تبدو مهمة مُستحيلة، أن تتمالك أعصابك ولا تبكي، عند سماعك لقصة الجندية السابقة فاردا بومرنتش! التي فقدت ابنها الجندي دانئيل، (21) عامًا، هذا الأسبوع في الشجاعية. وتتميز بومرنتش، عن بقية أمهات الجنود، بوظيفتها السابقة في الجيش- جيش الاحتلال.

عملتْ بومرنتش، في قسم " مصابو، وقتلى الجيش"، وحظيت بلقب ( المرأة الحديدية)، يتكون طاقم القسم من رجل دين؛ عامل اجتماعي؛ ومختص نفسي مهمتهم طرق باب أهل جندي قتل خلال حرب خاضتها إسرائيل ضمن مساعيها في شرعنة الاحتلال والعربدة المتواصلة على جيرانها العرب.

كانت مهمتها، إبلاغ العائلة بمقتل ابنها، ومن ثم تقرأ البروتوكول عليهم، وبعدها تأخذ واجب ضم الأم والبنات إلى صدرها ومرافقتهم في حزنهم. خلال وظيفتها هذه، ضمت بومرنتش إلى صدرها آلاف الإسرائيليين وشاركتهم في حزنهم.

هذا الأسبوع وصل بديلها في القسم إلى بيتها مع رجل دين؛ عامل اجتماعي؛ ومختص نفسي لضمها وإبلاغها أن دانئيل – ابنها- قتل في الشجاعية. عدة مرات صرخت بومرنتش وقالت "عرفت ذلك، عرفت أنه يومًا ما سأشعر ما شعرت به العائلات ". بومرنتش رفضت أن يُقرأ عيها البروتوكول قائلة "أنا كتبته "!


للوهلة الأولى ترى نفسك تريد أن تضم بومرنتش، الأم، وتبكي إلى جانبها لكن وبعد لحظات تفيق من صدمتك وتتذكر، ماذا كان يفعل دانئيل في الشجاعية؟! اليس خلق عدة "فاردات"، أمهات يصرخن بسبب فقدان أطفالهن؟! تعود وتتنبه للتقاطع ما بين الذكورة والنزعة العسكرية في إسرائيل. تقاطع تم التطرق إليه في عدة ابحاث سابقة.

في هذا التقاطع نرى العسكريون يسيطرون على الشارع الإسرائيلي بلا منازع، مما يدفع النساء ايضًا إلى تبني، بوعي أو بدون وعي، للرؤية الذكورية المعتمدة على القوة. فالمجندة تصبح لاحقًا مدرسة تعلم الطلاب، ذكورًا وإناثًا، أن القول الفصل فقط للجيش والعسكريين.

Standing With IDF!

وفي سياق هذا التقاطع، دشن إسرائيليون مؤخرًا صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (Standing With IDF) لنشر صور فتيات شبه عاريات وقد كتبن على أجسادهن عبارات تعبر عن دعمهن للجيش الإسرائيلي وللحرب على غزة.

هذه الصفحة التي تحمل اسم "نقف مع الجيش الإسرائيلي ونحافظ على الجرف الصامد"، تشجع الإسرائيليات والنساء المتضامنات مع تل أبيب حول العالم، على كتابة شعارات على أجسادهن، لتشجيع الجيش الإسرائيلي، ورفع الصور الخاصة بهن على شبكة الإنترنت.

فرح: إسرائيل تحوّل جسد المرأة إلى ساحة قتال!

وفيما كتب مؤسسو الصفحة في توصيفها، أنها لرفع الروح المعنوية للجبهة، إلا أنها لاقت نقدًا واستهجانًا واسعًا. الناشطة النسوية، مريم فرح علقت لـ "بكرا" عن الخطاب الذكوري قائلة: من الواضح أن هذه الحرب الوحشية –كسابقتها- رافقها خطاب شوفيني وذكوري. وبرز هذا الخطاب في وسائل الاعلام الاجتماعي وفي الاوساط الشعبية الاسرائيلية ووصل حتى الى النخبة المثقفة والأكاديمية والقصد إلى تصريح د. مردخاي كيدار (محاضر في جامعة تل ابيب) المُطالب باغتصاب أمهات وأخوات المقاومين! تلك الأوساط كافة حوّلت جسد المرأة، الفلسطينية والإسرائيلية، إلى ساحة قتال، فصفحة "التعري لرفع معنويات الجنود" ليست وحيدة، فقبل الدخول البري الى غزة نشرت صورة تظهر بها امرأة منقبة في القسم العلوي من جسمها وعارية في الجزء السفلي مستلقية على سرير ومكتوب على ملابسها "غزة" وفي اسفل الصورة مكتوب "بيبي حان الوقت للدخول البري الى غزة"! انتشرت هذه الصورة في وسائل الاعلام بكثافة، وتشير هذه الصورة الى تصوير غزة على انها امرأة وحان الوقت لاغتصابها!

وأضافت فرح: الشوفينية وصلت ايضًا إلى لافتات الشوارع، فقد وضعت بلدية "اور يهودا" لافتة في مدخل البلدة مكتوب عليها "الى الجنود ... ادخلوا في امهاتهم وعودوا بسلام الى أمهاتكم"، لتكون هذه اللافتة تلميحا اضافيًا من بلدية "اور يهودا" لشرعية استخدام وسيلة الاغتصاب لردع المقاومين!

وقالت فرح: الشوفينية وعسكرة الخطاب في المجتمع الإسرائيلي ليست غريبة، وليست وليدة اليوم، لكن علينا التأكيد أنه وبحسب المواثيق الدولية والمعاهدات الموقعة عليها إسرائيل فأن استخدام جسد المرأة كسلاح حرب يُعد جريمة حرب، والجيوش المستعملة لهذه الوسيلة تحاكم في المحاكم الدولية.

