تصدر النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، عناوين الصحف العالمية من جديد، بعد حصوله على جائزة أفضل لاعب في أوروبا منذ أيام قليلة، وقد تألق صاحب الرقم "7" كثيراً خلال الموسم الماضي مع فريقه ريال مدريد الإسباني، في بطولة دوري الأبطال التي فازوا فيها على العدو اللدود أتلتيكو مدريد.

وأشاد الجميع برونالدو خلال السنوات الماضية، وأكد النجم السويدي العملاق زلاتان إبراهيموفيتش، في حوار سابق أن كريستيانو قد طّور نفسه وإمكاناته كثيراً، مشيراً إلى أنه بدأ من الصفر، وقاتل حتى وصل إلى ما أراد، بفضل التدريب القوي وخبرة المدربين، وفي مقارنة قوية مع ليونيل ميسي، أكد إبراهيموفيتش بأن ليو بمثابة الموهبة التي تجعل كرة القدم أسهل وأمتع، بينما رونالدو أقرب إلى أن يكون "النجم المصنوع" بفضل عوامل تدريبية وبدنية شاقة.

التطور الكبير

أخذ مستوى رونالدو يتطور منذ انتقاله إلى مانشستر يونايتد، حيث كانت طريقة لعبه أقرب إلى الأسلوب التقليدي القديم، مجرد لاعب يستلم الكرة على الخط ويحاول أن يراوغ ثم يرفع الكرة دون تركيز، لكن العين الخبيرة التي يتمتع بها السير أليكس فيرجسون نجحت في تحويله إلى لاعب آخر تماماً، ونجم كبير يصنع الأهداف ويسجلها ثم يجيد اللعب على كل الأطراف، ليصل إلى مستوى غير عادي، وينجح في تحقيق البطولات الفردية والجماعية برفقة المان يونايتد.

أكمل "سي أر 7" رحلة تألقه مع الملكي المدريدي، واستفاد منه بليجريني ثم مورينيو على الطرف الأيسر بشكل أكبر، وأصبح كريستيانو لاعب الجناح المقلوب فيما يُعرف بالـ " Inverted Winger" أي: اللاعب الذي يبدأ المباراة على اليسار لأنه يلعب بالقدم اليمنى، ومع استلامه للكرة، يدخل إلى العمق ويقطع الكرات من الأطراف متوجهاً صوب العمق من أجل التسديد وإحراز الأهداف.

وتحول كريستيانو إلى مركز المهاجم الثاني مع كارلو أنشيلوتي، ذلك المدرب الإيطالي الخبير الذي لعب بمزيج ما بين (4-3-3) و(4-4-2) عبر التعاون المثمر بين أنخيل دي ماريا ورونالدو في الوسط والهجوم، حيث يتسلم الأرجنتيني الكرة وينطلق من الوسط إلى مركز الجناح، ليصبح كريستيانو مهاجماً ثانياً مع بنزيما بعد أن يبدأ كطرف صريح، وهي فكرة تكتيكية ساهمت في زيادة النجاعة التهديفية للنجم الصاروخي.

كلمة السر

وكما هو معلوم فإن وراء كل لاعب كبير، مدرب رائع، يشد من أزره، ووصل رونالدو إلى هذا المستوى الرهيب، ولم يكن فيرجسون وحده صاحب الفضل، بل ثمة رجل آخر لا يعرفه الكثيرون، قام بمجهود خرافي مع البرتغالي حتى جعله يجمع بين الإمتاع والإقناع، ويصل إلى معدل تهديفي مخيف، وساعده أكثر على الوصول إلى منصات التتويج، وهو المدرب رينيه ميولينستين، الذي كان مساعداً لفيرجسون وساعده الأيمن في ملعب "الأولد ترافورد".

رينيه الذي أقيل من تدريب فولهام في وقت سابق بسبب سوء النتائج، تحدث في حوار تكتيكي سابق عن قصته وحكايته مع رونالدو، وكيف تحول الشاب اليافع إلى نجم كبير لا يهاب أحدا، مؤكداً أن العمل الجاد والجهد المستمر، هما السبب فيما وصل إليه أفضل لاعب في العالم السنة الماضية.

سؤال من الماضي

"لا تقلل من أهمية المدير الفني، وشخصية المدرب في تطور أي لاعب كبير"، هكذا قال ميولينستين حول المستوى الرائع الذي ظهر به كريستيانو رونالدو في موسم 2007-2008 وتألقه الكبير.

وكشف رينيه ميولينستين بعض التفاصيل الدقيقة في المحادثة التي جرت بينه وبين النجم البرتغالي، فقد قال "أعرف رونالدو جيداً، وأدرك شخصيته ورغبته في أن يكون الأفضل، جلست معه في بداية ذلك الموسم وقلت له، أستطيع أن أساعدك في الوصول إلى هدفك، الأمر ليس مستحيلا لكنه يحتاج إلى مجهود كبير"

وعاجل رينيه رونالدو في جلسة ودية قائلاً "بماذا تتفوق على غيرك؟" فرد كريستيانو قائلاً "بالمهارات" فأجاب ميولينستين "نعم باللمسة الواحدة للكرة واللمستين، التحركات بدون كرة، التمركز داخل الملعب، هذه هي العوامل التي ستجعلك مختلفاً عن البقية".

