يعاني المجتمع العربي في البلاد من سياسات تمييزية عنصرية مختلفة، في شتى المجالات، ومن ضمن هذه السياسات العنصرية، بطبيعة الحال، سياسة الافقار، أو عدم تقديم الدعم الكافي، وفي السنوات الأخيرة تقوم جهات في الحكومة على نهج التفضيل المصحح، أن تقدم دعمًا خاصًا للمجتمع العربي، ضمن مشاريع بمجالات مختلفة، وأحد أبرز هذه المشاريع وأكثرها حصولًا على الميزانيات كان مشروع صندوق الاستثمار "البوادر" الذي أقيم عام 2010 وهو صندوق مخصص لدعم المشاريع والمبادرات العربية في مجال التكولوجيا "هاي تك" وفي مجال الصناعة التقليدية، مشروع أقيم برعاية الحكومة الاسرائيلية وتلقى الدعم من جهات مختلفة أبرزها وزير الأقليات وقتها أفيشاي بروفمان، مدير سلطة التطوير الاقتصادي بالمجتمع العربي التابعة لمكتب رئيس الحكومة، أيمن سيف، مدير سلطة التطوير الاقتصادي للأقليات ، ورئيس أكبر شركات رأس المال الاسرائيلية وأشهرها، شركة "بيتنغو"، حامي بيرس، نجل الرئيس الاسرائيلي السابق شمعون بيرس وغيرهم من الشخصيات والجهات المعروفة، حيث كان هدف المشروع وقتها أن يقدم الصندوق دعمًا لـ 20-30 مشروع أو شركة عربية في مجال التكنولوجيا أو في مجال الصناعة التقليدية عن طريق الاستثمار، وبذلك يساهم في تطوير اقتصاد المجتمع العربي وإدخال المبادرين العرب بقوة إلى السوق الاسرائيلية ومن ثم العالمية، من أجل خلق أماكن عمل جديدة وتقليص الفوارق الاقتصادية بين المجتمعين العربي واليهودي في البلاد.

عشرات الملايين

عند تأسيس "البوادر"، التزمت الحكومة باستثمار 80 مليون شيكل فيه وأن تجند مبلغًا شبيهًا من مصادر وصناديق داعمة، فيما بالمقابل على الصندوق أن يجد شركات أو مبادرات لديها "أفق" وإمكانية لأن تتطور، تستثمر بها على مدار 5 سنوات وتكمل الاستثمار على مدار خمس سنوات أخرى، وبالمقابل سيحصل الصندوق والمستثمرين فيه على نسبتهم من الأرباح وعلى الأموال التي تم استثمارها في وقت لاحق، أي بكلمات أخرى، مسار يقوم به العديد من صناديق الاستثمار في البلاد، ولكن المميز هذه المرة كان أنه فقط مخصص لمشاريع في المجتمع العربي.

شخصيات وأجسام عديدة دعمت "البوادر" مع تأسيسه، على رأسها، رئيس الدولة وقتها شمعون بيرس، والذي نظم آنذاك جولة رجال أعمال من السوق الاسرائيلية بهدف تطوير وزيادة الاستثمار بالمجتمع العربي، ووقتها قام قسم منهم بالاستثمار في "بوادر" بملايين الشواقل، كذلك تلقى "بوادر" آنذاك 97 مليون شيكل من عدة أطراف بينها بنك مركنتيل ديسكونت، ششركة هرئيل للبيتوح وغيرها، وعند تأسيس الصندوق كانت التصريحات وعنوانين الصحف الاقتصادية كلّها تشير أن المجتمع العربي وأخيرًا سيدخل بشكل رسمي بالسوق الاقتصادية الاسرائيلية حيث انطلقت الشركة مع التزامات مالية من الداعمين بمبلغ 177 مليون شيكل.

استثمروا بـ 50 مليون فقط .. ثلث الميزانية المخصصة

مع انطلاق الصندوق "البوادر"، كل شيء كان على ما يرام، والتوقعات كانت جدا عالية، ولكن بعد مرور خمس سنوات ما الذي حققه المشروع؟ سؤال تمت الإجابة عليه في تقرير أجرته "طالي حاروتي" في موقع "ذا ماركر" المختص بالأمور الاقتصادية مؤخرًا، جاء فيه أن الأعوام الخمس انتهت في شهر آذار الأخيرة حيث انتهت فترة الاستثمارات ويتضح أن الصندوق الذي كان هدفه الاستثمار بـ 20-30 شركة من المجالين، التكنولوجي والتقليدي، استثمر فقط بـ 8 شركات، كلها من المجال التكنولوجي بلا أي استثمار في مجال الصناعة التقليدية، وأن الأموال التي استثمرها الصندوق بلغت فقط 50 مليون شيكل، أي أقل من ثلث المبلغ الذي جمعه الصندوق من المستثمرين والحكومة، وأن 2.5% من الأموال سنويًا خصصت كرسوم إدارية في الصندوق أي نحو 22.5 مليون شيكل خلال السنوات الخمس، أي تقريبًا ما يعادل نصف المبلغ الذي استثمره الصندوق في الشركات الثمانية التي دعمها.

