تغيرت المعطيات العسكرية بين اسرائيل ولبنان بصورة جذرية منذ اكثر نحو عقد من الزمن، وتحديداً منذ عام 2006 وما بعده. لم يبق من التفوق الاسرائيلي في الميدان العسكري سوى سلاح الجو الذي يعتبر الاقوى في المنطقة، ولكنه بات اليوم موضع تساؤل حول قدرته في وضع حد لـ"حزب الله" وغيره من القوى التي تواجه اسرائيل، والقوى كما هو معلوم تختلف كلياً عن الجيوش.

في الحروب بين الدول، يعتبر التفوق الجوي ميزة اكثر من مهمة واساسية، لان الهدف من الحرب لا يكون احتلال الدولة الاخرى، بل اعلان هزيمتها فيما الحروب مع القوى العسكرية والمقاومة تهدف الى القضاء عليها وليس هزيمتها، لان الهزيمة تعني بعبارة اخرى اعادة تجميع القوى وعناصرها لبدء مرحلة جديدة.

هذا الواقع ينبطق تماماً على الحال بين "حزب الله" واسرائيل التي تبحث عن طريقة لمنع الحزب من النمو، فتستهدف بين الحين والاخر قوافل تضم قيادات ومسؤولين او اسلحة. ولكن الرأي العام الاسرائيلي، وحتى الخبراء العسكريون باتوا يطرحون السؤال: هل يكفي التفوق الجوي وحده لضرب "حزب الله" ووقف تهديده؟

الجواب البسيط الذي يعطيه هؤلاء هو: بالطبع لا، وهم يذهبون الى اعتبار اي ضربة جوية مهما كانت نتائجها، غير كافية للتأثير على الحزب. فضرب قوافل الاسلحة (بعضها بطبيعة الحال، وليس كلها)، لم يمنع وصول المئات من الصواريخ الى ترسانة الحزب بينها اسلحة نوعية (ومنها على سبيل المثال لا الحصر وفق معلومات غربية: سكود-دي المتطور، فاتح 110، ياخونت الروسي المضاد للسفن الحربية...)، كما ان اغتيال قياديين من الحزب لم يؤثر على هيكليته او على مسار انتشاره وعملياته.

وتدرك اسرائيل ان تهديداتها وسلاحها الجوي عنصران فاعلان ولكنهما غير كافيين لازاحة خطر "حزب الله"، لذلك باتت اليوم تسلك طريقاً آخر على امل الوصول الى شيء ما. ووفق ما هو ظاهر، فإن القيادة الاسرائيلية باتت تراهن على الاستياء العربي والخوف الكبير من الانتشار الشيعي، للدخول من هذا الباب ومحاولة فرض طوق على هذا الانتشار للحد منه. وقد زاد هذا القلق العربي-الاسرائيلي من خطر ايران–"حزب الله"، بعد الدور المؤثر للحزب في الاحداث السورية والعراقية من جهة، والتغلغل الايراني في الخليج (اليمن، البحرين...) من جهة ثانية والذي ادى الى الوصول الى الاتفاق النووي المنشود.

الخيار السياسي لن يسقط الحسابات العسكرية، ولكنه دليل على عدم رهان اسرائيل على هذا الخيار الا لتحسين المكاسب السياسية، على غرار ما حصل في تموز 2006. واذا ما قدر الدخول في مواجهة جديدة فإن الهدف لن يكون حتماً القضاء على "حزب الله" لانه امر غير ممكن، بل ايجاد طريقة لتشكيل رادع ما يطمئن اسرائيل من خطر الحزب الذي اصبح تهديداً اساسياً اكثر من التهديد الايراني المباشر. الا ان المشكلة في هذا الامر ستكون في الخسائر التي ستتكبدها اسرائيل ولبنان على حد سواء، وفيما اسرائيل لا تعبأ بالاجرام في حق لبنان لانها تمارسه، فإن همّها الوحيد هو كيفية تقبّل الاسرائيليين تغيير قواعد اللعبة ووصول الصواريخ الى كل منطقة اسرائيلية وازدياد حجم الاضرار المادية والبشرية، اضافة الى خطر الانفاق والكلام المتواصل عن وصول عناصر الحزب الى الداخل الاسرائيلي.

هذا السيناريو فيما لو حصل، سيقضي على اي سور وصورة بنتها اسرائيل على مدى العقود الاخيرة من الزمن، وستجعلها "ماردًا من ورق" سيتطاول عليه الجميع، وقد يدفع عرب اسرائيل الى الواجهة الميدانية بعد الواجهة السياسية التي تجسدت في الانتخابات الاخيرة.

افتراضات كثيرة وضعتها اسرائيل في حساباتها للقضاء على "حزب الله"، ولكنها باءت كلها بالفشل حتى الساعة، ويبقى الحل بالنسبة اليها تغيير الاستراتيجية العسكرية لتصبح عنصراً مساعداً بدل ان تكون العنصر الاساس، وانتظار المشروع الجديد المرسوم للمنطقة للتكيف مع الدور الذي سيحصل عليه كل فريق من الافرقاء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]