معاناة اهل النقب مسلسل بلا نهاية ، فمن التهجير الى التنكيل الى الهدم والاقتلاع ، الى تجريف الاراضي والمزروعات ، ثم الى الاعتقال والملاحقة السياسية ، والمسلسل مستمر !!

وللمرأة النقباوية حصة الاسد من هذه المعاناة وهذا الاجحاف ، فهي تدفع الثمن اضعافا مضاعفة عما يدفعه الرجل ، فهو وان كان يشقى ويتعب ليؤسس ويبني ويصمد ويرابط، وله على ذلك منا كل التقدير والاحترام ، ولكن المرأة تحمل مع كل ذرة رمل على هذه الارض هما وتنسج حلما تبدده سياسات الهمجية والعنصرية الاسرائيلية ، وهي من دمها وعرقها تقدم لكل لبنة من لبنات بيوت النقب خرسانة مسلحة بالصبر والثبات تعجز كل اليات الهدم والدمار عن تحطيمها .

ولكن ومع كل هذا فإن وتيرة الهدم والاقتلاع تزداد يوما بعد يوم مقتلعة معها جذور امرأة ما زالت تحاول التشبث بالارض ، وما زالت تعلم ابناءها معنى الثبات ، وهنا ومع هذه الهجمة الشرسة يتردد في اذهاننا سؤال ملح ، الا وهو كيف يؤثر ارتفاع وتيرة الهدم والتهجير على المرأة النقباوية ؟ وهل لهذا التأثير انعكاسات سلبية ام ايجابية على تفكيرها ونمط حياتها ؟ وهل استسلمت المرأة النقباوية لهذا الواقع المؤلم؟

"نفسي ازبط بيتي وانا محرومة من هذا الاشي!!"

ام محمد ابو قويدر من قرية الزرنوق سيدة تعبت من ضربات الزمن ولكنها مع ذلك ثابتة صامدة وكما نقول:"يا جبل ما يهزك ريح" ، فهي ام لاسيرين يقبعان ظلما في المعتقلات الاسرائيلية ، قالت معقبة على تأثير الهدم على المرأة النقباوية :"اكيد بيأثر بشكل سلبي علينا ، مثلا بتظل الوحدة قلقانة وبتبدأ تتلفن وبتطمن على جيرانها وقريباتها . الشباب بدها تتزوج والام بتظل شايلة الهم ، الشباب عنست بسبب الهدم مش بس البنات ، نفسي ازبط بيتي وانا محرومة من هذا الاشي و اساع عندي انا وابني ساكنين في غرفة وحدة وهو ومرته!!!"

معاناة ام محمد ليست من نصيبها وحدها فقط ، وانما هي قصة تجدها ماثلة امامك وواضحة وضوح الشمس في كل البيوت في النقب ، سواء تحدثت عن القرى التي سلبت الاعتراف او القرى المعترف بها ، حيث في الحالتين الضيق والتضييق هو سيد الموقف ، ولا مجال لمتنفس لتلك الارواح المحبوسة داخل ما يسمى بيوت وخرائط هيكلية!

الحاجة ام يونس من قرية وادي النعم 

الحاجة ام يونس من قرية وادي النعم قالت بحرقة وألم :" ساق الله على ايام زمان!! كنا عايشين بأمان وبراحتنا فترة طويلة على أرضنا من دون حدود ومن دون هدم ، لكن حسبي الله عليهم ، مرة وحدة كل شي تغير ، لا بنقدر نروح ولا نجي ولا نبني ولا نجوز اولادنا ، وين نروح ؟ وين نلقي ؟ هذي ارضنا تولدنا فيها قبل دولة اسرائيل ، مهما يكون ما بنطلع منها ولا بنتحرك على أي مطرح ، يا بنعيش فيها يا بنندفن فيها ، والي بهدوه بنبنيه مرة ثانية وثالثة ومليون!!"