زعبي: ظاهرة ليست جديدة، الجديد استعمال ادوات الإعلام الحديث 

بدورها عقبت همت زعبي، لـ "بكرا" معقبة حول المبادرة (Standing With IDF) قائلة: لا جديد في هذه المبادرة من حيث المبدأ. إذ لطالما استخدمتْ النساء وأجسادهن لخدمة المشاريع القومية الشوفينية. والحركة الصهيونية منذ بدايتها وحتى مع وبعد اقامة الدولة اليهودية لم تحيد عن هذا النهج. بل على العكس، كانت هي، من وجهة نظرها، حركة قومية تعمل على تحرير الرجل اليهودي الاوروبي من الصفات النسائية "السلبية" التي صبغته في اوروبا، وبالتالي وفي صلب الفكر الصهيوني، وبسبب تجربته بأوروبا، عمل المشروع الاستيطاني في البلاد "لتحرير" الرجل اليهودي من الصفات النسائية التي ذوت دونيتها. وبالتالي لم (ولن) تحظ النساء اليهوديات في شراكة حقيقية بسبب هذا المشروع، لا بل انخرطن به ليس كشريكات متكافئات بل كمساندات لتحقيق المشروع من خلال أدوارهن التقليدية. وينعكس هذا بشكل جلّي، على سبيل المثال، في الأدوار التي تقوم بها النساء في المؤسسة العسكرية حتى يومنا هذا.

وقالت: تزيد حدة هذه الظاهرة، الشوفينية الذكورية، في فترة الحرب التي تشهد استعمالا وإساءة لأجساد النساء من الشعوب الواقعة تحت الاحتلال او الغزو، وأكبر مثال على هذا جرائم الاغتصاب التي تكثر في الحروبات، حين تعتبر المرأة "ملكا" لذكر العدو، فالاعتداء عليها جنسيا يعبّر رمزيا وفعليا على انها اهانة للعدو. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، متوقع من النساء الجيش الغازي، أن تساند جيش بلادها من خلال قبولها الوظائف التقليدية للنساء ان كان في المؤسسة العسكرية او في البيت.

وأنهت قائلة: ربما الشيء الجديد في هذه المبادرة انها استعملت الادوات الحديثة من حيث استهلاك جسد المرأة وتشيئه ومن خلال استعمال الشبكة الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي لتعيد بناء القديم بأدوات حديثة.

عبدو: جهاد نكاح، سابقًا كان مبطن

وفيما ذهبت كل من زعبي وفرح إلى الجانب التحليلي للظاهرة، ربطت المحامية والناشطة السياسية صفاء عبدو، ابنة حيفا ما بين الصفحة وما بين "جهاد نكاح"، وهي فتوة اشتهرت في سوريا ونادت إلى إمتاع المقاتلين السوريين (من جبهة النصرة وداعش) لساعات قليلة بعقود زواج شفهية من أجل تشجيعهم على القتال.

وقالت عبدو: هذا ما سمي بجهاد النكاح، في إسرائيل كان متواجدًا طوال الوقت لكن بصورة مبطنة. الحركات النسوية الإسرائيلية انتقدت سابقًا وبشدّة التحرشات الجنسية في الجيش الإسرائيلي. حتى وزير الثقافة الحالية ليمور ليفنات اعترفت سابقًا أنه تم التحرش يها في الجيش ومن ناقل القول أن الذكورية هي سمات كل جيش بالعالم خاصة المحتل، علية لا أستغرب المبادرة، وأن كان نشرها بالصورة المستفزة والعلنية على مواقع التواصل الاجتماعي مستهجن.

بلال: على النضال النسوي الفلسطيني ان يسلخ نفسه عن متغيرات المجتمع الإسرائيلي

ورغم نِسويَته قال الناشط وافي بلال لـ "بكرا" أن هذه الصفحة لا تعنيه، لأن ساحة نضاله هي النسوية الفلسطينية، وأضاف: إذا اردنا ان نقرأ مضمون هذه الصفحة بنظرة نسوية فبدون شك أننا سنصل لنتيجة واحدة تفي بأن هناك محاوله لتشيء الجسد واستغلاله بطريقة مادية عفنه، لكن المثير في هذا الموضوع ان الشارع الإسرائيلي لم يتعامل مع هذه الصفحة ومثيلاتها كمؤشر للتخلف والرجعية والاستغلال، وهو ما كان يراه مثلاً في ظاهرة جهاد النكاح (التي اراها فعلاً مؤشراً للتخلف والاستغلال).

وأكمل حديثه: بدأت تعقيبي بكلمة "إذا أردنا" للتأكيد على أنني لا ارى ان شأن هذه الصفحة وانعكاساتها على المجتمع الإسرائيلي تعنيني كفلسطيني، ولأن على النضال النسوي الفلسطيني ان يسلخ نفسه عن متغيرات المجتمع الإسرائيلي في هذا الصدد، لأن النضال النسوي هنا هو جزء لا يتجزأ من المشروع التحرري الفلسطيني، وأن الأكثر مقبولاً في مثل هذا السياق هو أن نضع جهودنا في استعادة العدو الإسرائيلي لشكله المباشر غير المباشر وعدم الانصياع لمحاولات صقل وعينا وكأننا جزء من المجتمع الإسرائيلي ومتغيراته الاجتماعية - ذلك رغم الروابط التي نمت بفعل علاقة القاهر والمقهور.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]