تقول الحقيقة أن تعابير الحزن لا تكفي عند وصف فقدان عزيز، ولا حتى عند إصابة آخر، وفي هذا التقرير نقر ونعترف أنه كان من الصعب جدًا وصف ألم ختام الوّج، زوجة المرحوم عودة الوّج (30 عامًا)، الذي قتل بغارة المقاومة التي سقطت على منزله وأردته قتيلا مع إصابة 4 من أفراد منزله، زوجته ختام (23 عامًا)؛ أبنته أية (4 أشهر)؛ أخته سالمة الوّج وابنها علي الوّج ( 9 سنوات).

قُبيل العيد التقينا بـ ختام في مستشفى سوركا، حيث لا زالت ترافق ابنتها أية في العناية المكثفة، والتي ورغم تحسن حالتها إلا أنها لا زالت بحاجة إلى عناية طبية مركزة. ختام بدت قوية، لربما استمدت قوتها من والدها سليمان الوّج، والذي برغم صغر سنه (41 عامًا) إلا أنه جد وأب مُحب.
لا يمكن القول إنها امرأة مكسورة، لكن بالتأكيد موجوعة ومتألمة. على فقدان عودة؛ وعلى ألم اية؛ على فقدان المنزل، وعلى وجعها الشخصي حيث أصيبت بشظية برجلها ولا زالت لا تقوى على المشي بصورة طبيعية.

نظرت حولين ولم أجد المنزل ...

ختام حدثتنا عن يوم مقتل عودة وأصابه البقية قائلة: تواجدت في المنزل أنا وسالمة عندما سمعنا صوت صفارة الإنذار في ديمونا، ففي عشيرتنا لا يوجد صفارات إنذار، لم نعر الموضوع أي اهتمام، وواصلنا أعمالنا والحديث. لم يمض ثوان معدودات حتى سمعنا صوت انفجار هائل. لم نعرف ماذا حدث، ولم نصدق أصلا أن هذا الانفجار يعني سقوط قذيفة على منزلنا. سمعت أصواتًا من حولي، صراخ ولاحقًا سيارات إسعاف. نظرت حولي وجدت أن كل البيت تحوّل إلى حطام، لا يوجد بيت أصلا. الإعلام الإسرائيلي يسوّق دائما على أن سقوط القذيفة هو أمر بسيط، لكن ما رأيته يفوق حجم ما عرفته بالآلاف المرات.

وتكمل ختام قائلة: في المستشفى وبعد العلاج بدأت أستوعب ماذا جرى، أني فقدت زوجي...وأبنتي مصابة بصورة خطرة. قلت "أستوعب" لكن حقيقة أنني وحتى الآن أحاول أن أستوعب ماذا جرى!

وتضيف: صوت الانفجار، الشظايا التي تخرج من القذيفة، الألم والدماء، صور لا زالت ترافق مخيلتي، ولا أظن أنني سأستطيع محوها مستقبلا.

لست عاتبة على المقاومة، حزني على أطفال غزة بقدر مأساتي

ختام التي تتواجد حاليًا في منزل والدها قامت بتوديع زوجها عودة إلى مثواه الأخير، وفي حديثها عن عودة قالت: لا يمكنني وصفه، أو التحدث عنه بصيغة الماضي، كان يعني لي الكثير، دعمني بصورة كبيرة وكنت بصدد أن أنهي دراستي للقب الأول.

صمتت ختام لبرهة ثم استبقت سؤالي: لا لست عاتبة على المقاومة، كنت أفضل استبعاد الأطفال والمدنيين من دائرة القتل، ففي غزة كل يوم يسقط عشرات الأطفال، قلبي معهم وأحزن عليهم بقدر حزني على مأساتي، وأتمنى أن تنتهي معاناتهم قريبًا.

كان حري بالإعلام... السؤال عن عدم وجود بيوت حماية لنا مثلا ...

الوالد سليمان الوّج أكد على رسالة ابنته، مضيفًا: الإعلام العبري ومع إعلان الموضوع "هجم" علينا. لم يكن صحة المصابين في مركز اهتمامه، ولا حتى تجاهل السلطات لنا وعدم توفيرها "بيوت الحماية لنا"، بل أهتم في "موقفنا" تجاه المقاومة، أهتم في تسويق وشرعنة عمليته عبر القول "أنظروا من يُصاب في القذائف، أنهم من العرب"، هذا التعامل دفعني إلى طرد كل الصحافيين وعدم التعامل معهم. لا أريد أن أكون مادة إعلامية لحربهم، انا لي موقفي الشخصي من كل ما يحدث، ولي عتب على المقاومة، لكن أولاد غزة يقتلون بالمئات، وهنالك مسؤول عن الموضوع ويجب أن يعاقب.

وأضاف: كان حري بهم أن يطرحوا السؤال لماذا لا يوجد "بيوت حماية" في عشيرة الوج؟! توجهت مرارًا وتكرارًا إلى مجلس ديمونا مطالبًا بتوزيع بيوت حماية في عشيرتنا، لكن رفضوا ذلك بحجة أن العشيرة غير معترف بها، علما أن مسألة الاعتراف تناقش منذ سنوات في الداخلية وكافة المؤسسات.

