معظمنا، وربما جميعنا لا نفهم معنى " الفائدة الحقيقية السلبية". فالاقتصاد مبنيّ على مبدأ " المال يساوي المال"، بمعنى: أنا أُدع مئة شيكل في البنك، أو لدى الحكومة أو أية شركة تجارية، فكأنني أُقرض أو أبيع هذا المبلغ على أساس الاسترجاع المؤكد والمضمون للوديعة. وكلما كانت المخاطرة أكبر، فإنني استغني عن المال المُودَع فقط إذا كنت آملاً في استرجاعه بمبلغ أكبر.

عندما تكون الفائدة التي نحصل عليها صفرًا، سلبية، فهذا يعني أن سعر أو ثمن المال هو صفر، أو سلبي. وبعبارة أخرى- أن البنك، أو الحكومة أو أية شركة تجارية، تأخذ مني مالاً مقابل استعمال نقودي وأموالي، بدلاً من أن تدفع هي مقابل هذا الاستعمال.

نظريًا- عندما تكون الفائدة سلبية أو صفرًا، فمن المفضّل أن نصرف ونستهلك بدلاً من أن نوفرّ، لأنه إذا كنا سنحصل مقابل كل شيكل نودعه أو نوظفه ونستثمره على مبلغ أقل من شيكل، فمن الأفضل أن نشتري اليوم حاجيات أكثر، ثم نعود لتنظيف واستثمار المال عندما تعود الفائدة للارتفاع.

ليت هذا الأمر يحدث، فما من رافعة أفضل وأقوى للاقتصاد، من أن يقوم الناس بالشراء أكثر وأكثر. لكن، كما هي حال النظريات، فإنها تكون منطقية على الورق، لكنها لا تصح ولا تنطبق على الواقع. فإذا تمعّنّا في سلوك المستهلك الأمريكي في الشهور الأخيرة، فسنكتشف أنه على الرغم من ارتفاع مدخوله الفائض، بشكل لافت، على خلفية انخفاض أسعار النفط، فإنه يستهلك أقلّ من المعتاد، كما أنه على الرغم من أن الفائدة المصرفية في أمريكا تقارب الصفر- فإنه يوفّر أكثر وأكثر.

نحن نعيش في عالم جديد

في " العالم القديم"، أي ذلك العالم الذي كان موجودًا قبل أن تهبط الفائدة إلى الصفر، كنا نفرح عندما نرى الناس وهم يوفّرون. عمليًا، كانت أحدى أصعب المشاكل في العالم القديم أن الناس كانوا يستهلكون أكثر من طاقتهم، وبصعوبة يوفّرون، وهذا على الرغم من أن الفائدة كانت مغرية ولم تكن قيمة النقود زهيدة. في العالم القديم، كان الاستثمار في العقارات " يُتَرجم" إلى زيادة واتساع في مجال البناء. وفي العالم الجديد، " يُترجم الاستثمار في العقارات، إلى تضخّم فقاعة العقارات. في العالم القديم، كان الاستثمار في الأسهم وسندات الدّين، يُترجم إلى سيولة نقدية لدى الشركات- لمقتضيات الاستثمار والتطوير وتوسيع الأنشطة التجارية. واليوم، تمتلك الشركات الكبرى أكوامًا من السيولة النقدية، لكنها في أحسن الأحوال تستخدم كشبكة أمان للتعامل مع البنوك، وفي بعض الحالات تُستخدم للشراء الذاتي للأسهم. نظريًا، بمقدور شركة " أبل" أن تتولى بواسطة مئتي مليار دولار من خزينتها، تمويل الميزانية العادية لدولة إسرائيل لمدة سنتين، لكن الشركة تفضل أن تحتفظ بالمبلغ لنفسها، حتى لو كَسَد افتراضيًا على شاشات حواسيب البنك!

والأخبار السارة هي أن هنالك شركات كثيرة- كبرى ومتوسطة وصغيرة، يستمر نطاق نشاطها في التوسع والنمو. حتى شركة " أبل"، وعلى الرغم من أنها تنشط على صعيد معيّن، مثل بنك مركزي يخرج أموالاً من نطاق التداول- فإنها تواصل زيادة مبيعاتها وأرباحها، ربعًا سنويًا تلو الآخر. وثمة أخبار سارة أخرى هي أن القيادات الاقتصادية للمخاطرة، ويقومون بشكل دائم بفحص البدائل كيلا يغرقوا ويتورطوا في مشهد كالمشهد الياباني- أي التورط في ركود لعشرات السنين.

في السطر الأخير

لا شك أننا نعيش في حقبة معقدة، والمهمات الماثلة أمام القيادات الاقتصادية ليست سهلة. لكن، المسار الأكثر أمانًا وضمانًا لأموالنا الخاصة، هل الحرص والالتزام بالقوانين الأساسية للاقتصاد، بمعنى تجنّب " الفقاعات"، والابتعاد عن الأصول ذات الأسعار الغالية جدًا، وتوسيع الانتشار.

فالانتشار هو الذي يمنح الحماية الأفضل من التغيرات التي يمكن أن تطرأ في أية لحظة على الاستثمار. والأخبار السارة حقًا هي أن التكنولوجيا تفتح المزيد من الفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي لم تكن تمتلك هذه الفرص من قبل، كما أن التحسّن اللافت في مصادر المعلومات المتاحة عالميًا، وانفتاح الأسواق العالمية- تتيح مستويات انتشار لم يكن أحد يحلم بها من قبل.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك 
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]