كان القائد الفلسطيني الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي، يقول دائما في أحاديثه الخاصة مع أصدقائه والمقربين منه، إن إجبار إسرائيل على الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، سيكون فقط عبر غزة. وكلام الراحل لم يأت من فراغ. فسنوات عودة الفصائل الفلسطينية وقياداتها إلى الألاراضي الفلسطينية، وما تخللتها من مفاوضات عبثية واتفاقات وصفقات علنية وخفية، لم تجلب للفلسطنيين أي شيء.

لقد أثبت مقاتلو غزة، أن المقاومة الفلسطينية وحدها هي التي تجبر الحكومة الاسرائيلية على التراجع والتنازل، وما جرى خلال عملية الجرف الصامد من دمار ومن أعمال قتل للبشر وأعمال تدمير للشجر والحجر، كل ذلك لم يثن المقاومة الفلسطينية عن قرارها بمواصلة الدفاع عن غزة، وبذلك أسفرت قوة الارادة لمقاتلي غزة، عن ارغام الجيش الاسرائيلي وجنرالاته على الموافقة علىوقف الحرب.

أكثر من خمسين يوما ظل الجيش الاسرائيلي يقصف غزة، وسقط عليها أطنان كثيرة من القنابل والقذائف والصواريخ، بشكل لم يشهد العالم له مثيلا سوى في الحرب العالمية الثانية، لكن في المقابل فإن صواريخ المقاومة هطلت على المستوطنات، وعلى مدن إسرائيلية كبيرة مثل تل أبيب وحيفا، وأرغمت الملايين من الاسرائيليين على الهروب إلى الملاجيء والاختباء فيها كما تختبيء الفئران في جحورها.
نعم، المقاومة الغزية أظهرت من الشجاعة والصمود ما لم تظهره كافة الدول العربية المتواطئة مع إسرائيل وغير المتواطئة، لأن الدول غير المتواطئة علنيا هي في حقيقة الأمر متخاذلة بسكوتها وصمتها على ما جرى في غزة، وبذلك فإن المقاومة بصمودها لم تفاجيء جنرالات الجيش الاسرائيلي فقط، إنما فاجأت أيضا الحكام العرب الذين كانوا ينتظرون في كل لحظة استسلام المقاومة الغزية ورفع الأعلام البيضاء.
إن موافقة إسرائيل على وقف النار، يعني بالعلوم الاستراتيجية العسكرية اعتراف إسرائيل بهزيمتها أمام بواسل غزة، ويعني انتصار غزة على الجيش الاسرائيلي، لأن الذي يلح على وقف المعركة، هو المنهزم الذي يريد بأي ثمن أنهاء المعركة لعدم قدرته على المواصلة.

حقيقة أخرى أيضا، هي أن إسرائيل لم تخسر الحرب فقط في غزة، بل خسرت الرأي العام العالمي، الذي رأى جثث الأطفال والنساء والمسنين وتدمير المباني السكنية على رؤوس ساكنيها وتدمير المدارس وحضانات ورياض الأطفال، وإسرائيل خسرت أيضا سمعتها وهيبتها في صفوف مواطنيها. فبأي وجه سيقابل نتنياهو جمهوره، وماذا سيحدثهم عن (الجيش الذي لا يقهر) وماذا سيقول لهم عندما سيطالب العالم إسرائيل بتقديم الجنرالات قتلة الأطفال إلى محاكم دولية، وماذا سيقول لهم وزير الدفاع يعلون عن عدم قدرة الجيش على مواجهة أبطال غزة.

نهاية المعركة كانت منذ البداية محسومة لدى فرسان غزة، والنهاية بالنسبة لهم انتصار غزة وهزيمة جيش المحتلين، ولا شيء يتوقف أمام الارادة القوية وأمام الايمان بالقضية، وسكان غزة لم يهربوا من بيوتهم رغم التهديد، ومن هرب خوفا ورعبا هم المستوطنون المحتلون، فالغزي تعود على الصبر والنضال والدفاع عن أرضه وعرضه، بينما المستوطن اليهودي تعلم ثقافة القتل والهروب.
تحية إكبار لغزة وأبطالها، وتحية إكبار لفرسانها البواسل، الذين دافعوا عن شرف العربي، والذين استطاعوا تحقيق ما عجزت عنه الأنظمة العربية، وتحية إكبار للمقاتلين الذين أسقطوا نتياهو من عليائه والذين مسحوا سمعة الجيش الاسرائيلي بالأرض، ولن أستغرب أبدا إذا تم استقبال نتنياهو بالأحذية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]