لا تكاد الأحداث الجسيمة التي تشهدها المدينة المقدسة تحظى بأي رد فعل رسمي عربي، رغم جسامتها وخطورتها وسخونتها، فالأنباء اليومية التي ينقلها الإعلام تتحدث عن انتفاضة شعبية عارمة في القدس ضد قوات الاحتلال، يقوم بها شباب وفتية عرب، مسلحون بالمقاليع والحجارة، فيما لا تكاد مناطق الضفة الغربية تشهد شيئا من هذا، والتفسير البسيط لهذه المفارقة الغريبة، أن القدس خاضعة بالكامل للأمن الصهيوني، ولا يوجد فيها «أمن وطني فلسطيني» يسيطر على نحو أو آخر على التجمعات البشرية في الضفة الغربية، ويمنع بالقوة تطور أي رد فعل شعبي إلى درجة الانتفاض والديمومة، ويبدو ان موقف السلطة الفلسطينية، وهي النظام الرسمي العربي في الضفة الغربية، يتماهى على نحو كامل مع الموقف الرسمي العربي، المنشغل عن القدس بما هو «أهم» من هموم داخلية، وتهديدات خلقتها حالة الاستبداد الموجهة نحو الشعوب، فهو لاهٍ عن ثالث الحرمين وأولى القبلتين، فيما يتسارع الصراع غير المتكافىء بين العدو الصهيوني والمقدسيين حول الأقصى!

الغريب في الأمر، أن الخذلان العربي الرسمي للأقصى لم يقف عند حد الصمت، بل ربما تجاوزه إلى ما هو أكثر من ذلك، فقد كشف الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948، أن جهات فلسطينية وعربية وأمريكية تسعى لتقديم بعض العروض والإغراءات للحركة الإسلامية مقابل تقديم بعض التنازلات في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك. وعن طبيعة هذه التنازلات يقول شيخ الأقصى: «من أيام قريبة جدا حاول البعض أن يعرض علينا الموافقة -ولو شكلا- على إبقاء مصاطب العلم في المسجد الأقصى كمصاطب علم فقط، وألا تقوم بدورها في التصدي لاقتحامات صعاليك الاحتلال»، مضيفا أن «من عرض علينا هذا العرض قال إنكم إن وافقتم على هذا العرض، فهذا يعني أن الاحتلال الإسرائيلي في المقابل سيؤخر مشروع فرض التقسيم الزماني على المسجد الأقصى».

الشيخ صلاح قال ايضا خلال حوار خاص مع صحيفة «عربي21» الإلكترونية اللندنية إنه «لن يأتي يوم نمنح فيه أي شرعية لوجود الاحتلال الإسرائيلي أو لاقتحامات الاحتلال ولو لساعة من الزمن في المسجد الاقصى المبارك». وعند سؤاله عن تلك الجهات وعما إذا كانت فلسطينية أو عربية قال: «الاسم ليس مهما الآن»، مبينا أنها «تدور في هذه الدوائر مع شديد الأسف». وفي موقف آخر «جاء البعض ليعرض علينا باسم شركات أمريكية، لها دور قبيح في بناء ما سموه المتحف على أرض مقبرة مأمن الله وقيل لنا أنه مقابل الموافقة سيمنح لكم الطابق الأول من المتحف، وسيقام تمثال لصلاح الدين الأيوبي يكون قريبا من المتحف». ورد عليهم كما أكد في حواره بقوله: «والله لو أعطيتمونا على امتداد مساحة أمريكا ذهبا لن نعطيكم أي موافقة على الاعتداء على متر واحد في مقبرة مأمن الله». علما بأن المقبرة تجاور المسجد الأقصى المبارك .

هذا ما يكشف عنه شيخ الأقصى، وبغض النظر عن جسامة أو تفاهة العرض، إلا انه يكشف طبيعة التعامل الرسمي فلسطينيا وعربيا وغربيا مع قضية الأقصى، ومستقبله، بعد أن تجاوز الأمر مرحلة الخذلان، إلى مرحلة المساومة والتواطؤ، وكنا ننتظر من الشيخ صلاح أن يكشف لنا عن طبيعة هذه العروض ومن يقدمها، كي نكون على بينة مما يحاك ضد الأقصى من مؤامرات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]