قوتها اربكتني ، فرغم ما خطه الزمن على وجهها من اثار الكهولة ، ورغم مشيتها المتأرجحة من التعب وحمول الدنيا والعمر الطويل على كاهلها ، الا انها ما شاء الله تتحلى بقوة وعزيمة لا تجدها عند الكثير من الرجال ، وهذا ما يميز المرأة النقباوية بشكل عام .

قالت ام يونس متابعة :" بنينا غرفة واحدة لابني وحرمته وظعوفهم عزيق(بجانب) بيتنا القديم ، وكل يوم بنحط عليه رمل حتى يبين قديم ، والطيارة كل يوم فوق روسنا بتصور بيوت الناس ، حسبي الله عليهم ما بخلونها فحالنا ، احنا ما ودنا من هالدولة شي ولا مستفيدين منها شي ، احنا ودنا نظل في بيوتنا واراضينا بس!"

عطية الاعسم : "المرأة أول من يواجه الهدم "

السيد عطية الاعسم رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها حكوميا في النقب قال معقبا على وضع المرأة النقباوية تحت ظل سياسات الهدم :"المرأة هي أول من يعاني وأكثر من يعاني بسبب هدم البيوت لأنها هي دائما في البيت مع الاولاد كما أن حياتها تكرس معظمها للبيت ، البيت هو مملكة المرأة وعندما يتم الهدم تكون المرأة في البيت وأول من يواجه الصدمة المرأة وأول من يرى عنف وفظاظة الشرطة هي ".

خير الدين الباز : "تأثير الهدم كبير وله اسقاطات نفسية هدامة مدى الحياة!"

السيد خير الدين الباز مدير عام اجيك معهد النقب سابقا ومدير مكتب الشؤون الاجتماعية الاقليمي لسنوات طويلة ، كان له تعليق مبني على طبيعة عمله في مجال الشؤون الاجتماعية ، وتعقيبا على الامر قال :"تأثير هدم البيوت على العائلة بشكل عام وعلى الامهات والاطفال بشكل خاص هو تأثير كبير جدا وله اسقاطات نفسية هدامة مدى الحياة ، البيت بالنسبة للعائلة ليس فقط مكان نسكن فيه وانما البيت هو الملجأ والامان والعنوان والهوية ، وهو المكان الذي يحوي افراد العائلة وممتلكاتهم بما في ذلك من ابعاد نفسية ".

وتابع معقبا على وضع المرأة والطفل في ظل هذه الهجمات العنيفة لهدم البيوت :" لن تستطيع المرأة ولا الاطفال التأقلم أبدا لفكرة عدم وجود بيت ، العيش في ظل خطر هدم البيت في أي لحظة والبقاء في العراء مكشوفين دون حماية له ابعاد نفسية كثيرة وعميقة على المرأة والاطفال ، كل هذا دون توفير أي خدمات نفسية ودعم نفسي مهني كما هو الحال عند تعرض سكان الدولة اليهود لمخاطر شبيهة".

وطبعا مواطنو الدولة اليهود وحسب تصنيفات الدولة "الديمقراطية" كما تعرف نفسها هم مواطنون من الدرجة الاولى وبالتالي يحق لهم كل الدعم والخدمات بخلاف المواطن الغير معترف به اصلا "العربي".

"المرأة العربية في النقب هي امرأة جبارة"

وفاء ابن بري مديرة خيمة التطوع اجيك قالت :"أنا برايي المرأة العربية في النقب هي امرأة جبارة ولديها قدرات رائعة ولكنها مستهدفة من سياسات تضعيف في عدة مجالات ومن عدة جهات. أنا ارى اليوم هنالك تغيير في الامكانيات المتاحة امامها من عمل وامكانيات للاستقلالية الاقتصادية، من اهمية التعليم واكتساب ثقافة أكاديمية. ارى انه هذه الامكانيات انتجت فجوة بين النساء و الرجال مما ادى بعض الصراعات بين الرجال والنساء بسبب تغيير الموازين التي نتجت من هذه التغييرات. برايي هنالك حاجه لبناء اطر وبرامج تشغيل وتنمية امكانيات لنساء اللواتي لم يتعلمن او يشتغلن او لنساء من اجيال اربعين فما فوق. ما زال هناك الكثير من العمل في هذا المجال".

