يبدو أن ضيق الأفق السياسي وكثرة التنازلات التي قدمها شعبنا وقياداته على مر تاريخ المسألة الفلسطينية قد دفعت بإتجاه تلاشي الخطوط الحمراء في أذهان الناس وربما لدى بعض الفنّانين والممثلين والمثقفين من الوطن العربي. ففي مناهضة التطبيع لا تفاصيل كبيرة ولا صغيرة، ولا تعقيدات أو تأتأة ولعثمة، هكذا تعلمنا من أبائنا وأجدادنا ومن أشقائنا في الوطن العربي. أن "إسرائيل" ورم سرطاني خبيث قد إغتصب أرض عربيّة، وهو كيان إستعماري منبوذ وغير مرغوب به وعلينا مقاطعته والوقوف في وجهة ومحاربته والدفاع عن الفلسطينيين وعن حقوقهم وعدم إضفاء الشرعيّة على هذا الإحتلال، والتطبيع هو جعل هذا الكيان طبيعي عبر الممارسات وسلسلة الزيارات. هذا هو منطق الإنسان الفلسطيني.

ولأنه مصر الثقافة والأدب والفن والمسرح، مصر عبد الناصر ومصر ثورة 25 يناير ومصر الشيخ إمام وغيرهم ولأنها أول من سار على خطى مناهضة التطبيع ومقاطعة إسرائيل وفيها أكبر إجماع شعبي على مناهضة الكيان الصهيوني، لا يمكننا عدم الإكتراث والإعتراض على زيارة الشاعر هشام الجخ إلى مدينة الناصرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48. لما تحمله هذه الخطوة من منزلق خطر نحو تطبيع وجود إسرائيل في المنطقة. لا تكمن الخطورة في الزيارة الواحدة، بل في سلسلة الزيارات التي تتراكم وتشرّع وجود هذا الكيان فوق أرضنا، سلسلة هذه الزيارات الخطيرة يعني أن نفقد هذا الإجماع الشعبي ضد إسرائيل، يعني أن لا نشاهد "يا أنا يا سفارة بقلب العمارة – فيلم عادل إمام" وأن لا نستمع إلى "أنا بكره إسرائيل وأقولها لواد سأل –شعبان عبد الرحيم" وأن لا يلحّن الشيخ إمام كلمات أحمد فؤاد نجم في أغنية "يا فلسطينيّة" وأن لا تخرج مظاهرات في ثورة 25 يناير ترفع العلم الفلسطيني وتحرق الإسرائيلي وأن يبقى معبر رفح مغلق كما هو الآن، وأن لا يغني عبد الحليم "أفدي العروبة دمائي" وأن لا يكون عبد الناصر وأن يكون السادات والسيسي !

تواصل ثقافي ؟! المقاطعة تشوه المشهد، إذ يذهب الشباب الي اكتساب ثقافة إسرائيلية ؟! المقاطعة تضيق علينا العزلة التي فرضتها إسرائيل ؟! النظام السياسي يطبّع العلاقات مع إسرائيل ؟!

في فلسطين المحتلّة يوجد سياق واحد وهو الصراع مع الصهيونيّة. وكله شيء مقرون ومربوط به، والكلام حول فصل الثقافة عن السياسة والسياق العام مؤخرًا مرفوض وغير قابل للتحقيق. التواصل بين فلسطين والوطن العربي هو أمر مهم وضروري لكن ليس بأي ثمن، بمعنى رفض التطبيع وتحدي إسرائيل والسفر رغم عنها. ماذا حدث لابائنا وأجدادنا فهم في عزلة منذ النكبة! لقد ورثنا أم كلثوم والشيخ إمام وزياد الرحابني وفيروز منهم في ظل وجود الإحتلال وفي ظل رفض التطبيع سويًا. ماذا جرى لنا نتيجة ذلك ؟ هل إنتقلنا إلى سماع "ناحمان بياليك" و"زهافا بين" الجواب كلّا. المؤسف أن يتحدث بعض المثقفين والكتّاب عن ضرورة التواصل "التطبيع" لما يعزز المشهد الثقافي الفلسطيني، هذا تعزيز أم أنها ثقافة إستهلاك ؟ تعزيز المشهد يتم بإعادة تشكيل الوعي عبر إنتاج ثقافة وفن وادب ليس بإجترار ما هو موجود. والذي يُحاسب على تضييف الأفق والمشهد هو الإحتلال وليس دعاة المقاطعة ومناهضة التطبيع، شخصوا الموضوع صح!

نظّم في شهر ديسمبر 2014 مؤتمر الكتاب المصريين تحت عنوان "الأدب وثقافة الاختلاف" أكد المشاركون، في المؤتمر العام لأدباء مصر، رفضهم الكامل للتطبيع مع العدو الصهيوني وإعلان تأييدهم لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. هذا اتى ليقول أن هناك موقف شعبي رافض لهذا الكيان مهما تبدلّت الانظمة السياسية للدولة ومهما إختلفت ألوانها، هناك حقيقة مطلقة أن إسرائيل كيان غاصب منبوذ، وبهذا نطلب من الجخ وأمثاله إحترام الإجماع الشعبي في بلده وإحترام فلسطين وخاصييّتها وعدم تطبيع وجود الإحتلال وعدم الإستسلام لفكرة وجود سفارة صهيونيّة في قلب القاهرة.

ونطلب منه ونحن في هذا السياق أن يوقف في بلده مع إخوانه ضد صفقة تصدير الغاز من "إسرائيل" إلى مصر حيث هناك حملة شعبية في الأردن ومصر ضد تصدير الغاز، تكبيد الإحتلال المزيد من الخسائر يصب في مصلحة الفلسطينيين ويعزز صمودنا تلقائيًا.

دائمًا أختتم النداءات المنادية لرفض التطبيع بأبيات من قصيدة حزن جميل جدًا قالها شاعر العرب مظفر النواب :

إحذر ان تزرع إسرائيل في رأسك.. حصن رأسك.










 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]