كان لوقع الحكم الانتقامي الإسرائيلي بحق الأسير هلال جرادات رد فعل معاكس حينما قرر "معاندة" سجانه، والتوجه نحو الإبحار بعقله بعيدًا عن ضيق زنازين الاحتلال المعتمة.

واستقبل جرادات بضحكة "مطمئنة" نطق "الجلاد" الإسرائيلي الحكم بسجنه لمائة عام إلا عامًا واحدًا عقابًا له على انتقامه من قتلة شقيقيه اللذين استشهدا على يد مستوطنين إسرائيليين، بطعن ثلاثة منهم في العام 1985م.

لم يشأ المحرر ابن قرية اليامون بقضاء جنين، والذي أفرج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 إلى قطاع غزة، إضاعة وقته فيما لا ينفع، فنهل من معين الكتب والثقافات من اللغات ما ممكنه من إجادة 16 لغة داخل السجن.

"اندفاع" جرادات نحو القراءة كان له أصل انطلق منه منذ صغره، إذ كان يشتري كل أسبوع كتابين أو ثلاثة كتب تهتم أغلبها بالقضايا التاريخية، ويتبادلها مع أصدقائه، حتى أصبح يمتلك نحو ستة آلاف كتاب في مكتبته بمنزله في جنين.

لكن الحصول على الكتب داخل السجون كان مهمة شاقة، كما يقول جرادات لوكالة "صفا"، "فتوفيرها لم يكن منة من إدارة السجون، وإنما كان نتيجة أطنان من اللحم وعدد من الشهداء فقدها الأسرى خلال الإضرابات".

بعد "انتزاع" الأسرى حق إدخال الكتب من بين "أنياب" الاحتلال، كانت إدارة مصلحة السجون تنغص عليهم في نوعية الكتب المسموح دخولها، وكانت أيضًا تحدد عدد الكتب لكل أسير، وكان يتولى مهمة جلب الكتب أهالي الأسرى والصليب الأحمر الدولي.

وعملت عائلة المحرر جرادات على توفير بعض الكتب له من مدينة القدس المحتلة، وتل أبيب، والناصرة، فيما حصل على بعضها الآخر من العراق وسوريا، ودول أخرى.

رحلة مع اللغات

ويقول جرادات إن الفترة التي قضاها في السجن (27 عامًا) كانت فترة مهمة جدًا للتعلم والتثقيف الذاتي والاستفادة من خبرة الأسرى ولاسيما الذين كانوا يدرسون ويتعلمون في بلاد أوروبية مثل إسبانيا وفرنسا وروسيا.

ولأن القضية الفلسطينية بحاجة للعلم، كما يؤكد، بدأ المحرر بتعلم اللغة الإنجليزية والعبرية والفرنسية والإسبانية، والروسية، ويشير إلى أن تعلم اللغة العبرية كان أمرًا ضروريًا لتصفح الصحف، والقدرة على التعامل مع السجان والطبيب.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه أحب الاطلاع على القضايا المكتوبة باللغة اليونانية القديمة، والرومانية، والفارسية، وغيرها من اللغات لمعرفة ما يكتب عن القضية الفلسطينية، وبعد ذلك أتقن اللغات الإيطالية، والتركية، واللاتينية، والبربرية، والأثيوبية، والصينية، والآرامية، والسريانية.

وواجهت جرادات صعوبات في الحصول على بعض الكتب غير المتوفرة في فلسطين، فمن أجل معرفة اللغة الآرامية كان لابد من الحصول على الكتب من إيران والعراق، وكان ذلك مكلفًا، عدا عن أن وصولها صعب ويتطلب شهورًا لتصل إلى فلسطين وتسمح إدارة السجون بإدخالها، وفق ما يقول.

ولعل أبرز اللغات التي وجد الأسير صعوبة في تعلمها اللغة الصينية، لأنها معقدة ولا يتوفر لها مدرسين وكتب داخل السجن، إضافة إلى أنها صعبة في النطق، بينما تعد اللغة البربرية من أغرب اللغات، وفق جرادات، لأنها تكتب بشكل عمودي وأفقي، ومن الشمال إلى اليمين والعكس.

وبعد نحو أربعة أعوام من تنسم جرادات عبق الحرية، يقول إن إتقان اللغات يقل عند هجرها، وعدم الحديث بها، لكنه يستعيض على ذلك ببعض الدقائق التي يراجع فيها ما درس.

طموح للوطن

ويطمح المحرر لإنشاء محطة تلفزيونية ناطقة بعدة لغات، منها العبرية، لإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، والتأكيد أن وجود الاحتلال على أرضنا غير شرعي، ولمحاربة هجرة اليهود لفلسطين أيضًا، "ليعرف بأنه لم يأت إلى أرض خاوية من البشر وإنما جاء كمحتل".

ويجد جرادات ضرورة في مخاطبة الأجانب الداعمين للكيان الإسرائيلي بلغاتهم وثقافاتهم، لكنه يقول إنه لم يجد من يساعده على ذلك، ويقدم له الدعم لتحقيق حلمه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]