تمر منطقتنا العربية والشرق الاوسط بشكل عام بظروف صعبة جراء تآمر الاستعمار والرجعية العربية والصهيونية. فالولايات المتحدة الامريكية بالذات تشعر بأنها القطب الوحيد في العالم، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية الذي كشف ظهر الشعوب المقهورة وبضمنها شعوب المنطقة.

قبل عدة سنوات تفجرت الثورة الطبقية، الاجتماعية، السياسية في تونس الخضراء وتلاها الحراك الجماهيري في مصر والبحرين وغيرها. هذا الوضع لم يروق "للسيد" المستعمر الامريكي، ولا لأوروبا الاستعمارية العجوز، وللرجعية العربية المتخلفة ولاسرائيل. استغلوا الاوضاع الاجتماعية الصعبة في سوريا وليبيا، من اجل مصالحهم - روجوا "للديموقراطية" المعدومة عند العقيد القذافي الدكتاتور المنفرد بالسلطة في ليبيا وقاموا بعدوان عسكري جوي من اجل اسقاط النظام، قتل خلاله اكثر من ربع مليون ليبي مما كان نتيجته عمليا القضاء على ليبيا الموحدة، وشرذمتها من جديد بين القبائل وسيطرت الولايات المتحدة والشركات العملاقة متعددة القوميات عابرة القارات على النفط والطاقة في ليبيا.

هذا الثالوث المجرم تآمر على سوريا مستعينا بالمتأسلمين الاتراك الاعضاء في حلف الشمال الاطلسي وبالحركات المتأسلمة في العالم العربية وخاصة الاخوان المسلمين الذين وصلوا لسدة الحكم في مصر بعد سقوط مبارك، الركيزة الهامة لامريكا واسرائيل في المنطقة. الا انهم فشلوا حتى الان بأسقاط النظام في سوريا، رغم تدخل مباشر من قبل من يسمون أنفسهم "المجاهدين" الذين جاءوا من 82 دولة من داعش، النصرة، المجاهدون وغيرهم.

حكام اسرائيل لا يتعلمون من التاريخ، اعتقدوا ان الفرصة سانحة لهم الان، لإجهاض الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني، وتغييب القضية الفلسطينية، وكأن الصراع في المنطقة ليس بين المستعمرين، والرجعية العربية والصهيونية - وبين شعوب المنطقة . لذلك اجروا مفاوضات عبثية مع السلطة الوطنية الفلسطينية، شددوا من بطشهم وقتلهم في فلسطين المحتلة . واحكموا الحصار التجويعي الاذلالي على شعبنا في غزة هاشم الابية.

حكام اسرائيل اليمينيين المتطرفين الحاليين المدعومين من الحكومات والدول العربية المتواطئة امثال مصر، سعودية، الاردن، دول الخليج وقطر الصديقة العلنية لامريكا واسرائيل اعتقدوا ان الفرصة ملائمة لهم الان مستغلين اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين، لتنفيذ مخططاتهم التي تنتظر الظرف الملائم لتنفيذها.

لقد شنوا حربا بشعة على الشعب العربي الفلسطيني في غزة المحاصرة منذ 8 سنوات دمروا اجزاءً من غزة، قتلوا وجرحوا الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ والمقاتلين المدافعين عن غزة وعن شرف الامة العربية، الا انهم فشلوا في تحقيق اهدافهم. لم تركع غزة ولم ترفع العلم الابيض .
هذا العدوان الوحشي الهمجي اثار استنكار شعوب العالم في امريكا واوروبا، اسيا، افريقيا، والشعوب العربية والاسلامية المغلوب على امرها من قبل حكامها الذين ارادوا اركاع غزة والشعب الفلسطيني.

من اللحظة الاولى لهذا العدوان البربري خرجت الجماهير العربية الفلسطينية من مواطني اسرائيل بمظاهرات احتجاجية معبرة عن غضبها وسخطها على اسرائيل وامريكا والرجعية العربية، هذا واجبها، وهذا اضعف الايمان واقل ما يمكنها ان تقوم به مفوتة الفرصة على اولئك الذين رأوا الفرصة سانحة للتخلص من هذا الجزء الحي من الشعب الفلسطيني الذي لم تستطع رياح الاقتلاع الصهوينة من طرده من وطنه في عام 1948 عام النكبة الفلسطينية.

في مساء اليوم الاول للحرب على غزة خرج المئات من اليهود الديموقراطيين في مظاهرة صاخبة امام مقر العمليات في قلب تل ابيب 'هكريا' منددين بهذا العدوان ومطالبين بايقافه فورا، ومؤكدين على ضرورة انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقله في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس العربية.
لم تتوقف عمليات الاحتجاج على هذا العدوان في الشارع اليهودي، بقيادة الشيوعيين وغيرهم من القوى الديمقراطية والسلامية وللمفارقة - بعضهم يعرّف نفسه بأنه صهيوني! تعاظمت عمليات الاحتجاج وتحولت لواسعة وجماهيرية .لم يستطع الاعلام الصهيوني تجاهله اما اليمين المتطرف، فكان رده الهجوم الاجرامي الارهابي ونعت هؤلاء المحتجين بالخونة والاعتداء المبرمج على المتظاهرين كما حدث في حيفا (كاتب هذه السطور شاهد عيان) وفي تل ابيب وغيرها من مناطق البلاد.
وللمفارقة – في نفس الوقت كشف النقاب عن اللقاء الذي تم بين افيغدور ليبرمان (المفجوع المهووس من وجود ام الفحم) وبين وزير خارجية الامارات العربية، الذي تعهد بدفع تكاليف الحرب العدوانية على غزة الابية.
المؤسف والمحزن في ان واحد ان بعض الاخوة من القوى السياسية والاسلامية في المجتمع العربي لم تشيد بهذه القوى الشريفة، لا بل ذهبت ابعد من ذلك، هاجمتها . البعض من هؤلاء قام بذلك باسم "العروبة" "وفلسطين" "والوطنية الزائدة" التقوا في ذلك شاءوا ام ابوا مع اليمين الاسرائيلي المتطرف.

وصلت (الشجاعة) ببعضهم شن هجوم علينا نحن الوطنيين الحقيقيين، الشيوعيين، الجبهويين الذين نرى بالتحالف او بالعمل المشترك العربي اليهودي ضد الحرب والعدوان، ومن اجل الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني والمساواة التامة لنا هنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه - واجبا، قوميا، وطنيا، امميا، انسانيا.

هذه القوى اليهودية الديمقراطية ليست خائنة للمصلحة الحقيقية لشعبها كما يدعي اليمين الفاشي . بل إنهم المعبرون الصادقون عن المصلحة الحقيقية لشعبهم أيضًا. لان مصلحة شعبهم الحقيقية هي، السلام العادل، القائم على حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وحقه باقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس العربية وحق اللاجئين المشروع في العودة الذي لا يجوز عليه حق التقادم.

النضال العربي اليهودي ضد الحرب والعدوان وضد العنصرية والفاشية ومن اجل المساواة التامة القومية واليومية للجماهير العربية، واجب كل وطني شريف وهو مفخرة نعتز بها. هذا النضال المشترك مصدر قوة وعزة وامل وليس نقطة ضعف يحاول البعض من القومجيين والاسلامويين الجدد تصورها ولكن دون جدوى.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]