ما هو تقييمك لخسائر الاقتصاد الاسرائيلي جراء العدوان على غزة ؟

بداية نشير إلى أن هناك تعتيما إعلاميا مشدّدا حول هذه الخسائر، حتى أن هناك صحفيا كبيرا في صحيفة "هآرتس" قال أنه لو تم الإفصاح عن حجم خسائر الاقتصاد الاسرائيلي لحدثت ثورة. ولكن بعد تجميع بعض التقديرات المتفرقة التي أعلن عنها ستتكون لدينا صورة قاتمة جدا، فالتقديرات تشير إلى أن مجموع الخسائر الاقتصادية في الجانب الاسرائيلي تفوق 16 مليار شيكل، وأن كل دقيقة تمر على هذا العدوان يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي فيها نصف مليون شيكل. وتتكون هذه الخسائر بالأساس من التكاليف العسكرية ومن تعطّل النشاط الاقتصادي خصوصا في المنطقة الجنوبية.

ولكن هل لمثل هذه الخسائر أن تؤثر في ميزانية ضخمة كميزانية وزارة الأمن ؟

صحيح أن ميزانية وزارة الحرب كبيرة وتصل إلى 60 مليار شيكل أو 15% من مجمل ميزانية الدولة، ولكن تكاليف العدوان ستضطر الحكومة إلى زيادة هذه الميزانية على حساب الوزارات الأخرى مما سيضر بخدمات أساسية كالضمان الاجتماعي والصحة والتعليم والمواصلات وسنكون نحن العرب أول وأكبر المتضررين كوننا الحلقة الأضعف في هذا الاقتصاد. كما وتسدد وزارة الحرب يوميا أجرة تجنيد 80 ألف جندي احتياطي بتكلفة 40 مليون شيكل إضافة إلى تكلفة آلاف الطلعات الجوية وآلاف الأطنان من القنابل التي تلقى فوق رؤوس المدنيين، كما وينتظر هذه الوزارة تسديد تعويضات للجنود الجرحى ولأهالي الجنود القتلى، ثم هناك تكلفة غير مباشرة هي في غاية الأهمية تتمثل في تراجع سمعة وهيبة الصناعات العسكرية الاسرائيلية التي لم تفلح أمام الأسلحة البدائية للمقاومة الفلسطينية ويتوقع حصول تراجع في الطلب على الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي تشكل جزء هام من الصادرات الإسرائيلية.

ما هي أكثر المرافق الاقتصادية تضررا ؟

بالنسبة للمنطقة الجنوبية فالأضرار طالت جميع المرافق الزراعية والصناعية والسياحية والتجارية، والمنطقة الجنوبية تشكل 10% من حجم الاقتصاد الاسرائيلي، أي أن 10% من الاقتصاد الاسرائيلي معطّل منذ شهر. بالنسبة لباقي المناطق هناك تراجع بنسبة 35% في النشاط الاستهلاكي، وهناك تراجع في ارتياد المجمعات التجارية بنسبة 70%، والحديث هنا يدور عن النشاط الاستهلاكي الذي يشكل المحرّك الرئيسي لأي اقتصاد وتراجعه يعني الدخول في دوامة من التباطؤ الاقتصادي. كما وأدى هذا العدوان إلى ضربة قاسية طالت القطاع السياحي فنسبة إشغال الغرف الفندقية تكاد تصل إلى 30% بدلا من 100% كما هو الحال في هذه الفترة من كل عام، كذلك بالنسبة للسياحة الداخلية والتي تراجعت بنسبة 80% الأمر الذي دعا الوزير لبيد إلى استجداء الاسرائيليين لارتياد المرافق السياحية الاسرائيلية بدلا من السفر إلى تركيا، كما واضطرت وزارة السياحة إلى إطلاق أكبر حملة ترويجية في تاريخها لاجتذاب السياحة الوافدة. إضافة إلى ذلك فإننا نشهد تصاعد في الحملات العالمية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية خصوصا منتجات المستوطنات، مما سيضر بالصناعات التصديرية في دولة يعتمد اقتصادها على التصدير.

ولكن كيف ستؤثر هذه الخسائر على مجمل الوضع الاقتصادي لإسرائيل ؟

من المتوقع جدا أن يقفز العجز في الميزانية ويتجاوز بكثير السقف المخطط له، كما وسيتراجع النمو السنوي للاقتصاد، فقد توقع بنك اسرائيل حدوث تراجع في هذا النمو قبل حدوث هذا العدوان فما بالك الآن، ومما يؤكد أيضا الآثار السلبية لهذا العدوان على الاقتصاد الإسرائيلي اضطرار بنك اسرائيل مؤخرا إلى خفض نسبة الفائدة إلى أرضية قياسية هي 0.5% في محاولة منه لحفز الاقتصاد خصوصا النشاط الاستهلاكي.

هل يمكن لهذه الخسائر أن تؤثر على استمرار العدوان ؟

الحكومة الإسرائيلية تعمل بكل قوة لتثبيت صمود الجبهة الداخلية وتصوير عدوانها على أنه حرب مصيرية ووجودية تستدعي صبر وتحمّل الجبهة الداخلية ، إلا أن مثل هذه الروح لا يمكنها أن تصمد طويلا في مجتمع استهلاكي مترف كالمجتمع الاسرائيلي ، كما أن العدوان جاء في فترة ليست بالأفضل بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي وبالنسبة أيضا للاقتصاد الغربي الذي يعتبر السوق الأكبر للبضائع الإسرائيلية، وعليه اعتقد أن العامل الاقتصادي سيكون له تأثيرا حاسما على قدرة اسرائيل على استمرارها بالعدوان.

كيف يمكن لنا كعرب ونحن الحلقة الأضعف اقتصاديا أن نتعامل مع مثل هذه الظروف ؟

أولا من خلال توجيه قوتنا الشرائية الكبيرة إلى متاجرنا ومنتجاتنا العربية ، ففي ذلك تعزيز لدورتنا الاقتصادية، خصوصا أننا نتعرض لحملة عنصرية تدعو لمقاطعة متاجرنا العربية، ثم من خلال ترشيد وتنظيم حياتنا الاستهلاكية بما يزيد من حصانتنا وقدرتنا على التكيّف مع أوضاع اقتصادية صعبة متوقعة، والتقليل من الكماليات وزيادة الادخار. كما وأدعو رجال الأعمال العرب إلى توحيد الجهود والتعاون فيما بينهم لمواجهة المنافسة الشرسة التي يتعرضون لها من قبل الشركات الإسرائيلية الكبرى، فعلى سبيل المثال يمكنهم القيام بعمليات شراء جماعية تمنحهم تخفيضا يزيد من قدرتهم التنافسية، كما وأدعو أصحاب الأموال العرب إلى استثمار أموالهم بمشاريع اقتصادية بدلا من إيداعها في حسابات بنكية خاملة لا تعود بالنفع على اقتصادنا العربي وهنا لا بد من تبني ثقافة الشراكات بين أصحاب الأموال بما يتيح إقامة مشاريع كبرى تنقصنا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]