نتنياهو حامي حِمى البلاد والعِباد، دفن جثّة العملية السلمية، في مقبرة تعنّته، رغم أن المنتجع الدولي... عفوًا المجتمع الدّولي بقيادة أمريكا، حاول إحياء هذه الجثة التّاريخيّة المحنّطة، لكنّه فشل في ذلك. سيّارة المفاوضات التي قطعت آلاف الكيلومترات من المباحثات العقيمة في طرقات التفاوض السّريعة والفرعيّة غير المتناهيّة، وصلت لطريقٍ مسدود ومنذ استلام نتنياهو الحكم، توقفت عن السّير، لأن التوقيت المخصّص للعبة السّلام المزعومة قد انتهى، منذ توقيع اتفاقيّات أوسلو، في أيلول 1993. السلام بالنسبة لليمين عامّةً ولنتنياهو خاصةً، أصبح وصمة عار... أصبح محرمًا دوليًّا، لأنه مسّ بكرامة أرض إسرائيل الكاملة... قلل من قيمة المستوطنين!!!

في انتخابات الكنيست 2013 والحاليّة، كلمة "سلام"، تُعتبر خياليّة، ابتدعها الفلسطينيون، لأنهم يريدون إنهاء الاحتلال!! وبالنسبة لليمين، هذا ليس احتلالاً، بل هو حق تاريخي، منحه نتنياهو شرعية "أراضي الدّولة"!!... تعتبر كلمة "سلام" كلمة سحريّة، استُعملت كطاقيّة إخفاء، فاختفت عن الوجود السّياسي، مسحتها أحزاب اليسار والوسط من برامجها الانتخابيّة، بعد توقف عقارب الوساطة كلّيًّا عن الدّوران، عند آخر محاولة توفيقيّة بين إسرائيل والفلسطينيين، في مؤتمر أنابوليس الذي عُقِد في الولايات المتحدة، عام 2007، في عهد حكومة أولمرت.

لأول مرّة حزب العمل، الذي ادّعى بالماضي أنه يسار وسَط وحاضن العملية السلمية!! كشف للجمهور الإسرائيلي وجهه الحقيقي، عندما غيّر اسمه إلى "المعسكَر الصهيوني"، لجذب أصوات اليمين. هذا الحزب هو مُقيم أوّل مستوطنة على الأراضي العربيّة المحتلة وهي "يميت" على يد شمعون بيرس... هذا الحزب الأكثر خوضًا للحروب، منذ 1948 لغاية 1973. يتسحاق هرتسوغ في هذه الانتخابات لم يجِد وقتًا لتشريح جثّة السّلام، ليُشخّص أسباب توقّف نبضها على يد حكومة نتنياهو... تنازل المحامي هرتسوغ عن حقّه بالدّفاع عن قضيّة السّلام... تحرّر من لجم العنصريّة، رفض أن يدفع ضريبة استنكار التهجّم الوحشي على المرشحة حنين الزعبي!!

نتنياهو ولا مرّة تفرّغ بشكلٍ جدي للسّلام... لا وقت لديه لاستنكار الأعمال العنصريّة الفاشيّة، التي يقوم بها اليمين ضد العرب يوميًّا، كذلك لا وقت لديه للاهتمام بقضية الصّحّة والاكتظاظ في المستشفيات، التي تُعتبر تهديدًا مصيريًّا للأمن الصّحي للمواطنين، بينما نجد قضيّة البرنامج النّووي الإيراني لها الأفضليّة في أجندة نتنياهو، رغم أنها لا تُشكّل تهديدًا لكيان إسرائيل، كما يدّعي في كل مناسبة وطلّة إعلاميّة.

عدم إنهاء الاحتلال يُشكل تهديدًا ليهوديّة الدّولة، العزلة الدّولية تشكل تهديدًا لمكانة إسرائيل في العالم، اليمين الأهوج يُشكّل تهديدًا وجوديًّا على التعايش السّلمي بين العرب واليهود، الوضع الاقتصادي الصعب للسلطة الفلسطينية يهدّد بانهيارها، الأوضاع المعيشية اليائسة للفلسطينيين، تهدّد باندلاع انتفاضة ثالثة، بسبب استخفاف نتنياهو بالرّئيس محمود عبّاس الذي لم يعُد شريكًا تفاوضيًّا، بتأكيد ليفني أيضًا.

كل التهديدات التي ذكرتها لا تساوي شيئًا لدى داعية الأمن الشّهير نتنياهو، فإنها ثانويّة بنظره، لم يحِن الوقت لمعالجتها!! المهم أن يصارع من أجل بقائه سياسيًّا بأي ثمن، كي يفوز بالانتخابات. الشّعب الإسرائيلي الأحمق، يعتبره دِرع الأمان الواقي، بعد أن غسَل نتنياهو دماغه بغسّالة الخوف من زوال الدولة على يد حزب الله وجبهة النصرة من الشّمال ومن الجنوب حماس التي تحالفت مع إيران!!

في عهد نتنياهو أصبح الهلع ركنًا أساسيًّا في سياسة إسرائيل الخارجيّة، تُصدّر للعالم دعايتها الكاذبة بأنها محاطة بشرق أوسطٍ مُعادٍ لها، لذلك ارتأى مستر نتنياهو، أن يكرّس جهوده الخطابية البارعة في الكونغرس الأمريكي، لعرقلة اتفاق الدّول الخمس زائد واحد مع إيران، لأنه يشكّل خطرًا على العالم عامّةً وعلى إسرائيل خاصّة، لذا نفهم من تصريحاته، أنه لا الوقت للسّلام، فبإمكانه الانتظار مئة عام آخر...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]