عادةً ما نسمع قصص المناضلين العظام والشخصيات الفدائية، نعجب بهم ونذكرهم بأحاديث الكفاح، ويبقون حتى بعد وفاتهم، رموزًا وطنية يعتز بهم كل وطني حُر، ولكن هنالك مع كل مناضل قصص عديدة، عائلته، أهله، كيف عاشوا؟ وأي معاناة استحملوا؟ وكيف كان مصيرهم؟ .. في شهر أيلول الماضي رحلت المناضلة الفلسطينية زكية شموط (أم مسعود) الأصل من قرية سولم، زوجة المناضل محمود مسعود، رحلت في المنفى بالجزائر دون أن يتحقق حلمها برؤية فلسطين محررة.

المناضلة زكية شموط التي قامت قبل أن تُعتقل بـ 7 عمليات فدائية كبيرة كبدت اسرائيل خسائر مادية وبشرية ضخمة، من الستينات وحتى عام 1972 يوم تم اعتقالها ثم اعتقال زوجها كانت آنذاك أمًا لأربعة أطفال أكبرهم مسعود البالغ من العمر حينا 4 سنوات وأصغرهم هالة التي لم تبلغ حينها السنة من عمرها، وفي السجن ولدت "أم مسعود" ابنتها الصغيرة نادية والتي كان لها لاحقًا تاريخ نضالي أيضًا وتعيش الآن في الأردن.

تونس وزواج بالجيل الـ 16

تتحدث هالة التي تطلق على نفسها لقب "قاهرة الآلام" عن معاناتها الطويلة، منذ اعتقال والدتها ووالدها وضعها مع أخوتها بدور ايتام مختلفة، حيث حكمت اسرائيل على الوالدة بالسجن 12 مؤبدًا وعلى الوالد بالسجن مدى الحياة، دور أيتام من القدس إلى حيفا، تنقل وشتات، معاناة كبيرة عاشها الأطفال بعد سجن والدتهم وتقول هالة أنها لم تتواصل وقتها من إخوتها إلّا مع نادية الصغيرة التي بقيت معها.

تقول هاله : كنا صغيرات داخل دور أيتام لا حول لنا ولا قوة، كنت أرى واسمع واصمت، عانيت كثيرًا وطويلًا إلى أن جاء العام 1985، أي بعد 13 عشر عامًا من سجن والدتي، حيث جرت مفاوضات "جبريل" وأخرج وقتها 1500 أسير، وتم اخراج والدتي بعد رفض اسرائيلي في البدء إلّا أن المنظمة أصرت على أن تخرج، كنتُ في الرابعة عشر من عمري، وعلمنا من الصليب الأحمر أننا سنلتقي بأمنا في مصر، أنا وشقيقتاي نادية ودولت، وأخوتي مسعود وعامر سيبقون في فلسطين، وفعلًا ذهبنا لمصر وكنت في الرابعة عشر من عمري، وهناك التقينا بوالدتنا التي هربت بنا إلى تونس، وهناك التحقنا بالمدارس ومع نهاية الصف التاسع ومن خوفها علينا قررت أمي تزويجنا وفعلًا تزوجت بعمر الـ 16 وبدأت حياة جديدة.

وتابعت: خروجنا من فلسطين للقاء أمي فرقّنا أكثر، أنا بقيت في تونس مع زوجي وأخواتي تزوجن في الجزائر حيث انتقل والداي إلى هناك، فقط الجزائر قبلت ان تحتضنهم، ثم في عام 1995 قررت الرجوع إلى البلاد وفعلًا رجعت وولدت ابني هنا في عام 1997.

وقالت هالة التي أصبحت جدة لثلاثة أحفاد اليوم علمًا بأنها لم تتجاوز الـ 45 من عمرها: في المكان ذاته حيث كان اللقاء الأول، في القاهرة، كان اللقاء الأخير، في 2005 أردت أن أرى وكنت أعلم أنها كل عام تأتي إلى مصر، فسافرت إليها، عشرة أيام أمضيتها معها، وقبل ذلك رغبت في إيجاد أمي، التي أبحث عنها بين الحين والآخر، فجئت إليها في 2003 أيضًا، فمنذ عودتي إلى البلاد في عام 1995 حتى عام 2008 أي حتى انفصالي من زوجي عشت في طولكرم، بعد ذلك عدت إلى قرية سولم، بلد أمي حيث بيت جدي، عشت فيها ثلاث سنوات الآن أعيش في بيت استئجار بمدينة العفولة، بجانب سولم.

العرب .. ما حدا سأل عنا .. تركونا نعيش بدار أيتام


تذكر هالة من آخر لقاء لها مع والدتها، أنها قالت لها العبارات التالية "رغم الغربة والشتات.. رغم المؤامرات والمجازر لا يزال الشعب صامد.. ماذا تقولون لأطفال العرب حينما يسألونكم كيف قاتلوا وحدهم وكيف قاتلت فلسطين بعلبة من كبريت.. وكيف هذا الفلسطيني يذبحونه من يديه ومن عينيه فلا يموت.. وكيف على سيوفكم قد عشش العنكبوت.. أين دبابات العرب؟ أين طائرات العرب؟ نيابة عنكم أقول إنها واقف مشدودة بالحبال، بانتظار الكفن الأخير والمشهد الأخير.

شريط حياة "هالة" -الوحيدة بين أخواتها التي تلقت التعليم- مليء بالأحداث، أقساها ليس ما فعله المحتل، بل تعامل أبناء شعبها وقوميتها، العرب معها إذ تقول : العرب .. ما حدا سأل عنا .. تركونا نعيش بدار أيتام.

الثلاثاء 16 سبتمبر 2014، كانت تطالع "هالة" المواقع الإخبارية، والتواصل الاجتماعي، حينما قرأت بين الأنباء، وفاة المناضلة زكية شموط عن عمر 69 عاما في الجزائر، دون أن يتحقق حلمها بالعودة لأرض الوطن، لم تتمالك الأبنة نفسها "بكيت لأن متهنيتش فيها لا وأنا صغيره لا وأنا كبيرة".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]