غزة تحترق، بيوت تهدم، عدد الشهداء اللذين يقتلون يوميا (بشكل جماعي) بازدياد، أكثر من مائة الف من سكان غزة هجروا من بيوتهم، والعالم لا يفعل شيئا ولا يبدل جهدا جديا وحقيقيا لوقف العدوان بل يسير خلف أمريكا مؤكدا "حق أسرائيل بالدفاع عن نفسها".

دعونا لا ننسى، ما هو السياق اللذي دفع الحكومة ألأسرائيلية المتطرفة لبدأ العدوان: فشل المفاوضات بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينة نتيجة عدم تنفيذ نتنياهو بنود الاتفاق وأطلاق سراح الدفعة الرابعة من المعتقلين، انهاء ألأنقسام واجراء الوحدة وأقامة حكومة وحدة وطنية رحب بها العالم مما جعل نتنياهو يتوعد في العمل على افشال الوحدة. بعد ذالك تم خطف ثلاثة من الشباب المستوطنين ( حتى الان لم يتخذ اي من الفصائل الفلسطينية على هذا العمل). أن الحكومة الأسرائيلية أنتهزت الفرصة للقضاء على الوحدة وضرب المقاومة في غزة والضفة فقامت في البداية باعتقال قيادات حماس ومحرري صفقة شليط وقامت باتهام حماس بتنفيذ العملية دون وجود اي دليل. وبعد أن وجدت جثث المستوطنين في أحدى الغابات قرب الخليل، قامت مجموعات من الارهابين اليهود بخطف الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وقتله وحرقه وبعدها بدأت أسرائيل عدوانها على غزة ومن ثم وبعد عدة أيام قامت بأجتياح قطاع غزة برا، وبذالك تصبح غزة تحت القصف برا وبحرا وجوا.

يجب ألأ ننسى بان غزة منذ عام 2006 تعيش تحت حصار كامل وشامل وهي مطوقة من ثلاث جهات اليابسة، ومن جهة البحر حيث هي ممنوعة من أستعمال الميناء كما أنه تم العدوا عليها في الخمس سنوات ألأخيرة ثلاثة مرات وفي كل مرة لم يتم التعاطي مع القضايا الجوهرية وهي الاحتلال والحصار ومحاولة الفصل بين القطاع والضفة والقدس. كما أن الجانب ألأسرائيلي لا يريد السلام ولا يتعاطى بجدية مع قضايا الأستيطان، القدس، الحدود، اللاجئين، ويصر على مطلب ألأعتراف باسرائيل "كدولة يهودية".

أننا ننتهز هذة الفرصة لنستعرض بشكل مفصل ونراجع كتاب («الحروب الجديدة لإسرائيل، تفسير اجتماعي- تاريخي» المؤلف: أوري بن إليعازر 2012الناشر: جامعة تل أبيب، صفحة528عدد الصفحات) لما له من أهمية لفهم المباني العميقة للسياسة ألأسرائيلية وتركيبة المجتمع ألأسرائيلي وديناميكيته وصواب تحليلاته فيما يتعلق بالحرب الجالية ضد غزة.

لقد صدر هذا الكتاب حديثا من قبل البروفسور أوري بن إليعازر، الباحث والمحاضر في قسم العلوم الاجتماعية وعلم الإنسان في جامعة حيفا، تحت عنوان رئيس «الحروب الجديدة لإسرائيل» يتبعه عنوان فرعي «تفسير اجتماعي- تاريخي». يعتبر هذا الكتاب باعتقادي إضافة نوعية ذات أهمية خاصة نتيجة لشموليته وتحديثه النظري وتحليله التطبيقي وعلميته ودقته وربطه مجالات علمية متعددة، فضلا عن منهجيته ووضوح الاستنتاجات التي يتوصل إليها. إضافة إلى ذلك فالكتاب كبير الحجم ويحتوي على كم كبير من المعلومات والتحليلات التي تصل ما بين التاريخي والراهن.

يشتمل الكتاب الحالي على مقدمة وثلاثة عشر فصلا تتوزع على ثلاثة أقسام ما عدا الفصل الأول والذي يسبق كافة الأقسام والفصول باعتباره فصلا نظريا ويحتوي على أسئلة البحث ومنهجيته. الكتاب يشتمل أيضا على تلخيص مختصر، وقائمة بأسماء المراجع والمصادر وفهارس للأسماء والمواضيع والأمكنة المذكورة فيه. من الصعوبة بمكان تلخيص كافة فصول الكتاب بشكل متوال نتيجة لحجم الكتاب وترابط موضوعاته، ونتيجة لما تفرضه المساحات المتاحة لمراجعة الكتب، ولذلك سوف نستعرض الأسئلة والموضوعات التي يحاول الكاتب معالجتها والإجابة عليها، والمنهجية التي يعتمدها في بحثه والادعاءات والأفكار والاستنتاجات المركزية التي يتوصل اليها، ومن ثم سنحاول وبموضوعية مناقشة ونقد بعض الأفكار التي يقترحها الكاتب.

