يظن الكثيرون أن أزمة العام 2008 غنما هي أزمة مالية عادية ، لكن الحقيقة هي ان المجتمع الامريكي يشهد منذ ذلك الحين هزة قوية ، واحد انعكاسات وتجليات هذه الهزة يتمثل في التراجع الدراماتيكي المثير في نسبة ملكية البيوت والشقق ، من 70% الى دون 65% ، خلال الفترة الواقعة بين 2007 و 2014 . 

واضحة للجميع العلاقة بين التراجع في نسبة ملكية البيوت والشقق ، وبين الخسائر الكبيرة التي تكبدها معظم الامريكيين بسبب كون غالبية توفيراتهم مستثمرة في المنزل الذي يسكنون فيه ، أو المنزل الذي أجّروه . ويمكن ان نفهم كذلك ان التغييرات في سوق العمالة والتشغيل تؤثر على حاجة الناس للحفاظ على قدرة التنقل والتحرك ، بحيث انهم عندما يضطرون للتنقل معا لاماكن العمل ، يتوجب عليهم التحلّي بالمرونة للقيام بذلك . لكن يغيب عن بالنا التفكير في عامل آخر له تأثير دراماتيكي على ملكية البيوت – ذلك ان قرابة 50% من حالات الزواج في امريكا تنتهي بالطلاق .

واذا فكّرنا مليا بهذه الحقيقة ، فمن المنطق ان الاستعداد والقابلية لشراء وامتلاك بيت مشترك في اطار استثمار عائلي – يتراجعان بالنظر الى كون 50% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق ، وتصبح الملكية المشتركة لعقار غير متنّقل عبئا ثقيلا في حالة الطلاق ، وبالاضافة لذلك ، فاذا كان للزوجين أولاد من زواجهما – تصبح حيازة منزلين اقتصاديا ثقيلا ، ان لم يكن مستحيلا .

يبدو أن الشقق المستأجرة الصغيرة نسبيا ، القريبة من مركز المدينة واماكن العمل ، والتي تشمل على مقومات مشتركة للغسيل ، وعلى انديه للياقة البدنية – وحتى على مراكز تجارية – قد حلّت في السنوات الأخيرة محلّ الحلم الامريكي في بيت صغير ( او كبير) في الضواحي.

الاستثمار في شركة عقارات بدلا من امتلاك شقة
من جهة ادارة الاستثمارات ، كلما تحوّل الامريكيون الى نمط الاستئجار ، فان الاستثمار في اسهم شركات العقار المخصص للسكن يصبح ذا اهمية اكبر . وفي بلادنا (اسرائيل) .، فمن المؤسف ان هنالك حديثا كثيرا يجري في السنوات الأخيرة حول تطوير سوق الايجار البعيد المدى ، لكن قليلا جدا من الفعل والعمل يتحقق بالواقع ، ولذلك فان هذا الخيار الاستثماري غير وارد .

وعمليا ، اذا ارادت أية سيدة في اسرائيل استبدال الاستثمار في عقار سكني ، باستثمار مالي في عقار مربح (في البلاد) فان الطريق الوحيد للقيام بذلك هو الاستثمار في الأوراق المالية الخاصة باحدى شركات العقارات التجارية المربحة . وفي السنوات الاخيرة كان هذا استثمارا لافتا ومثيرا ، لأن هبوط الفائدة المصرفية مكّن الشركات المربحة من اعادة انتاج الدين ، ومن خصم قسم كبير من مصروفاتها الجارية على التمويل وبذلك تزيد ارباحها ، وقيمة ارباحها .

مثل هذه الاستراتيجية تنطوي على اشكالية بالنسبة لمعظم الناس ، لعدة اسباب . فاولا ، الاستثمار في شركة واحدة يقيّد القدرة على تحقيق الانتشار . وعلى تقليص الخطر الكامن في كل استثمار . وبالاضافة لذلك ، فان التعاطي لن يقتصر على الجانب المجدي من الملف بل سيشمل جوانب من مبادرات الشركات ، وهذا أمر أخطر . وبطبيعة الحال ، فان النشاط الشمولي لهذه الشركات ، يميل الى اكتساب طابع المضاربة في اسرائيل ، اكثر من كونه استثمارا مجديا ومريحا في مجال العقارات . ومن أجل حلّ جزء من اشكاليات الاستثمار ، أقمنا مؤخرا في مؤسسة IBI للاستثمار في سوق العقارات المربحة في اسرائيل ، مع التركيز فقط على الجانب المجدي المربح ، وفي اسرائيل فقط ، مقتصرا على (15) شركة اسرائيلية للعقارات .

وحتى الآن لم تتطور في بلادنا مثل هذه الأداة (الوسيلة) التي تتيح التعاطي مع العقارات المجدية المخصصة للسكن . فمن جهة ، هذا مؤسف ، لأن هذا هو البديل الأقرب لملكية عقار سكني غير منقول ، وحصر طبيعي للصرف على الاستئجار . ومن جهة ثانية ، فان الوسيلة المتوفرة لافتة ومثيرة بحدّ ذاتها ، وفي الواقع الاسرائليي ، فانها تتيح تعاطيا متنوعا مع ما هو موجود ، بتكلفة أقلّ .

الحلم الاسرائيلي قادر على التعلّم من الحاكم الامريكي
الحلم الامريكي الجديد كفيل بأن يكون ذا تأثير دراماتيكي على المجتمع الامريكي من عدة جوانب : فالتحول من ملكية عقار الى الاستئجار ، قد يؤثر سلبا على تراكم أموال عائلات امريكية كثيرة ممن يشكّل بيتها حصنها وقلعتها ، وملكها الرئيسي .

والبديل المالي لتكوين رأس المال هو بالطبع جيّد من وجهة النظر الاستثمارية ، وتبعا لذلك – أقل صمودا أمام الرغبات والأمزجة المتقلبة .

والأمر الآخر هو ان كلما كان التحول الى الاستئجار منعكسا على التغييرات في سوق السكن المتاح ، فان الوزن او القيمة الاجتماعية البعيدة المدى لهذا المؤشر ، قد تؤثر على توفير المساكن للجميع : غن كان من جهة تقليص أحياء الفقر ، أو من جهة تقليص ظاهرة العنصرية .

نأمل انه في حال قررت الحكومة المقبلة الدفع باتجاه تطور مسالة الاستئجار طويل المدى في البلاد ، فيتوجب عليها الالتفات ليس فقط الى التأثيرات على أسعار العقارات ، بل الالتفات كذلك الى الجوانب والنواحي الاستثمارية والاجتماعية البعيدة المدى . 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]