ويستمر في حديثه مخاطباً رونالدو "المشكلة في سلوكك، أنت تلعب لشخصك وليس للفريق، بالإضافة إلى الضعف في اتخاذ القرار السليم، تقوم بمجهود كبير لكنه لا يفيد الفريق في النهاية، لذلك فإن النتائج تكون أقل من الطموح".

التحول الجوهري

الحديث الجانبي لا يتوقف بين الثنائي، وهذه المرة كانت النصائح فنيّة أكثر ليدور نقاش طويل، قاده المدرب واستمع إليه اللاعب.

وقال رينيه "رونالدو أنت سجلت في الموسم الماضي 23 هدفا فقط، أضعت فرصاً عديدة ولم تعطِ فائدة للفريق بالشكل الكافي، والسبب هو ميولك دوماً إلى اللعب الفردي ورغبتك في تسجيل الأهداف الصعبة بطريقة جميلة، فهل تعتقد أن هذا الأمر مفيد لك؟ بالعكس هو ضار بك وبكل تأكيد بالفريق اللاعب الجيد هو الذي يرفع الفريق، وبعدها سيقوم الفريق برفعه إلى عنان السماء".

وتابع "يجب أن تكون قادراً على الوصول إلى الرقم 40. أنت تملك المقومات لكن ينقصك التدريب وتحسين الشخصية حتى تصل إلى مبتغاك، انظر الى شيرار، سولسكاير، فان نيستلروي، إنهم يسجلون الأهداف بأي طريقة ممكنة، الكرة حينما تأتي إليك، أنت تأخذها وتنطلق بها إلى الأطراف لماذا؟ لأنك تظن أنه يجب أن تراوغ ثلاثة الى أربعة لاعبين حتى تسجل هدفاً رائعاً، وكرة القدم لا تؤخذ وفق هذه الرؤية، حينما تحصل على الكرة، عليك أن تنطلق في العمق، تسدد وتسجل أهدافا، لا العكس...الفكرة كم سجلت لا كيف سجلت".

التدريب الشاق

بدأ الثنائي في التدريب في ثلاث مناطق: أمام المرمى وعلى الأطراف وخارج منطقة الجزاء من خلال كيفية استلام الكرة وتمريرها، إذا كان اللاعب في وضعية جيدة من الممكن أن يأخذ الكرة وينطلق، أما إذا كان محاصراً فيجب تحسين مهارة التمرير من أول لمسة لزميل آخر، وكذلك عن كيفية التعامل مع حارس مرمى الخصم، وكيف يتم إنهاء الهجمة، هناك حراس رائعون، فالحارس الألماني نوير يشبه بيتر شمايكل، فهو قوي جداً في الكرات العالية لكن إذا سددت عليه كرة أرضية ماكرة، من الممكن أن تخدعه.

وبدأ ميولينستين في تدريب رونالدو وتعليمه أربع قواعد، أين يتمركز وأين المسار الذي تأتي منه الكرة، وكيف يقف حارس مرمى الخصم، وأين المناطق التي من الممكن أن تقوده إلى إنهاء الهجمة بنجاح من خلال "تلوين" المناطق حول المرمى ببعض الألوان، فاللون الأخضر يرمز إلى قرب مسافة التسديد، لذلك فإن عقله يعمل بنفس القدرة مع قدمه حتى يسدد كرة قوية تجاه المرمى، وهكذا..

ومع نهاية يناير/كانون الثاني في هذه السنة، وصل رونالدو إلى 27 هدفا وأصبحت المهمة قريبة نحو الرقم 40، وبدأت المرحلة الأخيرة بعرض فيديوهات خاصة لعدة شخصيات رياضية تاريخية، محمد علي كلاي، بيليه، مارادونا وآخرين، كان الهدف منها الوصول إلى شخصية قوية تؤهله لإثبات نفسه في المباريات الكبيرة، كما طلب منه أن يشاهد هذه المقاطع أثناء أوقات فراغه في المنزل، وأن يتابعها فقط من دون تعليق، ويسأل نفسه: ماذا ينقصني حتى أصبح مثل هؤلاء؟"

لكل مجتهد نصيب
شاهد المدرب ولاعبه سوياً إحدى الفيديوهات للأسطورة الهولندية يوهان كرويف، يتحدث فيه عن طريقة تعامله مع المدافعين الذين يلعبون بخشونة، حيث يقول الجناح الطائر أن اللاعب الكبير عليه تجاهل الاستفزازات، حينما يتلقى ضربة قوية، يضحك ويقوم دون أي كلام، ليُكمل اللعب. وقتها سيقول المدافع، ما الحل مع هذا اللاعب؟ حينما يصل إلى الحيرة فالنجاح يكون طريق المهاجم بلا شك.

قام رينيه ميولينستين بتدريب رونالدو فنياً، تكتيكياً، بدنياً، ونفسياً، لأن كل جانب من هذه الأمور مهم في حياة اللاعب ودورة صعوده، حتى وصوله إلى القمة. وفي هذا الموسم الخيالي، سجل كريستيانو 42 هدفا ونجح في تسجيل رأسية رائعة في نهائي دوري الأبطال أمام تشيلسي. ليؤكد رونالدو ومن قبله رينيه، أن النجاح لم يأت بالصدفة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]