مقدمة الكتاب والتي عنونت بـ «المقاطعة» فسوف نستعرضها باقتضاب. يستعرض الكاتب في المقدمة خلفيات وسيرورة الحصار الذي فرض على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في والعوامل الرئيسة الفاعلة في الحدث (الدولة 2002شهر أيلول الإسرائيلية، المجتمع، الإعلام، المجتمع الدولي، وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني). ويسلط الضوء على الحصار ويوظفه كنقطة بؤرية وكجزء من حرب أوسع. وهو يعتبره من جانب حربا دموية وقاسية شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني (يسميها الحرب الجديدة) ومن جانب آخر حربا مختلفة عن الحروب التقليدية والمألوفة التي شاركت فيها إسرائيل في الماضي. يطرح الكاتب من هذا المنطلق عدة أسئلة منها: ما هي الأسباب الواقفة وراء الحرب الجديدة؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى اكتسابها طابعا خاصا ومميزا؟ كيف حدث أنه وخلال سنوات قليلة انقلب الوضع تماما من حالة سلام مع الأردن وتوقيع اتفاقيات أوسلو وما يسميه «نشوة» السلام إلى حرب؟ وليست أي حرب بل حرب من نوع خاص وجديد؟ كما يستمر الكاتب ويتساءل: هل من باب الصدفة أن هذه الحرب تشابهت في بعض مميزاتها الجديدة مع بعض الحروب الأخرى التي اندلعت في أماكن أخرى من العالم في مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؟ وهل الأسباب التي أدت إلى اندلاع (التي يعتبرها نقطة ارتكاز مهمة في 2000انتفاضة الأقصى تحليله) شبيهه بالأسباب الأخرى التي أدت إلى حروب أخرى في العالم في الفترة نفسها؟ هل الانتفاضة لم تكن متوقعة؟ وهل كان يمكن منعها؟ ماذا أرادت إسرائيل أن تحقق من خلال هذه الحرب؟ وهل حققت فعلا أهدافها وتوقعاتها؟ وماذا كانت نتائج الحرب؟ وهل من باب الصدفة أن شكلت انتفاضة الأقصى حلقة في سلسلة مواجهات عسكرية بين إسرائيل وجاراتها منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو والمستمرة حتى الآن؟ يصف الكاتب من خلال الفصل الأول والذي أسماه «حروب جديدة في العهد الكوني» التحولات والتغيرات التي طرأت على مفهوم الحرب وأشكالها وأنماطها. ويسير على أثر علماء آخرين في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية من الذين أشاروا إلى تطور أنماط جديدة من الحروب بعد نهاية الحرب الباردة أسموها الحروب الجديدة.

ويفرز الكاتب الأدبيات الأكاديمية التي بحثت الحروب إلى مجموعتين: الأولى: متعلقة بالتطورات التكنولوجية وتبعاتها، والثانية: «الحروب الجديدة» التي تتمحور حول التغيرات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في العالم بعد الحرب الباردة وغيرت طبيعة الحرب. ومن بعض مميزات الحروب الجديدة: أنها ليست بين دول بالمفهوم التقليدي وليست بين جيوش كما كان في السابق ولا يوجد تماثل وتساو في القوة بين الأطراف؛ أهداف الحرب ليست دائما واضحة أو مصاغة بشكل واضح؛ لا يوجد في الحرب الجديدة تمييز واضح بين سلام وحرب، جبهة وعمق، جنود ومواطنين، مسلحين ومدنيين، بين القانوني والشرعي وغير القانوني وغير الشرعي، بين الداخل والخارج، العالمي والمحلي. في الحرب الجديدة، هناك عنف شديد موجه تجاه المواطنين. كما أن التفسيرات الممنوحة للحرب اختلفت، فهناك مجال للشك وأيضا هناك شرعية لتفسيرات عديدة ومتناقضة أحيانا.
يستعرض الكاتب خلال الفصل الأول العولمة وتأثيرها على الحرب ونظرية «المبنى المؤسسي» ودور القوى الداخلية وسياسات الهوية وتأثيرها على الحرب، كما أنه يخصص فصلا ثانويا يتوسع من خلاله في شرح «نظرية صرف النظر عن طريق الحرب» بما معناه المراوغة والخداع . قبل أن نخوض في عرض تحليلات الكاتب، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه يستند ويستخدم طريقة البحث الكيفي من أجل تحليل النصوص. الفرضية التي ينطلق منها أن النصوص الكلامية تعكس توجهات وتفسيرات المشاركين، وتتيح هذه النصوص متابعة الصورة والشكل اللذين تبلورت من خلالهما التوجهات لمبنى مؤسسي مركزي في المجتمع، كما تتيح أيضا فحص ما إذا بقي هذا المبنى المؤسسي قائما ومستقرا أم أن القوى الداخلية في الدولة أثرت عليه وغيرته.

