي..

ولمها قصتها، فهي متزوجة وأم لأربعة أطفال، وهي أتت للعلاج دون مرافق، أصيبت بمرض السرطان بثديها الأيسر، وبعد استئصال المرض، عاد إلى ثدييها الأيمن، وهي تنتظر موعد إجراء عمليتها.
وحين تذكرت أطفالها انفجرت بالبُـكاء على نفسها وعلى مصير عائلتها، التي تتواصل معهم حين يكون بإمكانها، وهي كغيرها من المقيمين بالسكن الخاص بالمتعالجين الغزيين بحاجة إلى دعم ومساعدة.

أم سامر عطية..

وتحدثت أم سامر عطية عن وضع زوجها المريض بالسرطان الذي أتى مثل غيره للعلاج بمستشفى ايخيلوف، وهي أم لأطفال، تركتهم عند أقاربها ولا يوجد من معيل لعائلتها، وهي تتواصل معهم بين الحين والآخر لتطمئن عليهم وخاصة في الوضع الحالي الذي يعيشه سُكان غزة، وقامت بتفرقتهم لدى الأقارب خوفًا من أن تصيبهم نفس القذيفة.

أم عثمان مسالمة..

وكغيرها من الأمهات اللاتي رافقن أبناءهن خلال رحلة العلاج، رافقت أم عثمان ولدها الوحيد عثمان (18 عامًا) الذي كما قالت " ما ليش غير الله وهو"، فهي لم تلد غيره، وأصيب بورم برجله وتم استئصاله.
ويمكث عثمان بالمستشفى منذ 10 أشهر، وتبقى له ثلاث وجبات من الجرعة الكيماوية حتى الشفاء إن شاء الله.
وتمنت من أهل الخير أن يقدموا لهم مُساعدات الإعانة، وخاصة المادية التي تساعدهم لاقتناء احتياجاتهم، كونهم يمكثون في المستشفى منذ فترة طويلة وينقصهم الكثير من الاحتياجات الشخصية اللازمة.

أم نضال..

وتتشابه قصة أم نضال مع جارتها في المسكن، مها، فهي مصابة بورم في الغدد، وأتت لتلقي العلاج في مستشفى ايخيلوف أتت وحيدة، دون مرافق لها، فهي أرملة ولديها ابن وابنة متزوجة تركتهم لوحدهم في غزة، وبين صعوبة المرض ومرارة الحال.

أم بشار...

وتحدثت أم الطفل بشار زعرب من مدينة رفح، عن وضع ابنها بشار الذي أتى لتلقي العلاج في مستشفى ايخيلوف، وهو في مرحلة العلاج الكيماوي من ورم أصابه في بطنه، وسيتم أجراء عملية استئصال له بعد الانتهاء من العلاج الكيماوي.
وعن التواصل مع أهلها في غزة قالت إنها ستتواصل مع أبنائها في غزة بشكل يومي لتطمئن عليهم.

رويدة بدير " أتوجه لكل أهل الخير، تقديم المساعدات للمرضى وذويهم"

تُشرف على ترتيب أمور ذوي المرضى والمرضى أنفسهم، العاملة الاجتماعية رويدة بدير، التي بدأت عملها في مستشفى " ايخيلوف" قبل 3 سنوات تقريبًا، وأشارتْ خلال حديثنا معها، عن الوضع الذي يعيش به الأطفال وذويهم، سواء على الجانب النفسي أو على الجانب المادي.
وقالتْ رويدة إن المريض بشكل عام يأتي مع مرافق واحد، سواء الأب / الأم، وحتى الزوجة لدى بعض المرضى، ويتم مرافقة المرضى وذويهم منذ لحظة وصولهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، ونقوم بفحص كل مريض ومتطلباته، سواء على جانب العلاج، أو من ناحية ترجمة الأوراق والمستندات الصحية، فهي من خلال عملها بالمستشفى بمثابة حلقة وصل بين ذوي المرضى والأطباء، مُشيرةً إلى أن معظم المرضى المتلقين العلاج مرضى سرطان، أو يعانوا من أمراض مزمنة بحاجة لعلاج، وهم من منطقة الضفة والقطاع.

ويصل عدد المرضى المتعالجين لنحو (50) مريضًا، معظمهم يتلقون العلاج، أو في السكن المخصص للمرضى وذويهم. ويقضي معظم المرضى بين أسبوع وشهور في المستشفى.

وقالت رويدة، إن المستشفى يؤمن للمرضى، ثلاث وجبات رئيسية، ( فطور، غداء، وعشاء)، كغيرها من الأقسام المستشفى.
وأكدتْ أن المرضى وذويهم تنقصهم الكثير من الاحتياجات الأساسية، واليومية، وفي الكثير من الأحيان تنقصهم السيولة المادية لاقتناء هذه الحاجيات، من الأكل، والخضراوات والأشياء الشخصية، التي تعتبر بسيطة لمعظمنا لكنها بالنسبة لهم صعب الحصول عليها واقتناؤه، لعدم توفر المال لديهم، بالإضافة إلى أنها باهظة التكلفة بالنسبة لهم.

توجه إلى أهل الخير..

ومن خلال موقع بُـكرا، توجهت العاملة الاجتماعية رويدة بدير لكل أهل الخير بالتبرع للمرضى وذويهم، وخاصة في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها أهلنا في غزة، فهم بحاجة ماسة لكل شيء، حتى البسيطة.

الأشخاص المعنيون للتبرع لمُساعدة ودعم مرضى السرطان في مستشفى ايخيلوف يمكنهم التواصل مع العاملة الاجتماعية في مستشفى ايخيلوف رويدة بدير؛ 0527360159 على الرقم:  046452191 موقع بُـكرا

 

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك



 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]