وتابعت وفاء :" إنّ هدم البيوت هو أحد الانتهاكات الفظّة للحقّ في السكن والمسكن الملائم. ويتجسّد هذا الانتهاك في حرمان كلّ بنات وأبناء العائلة الذين يعيشون في البيت من سقف يؤويهم. فهو يسلب من العائلة، بمن في ذلك النساء، الحقّ في العيش بكرامة، ضمن الحدّ الأدنى المطلوب للعيش الإنساني، والحياة الأسرية السّليمة والكاملة. ولكن قبل كل شيء، فهو يحرم النساء من كرامتهن، أمنهن وسلامتهن. هدم المنازل يؤثر على النساء من عدة جوانب: صحيا لآنه لا يوجد خدمات اساسية كالمراحيض، المطبخ، المياه. مما يمنع الإمكانية للنساء ان تحافظ على الوقاية لنفسهن ولعائلتهن. ونفسيا فرؤية هدم البيت ومواجهة المرأة للعواقب النفسية لدى الاطفال وايضا العائلة ككل. واستمرارية الاضطهاد المنتقل من دائرة لدائرة. ثم اجتماعيا فالبيت هو الحيز المسموح للنساء في حالة هدم بيت لا يوجد للمرأة فصل بين الحيز العام والحيز الخاص.

اما ماديا واقتصاديا هدم البيوت يؤثر على النساء اقتصاديا وماديا. هدم البيت يؤثر على المرأة من ناحية التأقلم لظروف معيشية بديلة ليست سهلة. عندما يهدم البيت تضطر المرأة العيش مع العائلة الموسعة مما يؤدي ايضا الى اختراق حيزها الخاص. والعيش في ظروف مكتظة مع افراد عائله اكثر واوسع".

واخيرا تقول :"في اغلب الحالات لا يوجد فعاليات توعية لهدم البيوت او التعامل مع هذا الموضوع سواء من ناحية اجتماعية او نفسية او مادية او صحية. هنالك محاضرات وجولات للقرى لرفع القضية لمستوى قطري وعالمي. لكن لا يوجد جسم متخصص يتعامل مع هذا الموضوع بشكل خاص. اغلب الاجسام التي تتعامل مع هذا الموضوع هي اجسام في المجتمع المدني وكل جسم يتطرق لشيء من جانب اخر: الصحي او الاقتصادي او التعليم او الهدم نفسه. اغلب الحلول المقترحة هي حلول عينية وهي حلول اطفاء حرائق وليست حلول لمدى بعيد او التعامل مع الظاهرة كظاهرة".

يوسف الزيادين :" هناك ارامل ومطلقات وبنات مقبلات على الزواج تهدم بيوتهن!!"

يوسف الزيادين عضو اللجنة المحلية لقرية وادي النعم قال :" المرأة اكثر المتضررين من الهدم والعنصرية ، ومعروف انه في مجتمعنا نسبة النساء اكثر ، وهنالك ارامل ومطلقات تهدم بيوتهن ، أو بنات مقبلات على الزواج ، وهدم البيوت يشتت الاسر ويزيد العنف ، ويزيد العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج ، وذلك بسبب عملية الهدم وغلاء المعيشة جراء سياسة الدولة الظالمة تجاه البدو ، في النقب النساء البدويات هن من يعاني اكثر من الرجال ، وعلى كاهلهن تقع الكثير من المسؤوليات ولا ننكر دور الرجل الاساسي وبشكل عام كل البدو في النقب يعانون رجالا ونساء ، اطفالا وشيوخا وعجائزا".

