من يشفي قَلبَ مُهجرٍ سُلخ من قَلبِ قريته، واقتلع منها، تاركًا رغمًا عنه بيت عزه وأرضه ومكان مولده، باحثًا عن مأوى آمن، يستتر به هو وأهله، بعيدًا عن إرهاب اليهود الذين جاءوا لاحتلال وطنه، مدينته/ قريته، أرضه وبيته، لا دواء ولا شفاء، يُحَكم عليلاً اقتلع من أرضه ووطنه، وعبد أبو الشفا حالةٌ إنسانية مثل غيره من المهجرين الذين لجأوا بعيدًا عن قريتهم، بسبب الاحتلال الإسرائيلي لقريته سيرين الواقعة شمال قضاء بيسان، وهي إحدى قراه المهجرة.

تقع قرية سيرين المهجرة 17 كم شمال بيسان، في منطقة تفصل بين قضاء طبرية وبيسان، وكانت أراضيها خصبة كباقي أراضي فلسطين، صالحة لزراعة الزيتون والحبوب، وأصل كلمة سيرين بحسب المصادر الفلسطينية (سيرين تحريف لكلمة (سير) الارامية، وتعني القمة).

هُجرتْ القرية في السادس من نيسان 1948، على يد كتيبة جولاني، نزح سكان القرية خوفًا على أنفسهم ولحماية أرواح أبنائهم إلى البلدات المجاورة، فمنهم من بقي في البلاد، ومعظمهم نزح إلى الحدود الأردنية.

من سيرين إلى دبورية

لجأت عائلة عبد أبو الشفا، إلى قرية دبورية، وهو من سكانها، وتعود كنيته بـ " أبو الشفا"، نسبة إلى البلاد التي ينحدر منها " بلاد الشفا"- ( شفا الغور، التي يأتي خلفها غور الأردن كما أشار، وتفصل بين غور الأردن وفلسطين)، وهي المنطقة التي تحضن مجموعة من البلدات الفلسطينية المهجرة، حيث أشار خلال حديثه معنا، أن بلدات الشفا كثيرة، وقرية سيرين، سُميّت بـ بوابة الشفا، وكانت أكبر بلدات الشفا وتُعتبر العاصمة، لكُبر مساحتها وتعداد سكانها الكبير مقارنة مع باقي القرى التي كانت تحيط بها.

بلاد الشفا

ورث عبد ابو الشفا، النكبة من والديه، ومن كثرة حديثهما له عن القرية كيف كانت قبل التهجير، وعن الأحداث التي تزامنت مع النكبة وما تلاها، رُسخت في ذهنه القرية بالصورة التي وصفها له والديه، هذه الصورة، ومشاهد النكبة وما قبلها، يحدثها أبو الشفا لأبنه وبنته كما أشار لنا " بحذافيرها"، فهي حُفرت بوجدانه، وخلدها بذاكرة ولديه اللذين يرافقانه بشكل دائم خلال زيارته للقرية، أو خلال المشاركة السنوية لمسيرة العودة حيث التقينا به، بقرية الحدثة المجاورة لسيرين، والتي تبعد عنها (2 كم) حسب ما أشار لنا.

وتابع: " سيرين كان تعدادها بين 950-1000 نسمة، لو بقيت على حالها، لكانت اليوم قرية تستقطب حوالي 25 ألف نسم.

وعدد لنا أبو الشفا القرى الداخلة ضمن ما يُعرف ببلاد الشفا وهم: " سيرين وهي أكبرهم وتبعد عن مدينة بيسان حوالي 17 كم، والحدثة، التي تقع هي وسيرين بين قضاء بيسان وطبرية، ومن بين قرى بلاد الشفا، كفر سبت، وعُولم، معذر، البيرة، كوكب الهوا، وادي البيرة، والطيرة، ولوبية، وغيرها من القرى التي تم تهجيرها خلال العام 1948.

حق العودة..

وعن حق العودة، أكد أبو الشفا، أنه حقٌ لا يمحى، ومن لا يعترف به، فهو لا غير فلسطيني ولا يمثل فلسطين. وأكد نحن نطالب بحق عودة اللاجئين والمهجرين إلى قراهم.

الصغار لم ينسوا 

وعن مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون، قال إنها غير صحيحة، وتأكيدًا على ذلك، حين أشار على ابنه وبنته أنهما لن ينسيا قريتهما، لقد ورث الأبناء نكبة الأجداد، وهذه ذاكرة متوارثة، سيتذكرها أحفاده، مؤكدًا ( مثلما حدثني والدي عن النكبة، حدثت أبنائي، وأبنائي سيحدثون أبنائهم عن نكبة الشعب الفلسطيني، والأمر واجب علينا جميعًا).

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك 
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]