تدعو كارولاينا لاندسمان في مقالة تنشرها في "هآرتس" الى ترك اليمين ينفذ مخططاته، على أمل أن يؤدي ذلك الى تحطيم نفسه وبالتالي اسرائيل على صخرة الواقع، وربما يمكن عندها انقاذ إسرائيل من سيطرة اليمين وانهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.

وكتبت لاندسمان انه قد يكون من الملائم ان يتوقف المعسكر الديموقراطي التوقف للحظة ويفكر بالدينامية الغريبة بين اليمين واليسار في اسرائيل، وما اذا كان ذلك يدفع الدفاع عن الديموقراطية الاسرائيلية، قبل قيامه بشن هجوم لإنقاذ الديموقراطية من ايدي المعتدية التالية عليها، عضو الكنيست اييلت شكيد التي تسعى الى تمرير تعديل قانوني يمنع المحكمة العليا من الدفاع عن حقوق الانسان.

وتقول لاندسمان ان اسرائيل تسيطر بالقوة العسكرية منذ 47 عاما على الشعب الفلسطيني، وغالبية الاسرائيليين لا يعرفون او لا يذكرون حياة لا ترتبط بالسيطرة على شعب آخر. وقد يكون هذا هو تفسير كون المجتمع الاسرائيلي استوعب الوضع كمسألة اعتيادية، ويستطيع الحكم على نفسه وتقدير نجاحاته واخفاقاته بشكل مفصول عن ميزته الرئيسية: كونه مجتمعا محتلا. هذا وهم طبعا، لأن كل نشاط حياتي، وكل ابداع ونمو على خلفية احتلال الشعب الفلسطيني يعتبر نشاطا مسببا للموت والدمار والذبول. وتكمن مأساة الوجود الاسرائيلي في كون الهيكل العظمي في خزانتنا لا يزال حيا – أي أن الفلسطينيين لا يزالون أحياء.

لقد تم تجنيد الديموقراطية الاسرائيلية لاحتلال الشعب الفلسطيني وحولت المدنيين كلهم الى شركاء في مخالفات الدولة. ان حقيقة تعزز السيطرة على الشعب الفلسطيني من قبل سلطة اسرائيل الديموقراطية، تضخم المسؤولية التي يتحملها كل مواطن اسرائيلي عما يتم ارتكابه باسمه. لو كانت تقوم هنا دكتاتورية لكان يمكننا على الأقل الادعاء دفاعا عن انفسنا، من خلال طرح مقولات مثل: "ما الذي يمكننا عمله؟" و "كان ذلك خطيرا" و"تخوفنا على حياتنا وحياة اولادنا". ولكن أي الكلمات سيكون بمقدورها الدفاع عنا في كتب التاريخ؟ هذا وضع صعب، نصبح فيه اكثر متهمين بالظلم الذي يرتكب باسمنا، طالما كنا ديموقراطيين.

ليس غريبا ان معسكر اليسار يزيف الدكتاتورية ويتهم اليمين بالسيطرة على السلطة. فهكذا فقط يمكن مواصلة ترديد "ما الذي يمكننا عمله" بدل دفع الثمن المطلوب لفرض التغيير الحقيقي للواقع الاسرائيلي. ما الذي يعنيه ان تكون ديموقراطيا؟ هل نطالب باسم الديموقراطية بالدفاع عن السياسة غير الديموقراطية للدولة؟ عن اولئك الذين اخذوا الديموقراطية وعروها من روحها، ويقدمون لنا جثة فكرة ويطلبون منا الفرح بها كما لو كانت مخلوقا لا يزال حيا؟ يجب القول لهؤلاء: اننا لا نضاجع الأموات، واذا كان هذا هو ما اصاب الديموقراطية الاسرائيلية فإننا لا نرغب بها اكثر.

يتحتم على من يقلق على الديموقراطية الاسرائيلية فك ارتباطها باحتلال الشعب الفلسطيني. ان التطوع للدفاع عن السلطة الحالية امام أبعاد سياستها يعتبر خيانة سياسية. وآخر مثال على ذلك محاولة احباط التصويت البريطاني على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. يتحتم على من يعارضون الاحتلال التوقف عن القيام بدور الكابح للأبعاد الطبيعية لاستمرار سياسة الاحتلال. بل عليه عمل العكس وترك مجموعة نتنياهو تنزلق على المنحدر الحاد الذي تقود الدولة نحوه.

هل يريدون بناء المستوطنات؟ فليبنوا. هل يريدون تحديد صلاحيات المحكمة العليا؟ فليفعلوا. وبالمناسبة على قضاة المحكمة العليا الاستقالة. هل يريدون تحريض العالم ضدنا؟ فليحرضوه. هل يريدون التوسط بين الدولة الاسلامية وحماس؟ هيا فليفعلوا. هل يريدون فحص ما سيحدث عندما لا يتبقى لحشود الفقراء ما يخسرونه؟ فليجربوا ويشاهدوا ما سيحدث. هل يريدون معرفة ما سيحدث لشعب محتل يسدون كل طرق العمل امامه؟ فليتفضلوا. هذا اعتراف مؤلم، ولكن ربما فقط عندما يتحطم اليمين على أرض الواقع، أي عندما يحطم الدولة على ارض الواقع، تنضج الظروف لتحقيق التغيير السياسي، وامكانية ان نصبح، أخيرا، شعبا حرا في بلادنا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]