مليون شيكل ذهبت للرسوم الإدارية والتي تضم أجور الموظفين والمختصين، إيجار المكاتب في الناصرة والعمل المهني الذي احتاج بنى تحتية وتخطيط، والذي تخلل المقابلات مع مئات المبادرين وفحص امكانياتهم ومشاريعهم، علمًا بأن نصف المبلغ (22.5 مليون) خصص لشركة "بيتنغو" التي تملك 50 من أسهم إدارة الصندوق، وللمدير المشارك جيمي ليفي الذي يملك 37.5% من أسهم إدارة الصندوق.

300 مبادر فقط في أول عام .. وبعد مرور 5 أعوام .. فقط استثمروا بـ 8 مشاريع!

في العام الأول لتأسيس الصندوق "البوادر" توجه نحو 300 مبادر ولكن لم يتم الاستثمار في مبادرة أي منهم، في عام 2011 استثمر بمبادرتين، في عام 2012 استثمر بخمس مبادرات أخرى وفي العامين 2013-2014 لم يتم الاستثمار بأي مشروع وفي عام 2015 تم الاستثمار بمشروع واحد فقط، وقد انتهت فترة الاستثمار قبل شهرين إلّا أنه وبعد طلب من إدارة الصندوق تم تمديدها حتى نهاية العام، علما بأن قسم من هذه المشاريع الثمانية نجح وقسم آخر لم ينجح، رغم الاستثمار.

شروط غير مقبولة

العديد من المبادرين العرب في منطقة الناصرة عبروا بشدة عن استيائهم من الصندوق حيث أنهم لم يقدموا الدعم الكافي، ويقول المحامي ومدقق الحسابات، طارق بشير والذي رافق عدد من الشركات بالمفاوضات مع "البوادر" قال :" في البداية كان الاقتراح أن يقام صندوقين بنفس القدرة المالية بهدف المنافسة، ولكن هذا لم يحصل فاحتكر "البوادر" صندوق بوادر الأمر، وبذلك استطاع أن يضع الشروط التي أرادها، وقد عرفوا ان بعض هذه الشروط لا تلائم أوضاع الشركات العربية والتي تم تأسيس الصندوق بالأساس من أجلها، فقط طلبوا نسبة عالية من الأرباح ومن الملكية، وأرادوا التدخل بشكل كبير بأمور الشركة والسيطرة على الإدارة، ربما هكذا الأمور تسير بشكل عام ولكن يبدو أنه لم يكن مناسبًا للشركات والمبادرين العرب، فمثلا أن يكون استثمار الصندوق فقط 30% من أسهم الشركة ويريد الصندوق أن يكون صاحب القرار بالأمور الإدارية الأساسية.

وقال بشير أيضًا : وهنالك أمور أخرى تسببت بخلاف كبير بين الصندوق والشركات، مثل تحديد قيمة الشركة، فالقيمة التي كان يحددها الصندوق أقل بكثير من القيمة التي كان يدّعيها صاحب الشركة.

وعن الفشل في دعم أي شركة من شركات الصناعات التقليدية قال حبيب حزان ، وهو من مؤسسي البوادر وقد ترك الإدارة عام 2013، أنه كان هنالك توجهات للعديد من الشركات التي تبلغ مدخولاتها السنوية نحو 100 مليون شيكل، ولكن كلها شركات تملكها عائلات وترفض التدخل بالأمور الإدارية الأساسية وبالتالي ترفض أن يستمر بداخلها صندوق خارجي.

بيرس لا يرى أي فشل .. بل نجاح

رئيس الصندوق، حيمي بيرس يقول أنه لا يرى بهذه النتائج فشل، بل هو جزء من النجاح، حيث تم الاكتشاف بأن هنالك مبادرين شباب في المجتمع العربي، وأن جزء من الاهداف تحققت والأمر يحتاج لوقت حتى يظهر مدى نجاحه أو فشله.

بالنسبة لداعمي المشروع وبشكل خاص الحكومة، يقول أيمن سيف، مدير سلطة التطوير الاقتصادي أنه يرى بالموضوع نجاحًا، بأنه تم ادخال نوع جديد من الفكر الاقتصادي بالمجتمع عن طريق دعم المشاريع من صندوق استثماري خاص ويرى أن الحكومة لن تتدخل في طريقة عمل الصندوق.

ويبقى السؤال، الآن إذا توجهنا للحكومة بأن تدعم المصالح العربي، ستقول أنها خصصت واستطاعت جلب 180 مليون شيكل من أجل المشاريع التكنلوجية والصناعة التقليدية أيضًا، وبالمقابل، فقط ثلث هذه الأموال تم استعمالها، فأين الخلل ؟ ولما على المجتمع المليء بالمبادرين أن يدفع الثمن ؟ .. انتظرونا بتقرير مفصل مع بعض المبادرين الذين حاولوا الحصول على الدعم .. وفشلوا بذلك.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]