الشيخ سلمان ابو عبيد :"الواقع يشهد ان المرأة في النقب ابدت صمودا اسطوريا"

الشيخ سلمان ابو عبيد صحفي وناشط في العمل الميداني في مؤسسة النقب للارض والانسان ومن خلال سنوات عمله الطويلة في مجال دعم صمود اهالي النقب ضمن مشاريع اعادة الاعمار والدعم قال :" المرأة الفلسطينية في النقب لها دور تاريخي في النضال جنبا الى جنب ، كما انها تعاني اكثر من الرجل من مأساة هدم البيوت ، فهي تتجرع مرارة هدم بيتها لحظة بلحظة وتستمر مع هذه المرارة وقتا طويلا بعد جرائم هدم البيوت ، وتتكبد المرأة النقباوية اثارا نفسية عصيبة في مسيرة نضالها ، كيف لا وهي من تدرك اكثر من غيرها اهمية البيت في حياة الاسرة ، كما تحتاج الى مقومات عظيمة لتحمل اثار هدم البيوت على نفسية اطفالها في الوقت التي هي بامس الحاجة الى دعم نفسي غير ان الواقع يشهد ان المرأة في النقب ابدت صمودا اسطوريا غير مسبوق وكان لها الدور المفصلي في ثبات الاهل في النقب على ارضهم وفي قراهم وشكلت بذلك درعا بل عقبة حالت دون تنفيذ المخططات السلطوية في سعيها لمصادرة الارض العربية في النقب".

علي ابو صبيح :"المرأة العربية النقباوية وعلى مر السنين ابدت صمودا منقطع النظير "

علي ابو صبيح متطوع في المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها سابقا قال :" المرأة هي المتضرر الاول والمباشر من عمليات هدم البيوت ، وكونها راعية البيت والمسؤولة عن ادارته ، فعملية الهدم تبقي اثارا نفسية عميقة لدى المرأة النقباوية ، التي شاهدت بيتها وهو يهدم أمام ناظريها ، فالبيت هو المعقل الامن لها ولعائلتها ، لكن المرأة العربية النقباوية وعلى مر سنوات الهدم أبدت صمودا منقطع النظير في تحملها لظروف ما بعد الهدم وتأقلمت بشكل يعزز مفهوم الصمود والثبات وعدم الاستسلام لمخططات السلطة الهادفة لترحيلها وتشريدها ورميها في حارات علب السردين في قرى التوطين ".

وفي الختام :

لا شك أننا نشيد بدور المرأة العربية النقباوية والتي كانت ولا تزال احد اكثر العناصر تضررا اثر سياسات التخطيط والهدم والتهجير التي منعت عنها إمكانية إعانة بيتها اقتصاديا وذلك بسبب تضييق وتقليص مساحات الأرض المعدة لتربية الدواجن والمواشي من ناحية ، ومنعت عنها ايضا الحق في السكن بأمان على ارضها ومع اسرتها، وعليه فهي لن تقف صامتة أو مكتوفة الأيدي بل ستحمل راية النضال وتقف مع رجال النقب جنبا إلى جنب على الرغم من العقبات الاجتماعية التي تحول أحيانا ضد ذلك.

و للنساء دور فعال مشارك في صمود أهالي النقب وفي مواجهة سياسة الهدم ، ولكن المرأة النقباوية وبحكم ما تتعرض له من الاذى الاجتماعي والنفسي والصحي نتيجة الهدم المستمر ، فهي بحاجة الى المزيد من الدعم والمساندة ، وذلك من خلال الوقوف الى جانبها وجانب اسرتها في هذه المحنة الكؤود ، بل وتخصيص برامج للدعم النفسي لها ولأطفالها في مثل هذه الظروف ، ومن الجدير بالذكر ان الكثير من المؤتمرات والنقاشات عقدت حول موضوع الهدم وتأثيره على المرأة النقباوية ، ولكن الغريب في الامر أن صاحبة الشأن لم تكن يوما مدعوة للحضور أو لإبداء رأيها واسماع صوتها في مثل هذه اللقاءات !!

المرأة النقباوية صخرة صامدة رغم شدة وهوج الامواج العاصفة من حولها ، ولكن هذا الصمود بحاجة الى التعزيز ، وهذه رسالة الى كل انسان داخل أو خارج النقب أن أنقذوا النقباويات ، انقذوا الجرح النازف منذ سنين..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]