يقول بن إليعازر بأنه في العهد الحداثي المتأخر، العالمي والنيو- ليبرالي الذي تشكل بعد الحرب الباردة، ظهرت خلافات جديدة في المجتمع الإسرائيلي كونية ومحلية والتي من دونها لا يمكن فهم الحروب الجديدة لإسرائيل. ويتحول بن إليعازر لتوضيح علامتين فارقتين في الصراع العربي- اليهودي واللتين عرضهما بتوسع في الكتاب: الأولى: أشار اتفاق أوسلو الذي بحسب بن إليعازر إلى فرصة للوصول إلى تسوية بين الشعبين ومن ثم الوصول إلى حل للصراع القديم ولكن هذا الاتفاق أثار صراعا شديدا داخل المجتمع الإسرائيلي. الثانية: انتفاضة الأقصى، التي وظفت واستغلت من قبل الجانب الإسرائيلي لإدارة الصراعات الداخلية في إسرائيل وتوجيهها تجاه الخارج. إن هذه الحرب كانت عنيفة ومتوحشة بشكل خاص وأسقطت العديد من الضحايا وتحولت نتيجة مميزاتها الخاصة، خلفية نموها والشكل الذي خططت به إلى «حرب جديدة»، وهذا النمط عاد وكرر نفسه لاحقا في الحرب عام 2006 على لبنان والحروب على غزة. يقول بن إليعازر إن الحرب هي شيء مركب ولا يمكن اقتصار فهمها أو تفسيرها من الجوانب العسكرية فحسب. بل يجب الأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي، السياسي، الثقافي والنفسي. مستندا على هذا الفهم، طارحا الأسئلة التي عرضناها سالفا، ومرتكزا على مرجعية نظرية متماسكة كما أوردناها، يصل الباحث إلى ادعائه المركزي وهو أن التغيرات التي حصلت في إسرائيل في العهد العالمي، النيو- ليبرالي جلبت تفسيرا جديدا للواقع. تطور هذا التغيير الذي برز نتيجة سنوات طويلة من الاحتلال والإحساس بالسيادة على الأراضي المحتلة إلى نتيجة مفادها، لا يوجد «شريك للسلام»، ولذلك يجب التعامل مع أي عنف فلسطيني بالقوة فقط. إن هذا التغير كان مشتركا بين إسرائيليين كثيرين بما يشمل القيادة السياسية والعسكرية والمستوطنون والذين يدعمونهم وخصوصا المتدينين من بينهم. إن هذه النتيجة كانت وما زالت مقبولة على الجمهور الإسرائيلي الواسع على أثر ما اسماه الكاتب «سياسة صرف النظر» من قبل القيادة. نتج هذا التغيير أيضا من خلال مصالح مشتركة لقوى مختلفة: مصالح مادية وقيمية من أجل الاستمرار في الاحتلال والمحافظة على ما يسمى «أرض إسرائيل الكاملة». يستطرد الكاتب ويقول بأنه: «مع مرور الوقت، ونتيجة لضغوطات وجهت من الداخل والخارج، تجاه متخذي القرارات في إسرائيل خلال الحرب، سارت القيادة الإسرائيلية على ما يمكن رؤيته كطريق جديدة. طبعا لم تكن طريق المجتمع العسكري- الديني من جهة وليست طريق المجتمع المدني من جهة أخرى». وذلك ما أدى إلى الانسحاب من غزة، بناء جدار الفصل العنصري، وهذه الطريق أحادية الجانب أثبتت أن الإسرائيليين يستطيعون أن يعملوا سلاما مع أنفسهم من خلال تجاهل الفلسطينيين وإبقائهم غير مرئيين.