وقال: حتى أنني عرضت عليهم أن نقوم نحن بشراء بيوت الحماية والتي تكلف 100 الف شيكل لكل بيت، ونحن نحتاج إلى 3 بيوت، ففي عشيرتنا هنالك 300 نسمة، وكان جوابهم جيد، لكن مع انتهاء الحرب سنقوم بهدمها! لا يكفي أنهم يقايضونني على أملاكي وأرضي الكاملة بدونم واحد فقط إلا أنهم سيخذون بيت الحماية بعد أن نشتريه نحن!.

كان حري بالإعلام ...السؤال عن تجاهل القبة الحديدية للتجمعات البدوية واعتبارها منطقة مفتوحة! 

وأكمل بحرقة: كان حري بهم أن يسألوا لماذا تعمد الجيش القول في بيانه أن القذيفة سقطت في منطقة مفتوحة، وعاد على البيان عدة مرات. ولماذا أصلا في كل مرة لا تسقط القذيفة في كريات جات أو ديمونا أو بئر السبع يشار إلى أنها سقطت في أماكن مفتوحة علما أن الأماكن المفتوحة هي بيوتنا نحن.

وأضاف: والسؤال الأهم الذي يتجاهل الإعلام الإسرائيلي طرحه على الجيش، لماذا القبة الحديدية تقوم بإبطال وتفجير القذائف فوق البلدات اليهودية فقط. وقد يقول أحدهم أنني ابالغ، لكن نظام القبة الحديدية محدد لمناطق معينة. عندما تنطلق قذيفة المقاومة، صاروخ القبة الحديدية لا يُطلق ويحاول أن يفجرها (سلاح تقليدي)، ويمكن أن يخطأ أو يصيب، بل نظام القبة الحديدية يقرأ أن هنالك قذيفة فوق "عومر" مثلا ويطلق صاروخًا الذي يلاحق القذيفة حتى يفجرها، لا يهم مسار القذيفة فصاروخ القبة الحديدية مبرمج على الملاحقة. ولهذا يعتمد الجيش على تسميتنا بالمناطق المفتوحة، فهكذا نحن بالنسبة للقبة الحديدية.

وعن ما اذا تلقت العائلة مساعدة قال الوّج: بعيدًا عن التجاهل المؤسساتي ولربما في حاجة إلى تصليح الغبن وصل لزيارتنا عددٌ من ممثلي الحكومة ومن مكاتب الرفاه الاجتماعي عارضين المساعدة علينا.

وقال: جنازة عودة وأن أمها الآلاف إلا أنها خلت من ممثلي الحكومة، لاحقا قام بزيارتنا عددٌ منهم، وزراء وممثلي الجيش ومستشار رئيس الحكومة والقائد العام للشرطة في منطقة النقب. امامهم طرحنا مشاكلنا وقطع الجميع وعودات بالمساعدة، ونحن ننتظر ونأمل أن تتحوّل الوعودات إلى أفعال على أرض الواقع.

لم يخفى الأب والجد سليمان الوّج خوفه من استمرار العدوان على غزة فقال لـ "بكرا": نأمل أن يتم في القريب مساعدة القرى غير المعترف بها في النقب لحمايتها من القذائف، مع وقوع المصيبة في عشيرتنا والأطفال يخافون من البقاء خارج المنزل، خاصة الذي شاهدوا وسمعوا الانفجار بأم عينهم. لم يكن من السهل عليهم الاطلاع ومعرفة أية أضرار تحدث القذائف التي طالما سوقتها إسرائيل على أنها بسيطة!.

الوّج أستغل الفرصة وتوجه بالشكر عبر موقع "بكرا" لكل من شاركهم في مصابهم، سواءً بالمشاركة بالجنازة أو بالوصول إلى بيت العزاء، أو بالاتصال هاتفيًا متمنيًا أن يكون مقتل عودة خاتمة لكل الأحزان.

مرام الوقيلي ...لا زالت تعاني من المرض والتهميش 

ليس بعيدًا عن غرفة أية، لا زالت ترقد الطفلة مرام الوقيلي (11 عامًا) من قرية المكيمن غير المعترف بها في المستشفى، مرام أصيب هي وأختها أسيل بقذيفة صاروخية عندما تواجدتا بالقرب من منزلهما، أسيل تحسنت حالتها وتم تحريرها ومرام لا زالت تعاني من الأوجاع.

حاولنا زيارة مرام إلا أن الحظ لم يحالفنا، فقد نقلت إلى فحص يلزم الأطباء تخديرها، مما يشير إلى استحالة الحديث معها، لكن تحدثنا إلى جدها أبراهيم الوقيلي، وهو رئيس القرى غير المعترف بها في النقب حيث قال لـ "بكرا": حالة مرام في تحسن، وأتوقع قريبًا أن تخرج من المستشفى.

وأضاف: اتوجه إلى القيادة السياسية في إسرائيل ببدء البحث عن حلول سياسية، بعيدًا عن الحلول العسكرية التي بات من الواضح ان ثمنها كبيرًا جدًا. 

وقال: التهميش والتجاهل المؤسساتي الذي تعاني منه القرى غير المعترف بها في النقب خاصةً، وقرى النقب العربية عامةً، على سلم أولوياتنا وسنكمل النضال في هذا الموضوعن نضال بدأنا به منذ عشرات السنوات، فدماء اطفالنا، اسيل؛ مرام؛ اية وعلي لن تذهب هدر. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]