“العصف المأكول”، “حجارة السجيل”، “حرب الفرقان”… أسماء أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على حروبها التي فرضت عليها من إسرائيل في مواجهة أسماء الحروب الإسرائيلية على غزة من أمثال “الجرف الصامد” التي تشنها الآن و”الرصاص المصبوب”، و”عمود السحاب”، وهي كلها أسماء مستوحاة من معاني دينية أو مواقع تاريخية أو رموز شعبية، تعبّر عن الصراع المتجذر في فلسطين بين أهل الأرض الذي تحولوا إلى لاجئين ومشردين ومطاردين ومحاصرين، وبين شعب شتات جيء به إلى “أرض الميعاد” ليقيم عليها دولة “شعب الله المختار” ويجمع فيها صهاينة العالم.

عدد من الخبراء الفلسطينيين أشاروا إلى أن الخلفية الدينية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حاضرة وبقوة، في كل تجليات معركتها مع إسرائيل وكما هي الأيديولوجية الصهيونية حاضرة لدى الإسرائيليين، في إطلاق أسماء الحروب التي تقع بين الطرفين مع تفاوت العدة والعتاد والقوة التي تملكها “حماس” بمقارنة قوة الجيش الإسرائيلي .

التيارات العلمانية الإسرائيلية

وأطلقت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، عملية عسكرية أسمتها “العصف المأكول”، ردًّا على عملية “الجرف الصامد” العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

ويرى الكاتب الفلسطيني المختص في الشأن الإسرائيلي هاني أبو سباع أن “كثيرًا من التيارات العلمانية الإسرائيلية والفلسطينية ظلت تدفع عن الصراع طبيعته الدينية مستجلبة وصف الصراع الحضاري، السياسي التحرري، إلا أنه حين البحث العميق في الصراع خاصة في نسخة المواجهة بين حماس وإسرائيل يظهر البعد الديني جيدًا”. واستشهد أبو سباع، بـ”تسمية الحروب بين إسرائيل وحركة حماس”، ومضى قائلًا إنّ “هناك تحولات كبيرة يشهدها الجيش الإسرائيلي البالغ عدده 400 ألف جندي و200 ألف احتياط، حيث باتت تتغلغل الجهات الدينية في الجيش حتى صارت تمثل 20% من نسبته”، وتابع أبو سباع: “بات ملاحظًا مؤخرًا أنه مع تخريج كل دفعة عسكرية من الجيش أنّهم يأتون بأفراد الدفعة إلى اقتحام المسجد الأقصى مما ينعكس على سلوك الجيش وتسمية المعارك”.

أسماء من التوراة.. مقابل مسميات من القرآن


بدوره، قال القيادي في حركة حماس حسام بدران إن “المعركة مع إسرائيل تأخذ بعدًا عقديًّا، وبذلك تقوم حماس باختيار الأسماء للمعارك من صلب وتراث الأمة وعقيدتها”. فيما قال الكاتب السياسي الفلسطيني حسام الدجني إنّ “العمليات الأخيرة التي أطلقتها كتائب القسام لها أسماء تأتي في سياق الرد أيضًا، على أسماء تطلقها إسرائيل على عملياتها، كما إن إسرائيل تستوحي أسماءها من التوراة، فالقسام ترد بأسماء مستوحاة من القرآن والسيرة النبوية”. وتابع الدجني قائلًا: “على سبيل المثال، في حرب 2008-2009 أطلقت إسرائيل اسم (الرصاص المصبوب) على عمليتها على غزة، وأطلقت عليها كتائب القسام اسم”حرب الفرقان”؛ لأنها ترى أن هذه الحرب تأتي في ظل الصراع بين الحق والباطل، تأسّيًا باستعمال هذه الكلمة في القرآن”.