يخلص الكاتب إلى إثبات نظرية الحرب الجديدة في إسرائيل بقوله رغم أن إسرائيل ليست دولة فاشلة أو ضعيفة كما ينطبق على الدول الأخرى التي تشارك في حروب جديدة، إلا أن حروب إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب في العقدين الأخيرين هي ليست حروبا بين دول بالرغم من أنه أحيانا تشارك بها دول (إسرائيل)، وليست بين جيوش بل أحيانا تشارك بها جيوش (الجيش الإسرائيلي)، حيث أن طرق الحرب ووسائلها جديدة، علاقات القوة غير متساوية، ما يؤثر على شكل الحرب وطبيعتها. الحرب لا يوجد بها حسم، مواقع العنف والمواجهة متفرقة، هناك مس شديد بالمواطنين والبنى التحتية في مناطق مكتظة بالسكان وتشمل عقوبات جماعية. الحرب الجديدة ليس من السهل إنهاؤها وأحيانا الأطراف لا تريد إنهاءها (إسرائيل)، لا يوجد تمييز بين الجبهة والعمق، بين الداخل والخارج، بين العالمي والمحلي، الأطراف تخرق القانون الدولي، مصطلحات كثيرة من الحرب التقليدية ليست ذات صلة، للإعلام دور مهم، وللرموز دور مركزي، تتدخل القوى الدولية في الحروب الجديدة أحيانا أكثر من تدخلها في الحروب إبان الحروب الباردة، وهناك دور فعال لقوى داخلية وليست دائما اعتبارات الجيش ومنطلقاته عقلانية ومهنية.

ينهي الكاتب الكتاب برثاء اتفاق أوسلو وبقوله إنه لم يعد يمكن تقديم حل الدولتين، ومن جانب آخر انفض حلم فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الأراضي المحتلة، وهذا ما أدى إلى بروز طريق ثالث في العمل السياسي الإسرائيلي، ويتمثل بالعمل أحادي الجانب بواسطة الفرض والفصل، ويسميها سياسة «الفصل بواسطة الوصل»، فصل غزة عن الضفة الغربية، الفصل بين الفلسطينيين أنفسهم في الضفة، الفصل بين الفلسطينيين والمستوطنين، وبين إسرائيل وأجزاء من الضفة. وفي الوقت نفسه تربط وتصل إسرائيل بينها وبين أجزاء من الأراضي المحتلة، وبينها وبين المستوطنين... الخ. ويضيف الكاتب إلى أن هذا الواقع يؤدي إلى إنكار وجود الفلسطينيين وآمالهم الوطنية والقومية في الوقت الذي يزداد عددهم بين البحر والنهر مما يمكن أن يشكل واقعا جديدا.

إن الواقع الذي يصفه الكاتب مقبول بحسب اعتقاده من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وأيضا تستغله القيادة الإسرائيلية لفض وإسكات خلافات داخلية أو لتوظيف الحرب الجديدة وسياسات المراوغة في مواضيع اقتصادية واجتماعية. إن السياسة الإسرائيلية تتلخص في أن الإسرائيليين لا يريدون حربا شاملة من جهة، ولا يريدون إعادة أراض للفلسطينيين من جهة أخرى، ولذلك أصبحت التناقضات الداخلية في إسرائيل تمنح الشرعية لاستمرار الاحتلال والعنف والحرب.

يعتبر كتاب بن إليعازر كتابا مهما، وخصوصا أنه من خلال بحث معمق لبنية المجتمع الإسرائيلي وعلاقات القوة وتغير السياسات يثبت ما كان يدعيه الجانب الفلسطيني دوما. لكن وبالرغم من أن بن إليعازر حذر القارئ من أن البحث يعالج فقط المجتمع الإسرائيلي إلا أنه يتجاهل عناصر القوة لدى الجانب الضعيف في المعادلة وخصوصا مساهمة المقاومة الفلسطينية في غزة في الانسحاب من القطاع. أضف إلى ذلك أن الكاتب لم يقم في مجمل وصفه إلى سياسات الأبرتهايد التي تنتهجها ّ إسرائيل وإنما اكتفى باستعمال مصطلحات الفصل. كما أنه تجاهل المجتمع الفلسطيني في الداخل والذي لعب دورا مهما احتجاجيا في كل الحروب في العقدين الأخيرين وخصوصا انتفاضة الأقصى التي شكلت نقطة مفصلية في تاريخ هذا المجتمع الفلسطيني وتشكل هويته وعلاقته تجاه الدولة والأغلبية.

أجزاء من هذا المقال تم نشرها في العدد 52 من مجلة قضايا أسرائيلية

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]