فرضت ممارسات الاحتلال على الشعب الفلسطيني معركة القدس، وهي المعركة التي اندلعت جراء تواصل الاعتداءات الإسرائيلية في الاتجاهات كافة، بحيث لم تبقِ على خطوط حمر، وانتهكت كل ما هو مقدس، على قاعدة تهويد كامل المدينة المحتلة.

حكومة الاحتلال اليمينية العنصرية، ومنذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها اعتداءاتها بحق المقدسيين، استخدمت القوة المطلقة من أجل كسر شوكة المقدسيين، وخلق بيئة إرهابية، لعلّها تحقق جزءاً من أهدافها العنصرية.

منذ اليوم الأول للاحتلال في العام 67 بدأ مسلسل الاعتداءات وحتى يومنا هذا لم يتوقف، ولكن على الأقل كانت هناك خطوط حمر أوجدها الواقع والإقليم. ومن هذه الخطوط منطقة الحرم القدسي بما فيها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكل ما وجد داخل سور الحرم، حتى إنه كان من المحرّم على المستوطنين الوصول إلى المنطقة. وفي كل مرّة حاولت فيها سلطات الاحتلال خرق الخط الأحمر، كانت عملياً تشعل ناراً صغيرة ليس في المدينة المحتلة، أو فلسطين التاريخية، ولكن في المحيط العربي والإسلامي. وكانت في أعقاب كل انتهاك تحاول التملص بشتى الوسائل معتبرة أن الذي حدث طبيعته فردية.

ولعلّ أهم هذه الانتهاكات إحراق المسجد الأقصى في العام 69، أو المحاولات المتكررة لاقتحام المسجد وإطلاق النار على المصلين ما أدى إلى سقوط الشهداء، أو حتى محاولة نسف المسجد الأقصى في ثمانينيات القرن الماضي، أو الحفريات أسفل المسجد، كل هذه الأحداث أشعلت نيراناً، حاولت سلطات الاحتلال بكل السبل إطفاءها؛ لأنها كانت تعرف ما هي نتائج تواصل هذه المواجهات.
ولكن يبدو أن حكومة اليمين العنصري الإسرائيلي تعمّدت نسف جميع الخطوط الحمر، والدوس على كل ما هو مقدس. فبدأت خلال السنوات الماضية سلسلة من الأعمال العدوانية المجرمة من أجل إعادة تطبيق ما حصل في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بعد مذبحة المستوطن غولدشتاين على المسجد الأقصى. وبدأت بإدخال أفراد ثم مجموعات صغيرة من المستوطنين تحت شعار السياحة، ثم تصاعد الأمر بحيث بدأت تدخل مجموعات كبيرة من المستوطنين، وبعد ذلك بدأت تسمح بإقامة الصلوات التلمودية داخل الحرم القدسي.

سلطات الاحتلال بتصرفاتها العدوانية كانت تحاول جسّ النبض الفلسطيني والعربي. ولكن للأسف فإنه منذ بدء الحراك العربي لم تكن ردود الفعل العربية تجاه الاعتداءات الإسرائيلية ذات قيمة، وجاءت ردود الفعل العربية والإسلامية دون الحدّ الأدنى الذي يمكن أن يؤثر على قرارات حكومة الاحتلال تجاه اعتداءاتها العنصرية.

بل إن المستوطنين بدؤوا حملة منظمة من أجل سن تشريعات تؤكد التقسيم الزماني والمكان للمسجد الأقصى، بل إن مشاريع المقترحات لقوانين إسرائيلية بهذا الاتجاه قطعت شوطاً كبيراً، ولولا الضغط الممارس على نتنياهو من قبل المقدسيين أولاً، والسلطة ثانياً، من خلال توجهها الدولي، ثم من قليل من الزعماء العرب، لكانت التشريعات الإسرائيلية قد أُقرت منذ زمن طويل.

ولكن عندما انفجر المقدسيون أمام تراكم الاعتداءات ووصلوا إلى قناعة بأن وجودهم أصبح مهدداً، وأن الاحتلال يريد فقط شراء وقت إضافي لتنفيذ مخططاته التهويدية، انتفض المقدسيون مؤكدين أن إجراءات الاحتلال لن تمر مهما كان الثمن، لأن الفلسطيني يدافع عن وجوده في هذه الأرض.

مهما حاولت سلطات الاحتلال استخدام قبضتها العدوانية وتشديد إجراءاتها القمعية، فإن معركة القدس لن تنتهي كما ترغب سلطات الاحتلال.. حتى مراهنتها على الصمت العربي رهان خاسر؛ لأن الجماهير العربية، أيضاً، وإن كانت في حالة سكون، وإن غابت فترة بسبب الأحداث الداخلية في البلدان العربية، فإن المقدسات ما زالت خطاً أحمر وأكثر من أحمر بالنسبة لها.

ولهذا فإن معركة القدس قد تمهد لانفجار شامل في المنطقة تتحمل مسؤوليته حكومة الاحتلال الاستيطانية.. أما الفلسطينيون بمن فيهم المقدسيون فسيخوضون هذه المعركة حتى النهاية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]