كتائب القسام.. والتسمية الصهيونية

ومضى الدجني قائلًا: “أما حرب 2012 ، فأطلقت إسرائيل عليها اسم (عمود السحاب)، بينما أطلقت القسام تسمية حرب (حجارة السجيل)، في إشارة دينية لحجارة السجيل التي سقطت على أبرهة الحبشي وجيشه الذي جاء ليهدم الكعبة والتي ذكرت في القرآن في سورة الفيل”، ورأى أن “القسام أرادت أن تقول إنها تمتلك صواريخ تضرب العمق الصهيوني، كوقع حجارة السجيل”. و”عمود السحاب” هي العملية التي أطلقتها إسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، واستمرت لمدة ثمانية أيام، وأسفرت عن مقتل 160 فلسطينيًّا وإصابة 1200، في حين قتل فيها ستة إسرائيليين، بينهم عسكريان. وقال الدجني: “أما الحرب الراهنة، فأطلقت عليها إسرائيل اسم (الجرف الصامد)، وأطلقت القسام (العصف المأكول)، حيث قرأت كتائب القسام التسمية الصهيونية هذه المرة بارتباطها بالبر والاجتياح البري، فأطلقت العصف المأكول لتقول لهم إن جيشكم وجبهتكم الداخلية ستكون كالعصف المأكول حال اجتياحكم البري”.

عامود السحاب.. وحجارة السجيل

وقال الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، إنّ “الأسماء التي تُطلقها المقاومة تأتي ردًّا على المسميات الإسرائيلية التي تهدف إلى إخافة الفلسطينيين عسكريًّا ونفسيًّا”، وتابع أبو عامر بقوله إن “المقاومة تردّ بشكل عملي على مسميات إسرائيل، فتقابل الجرف الصامد بالعصف المأكول، وعامود السحاب بحجارة السجيل، وغيرها من الأسماء التي تحمل رسائل الوعيد للإسرائيليين”. في المقابل، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي والباحث في مركز “القدس” في رام الله بالضفة الغربية جلال رمانة إن “الحركة الصهيونية وأفكارها تقوم على المنهجية العلمانية المتطرفة”، إلا أن البعد الديني أقل حضورًا في المشهد الإسرائيلي، بحسب أبي عامر الذي استشهد بأن “البعد البنائي للمجتمع السياسي الإسرائيلي لا زال الثقل فيه للعلمانيين، حيث إن نحو 85 مقعدًا في الكنيست (البرلمان) يملكها العلمانيون من أصل 120 مقعدًا”.

الحافة الواقية.. والجرف الصامد

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي للأناضول “اختيار الأسماء يتمّ بطريقة لا أفهمها، فأحيانًا يتم من خلال الحاسوب، وأحيانًا أخرى من خلال أشخاص، وعندما يتم اقتراح اسم فإننا نجري فحصًا لملائمته مع الجمهور الإسرائيلي والجمهور الدولي”. وقال أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، إنّه لا يملك تفسيرًا محددًا للأسماء التي يختارها الجيش لعملياته العسكرية وآخرها “الجرف الصامد” التي ينفذها حاليًا ضد حركة حماس في قطاع غزة. وأضاف أنه يتم اختيار اسم العمليات العسكرية في إسرائيل بداية باللغة العبرية، ومن ثم ملائمته باللغتين العربية والإنجليزية قبل الإعلان عنه رسميًّا، بحسب المتحدث. ولفت أدرعي إلى أنّه “فيما يتعلق بالعملية الحالية، فإنه تم إدخال بعض التعديلات على الاسم باللغة الإنجليزية بحيث أصبح يحمل معنى دفاعيًّا”. وقد تم إطلاق اسم Protective Edge باللغة الإنجليزية على العملية الحالية، ويعني الحافة الواقية، ولكن أدرعي أشار إلى أن اسم العملية سواء بالعربية أو العبرية (الجرف الصامد) يحمل ذات المعنى وذات الاسم. وقال: “عندما عرض عليّ الاسم باللغة العربية قلت إنه ملائم تمامًا ففيه كلمة صمود، وكمجتمع إسرائيلي فإنّه يجب أن يبقى صامدًا في وجه التهديدات، وفي هذا رسالة إلى الأعداء الذين يستهدفوننا”.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]