المجيدل قرية فلسطينية من قضاء الناصرة، تقع في الجليل الأسفل على الطريق الرئيسي المؤدي إلى حيفا. طالتها يد التهجير شأنها بذلك شأن غالبية قرانا الفلسطينية.وقد صنفت المجيدل حسب تعدادها السكاني كثالثة كبرى القرى في قضاء الناصرة. بلغ عدد سكانها قبل عام النكبة ما يقارب 1900 نسمة يتألفون من : 1640 مسلما و 260 مسيحيا.كان فيها مدرستان ابتدائيتان: واحدة للبنين وأخرى للذكور.

النكبة والتهجير

ما بين 14-15 تموز /يوليو 1948، تم تهجير سكان القرية بشكل قسري في أثناء المرحلة الثانية من عملية ديكل، وذلك مع تركيز المنظمات الصهيونية على تطويق الناصرة.حيث توجهت كتيبة مدرعة من اللواء السابع" شيفع" وكتيبتا مشاة من اللواء "كرميلي " نحو الجنوب الشرقي من شفا عمرو لاحتلال صفورية ، وقد استمرت هذه الكتائب في التقدم نحو الجنوب الشرقي فهاجمت الناصرة واحتلتها. أما قريتا معلول والمجيدل ، فقد إحتلتها وحدة خاصة من لواء جولاني.

ومن تداعيات التهجير يتذكر نجل الشاعر عزالدين فرحان سلام وهو من مواليد قرية المجيدل ويقيم الاّن في أبو ظبي،ما حدث في القرية فيقول: "ما إن صدر قرار تقسيم فلسطين في تشرين الثاني من عام 1947، حتى كانت العصابات الصهيونية على أتم الاستعداد للانقضاض على بلادنا، فأخذت تروّع القرى والبلدات والمدن، وارتكبت بحق الشعب الفلسطيني أبشع المجازر التي من أهمها مجزرة دير ياسين التي وقعت في نيسان عام 1948.

بعد سقوط القرية ، نزح السكان إلى الناصرة وقد وصلوا إليها حيث سكن البعض عند أقربائهم والبعض الاّخر استأجروا غرفا وبيوتا، أما الغالبية فقد لجأت للأديرة والكنائس ". وقد روي أن نحو 1200 لاجئ نزحوا إلى الناصرة بحلول نهاية تموز/يوليو 1948.

الحاج فرحان سلام ومرثاة فلسطين

من بين الأشخاص الذين هُجروا عن القرية وتركوا البلاد ، الشاعر الشعبي الحاج فرحان سلام والذي لجأ بعدها إلى سوريا وسكن في مدينة دمشق- حي الميدان.

ولد الشاعر الحاج فرحان سلام في قرية المجيدل،بداية الحرب الكونية الأولى تلقى تعليمه في مدرسة الراهبات في القرية. في عام 1932 عمل في سلك البوليس الفلسطيني وعند اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، كان أحد المشاركين فيها، ليس بشعره فحسب بل بجسده أيضا لذا أطلق عليه لقب "ثائر وشاعر" شأنه بذلك شأن جميع الشعراء الشعبيين الذي رأوا في الدفاع عن فلسطين قبل الضياع مهمة قومية من الدرجة الأولى.
في عام 1940-1944 نفي إلى الأردن بسبب قصائده الشعبية التي مجدت الثوار والثورة وبسبب علاقاته مع بعض الشخصيات الوطنية في ذلك الحين مثل رشيد الحاج إبراهيم - رئيس الجمعية الإسلامية المسيحية في حيفا. والحاج أمين الحسيني- رئيس اللجنة العربية العليا وغيرهم. بعدها عاد إلى البلاد وبقي فيها حتى عام النكبة- 1948.

صفاته:

كان الحاج فرحان طويل القامة ممتلئاً (جهاماً) يعتز بلبسه الفلسطيني القمباز وبعباءته البنية وحطته البيضاء وعقاله . كان فخورا بنفسه جدا وعندما كان يحيي حفلات الأعراس ( الحداء – نوع من أنواع الغناء الشعبي) كان يركب الخيل وهي صفة من صفات الشعراء الشعبيين التي امتازوا بها في منطقة الجليل قبل النكبة.

أشعاره الشعبية:

امتازت أشعار فرحان سلام وغالبيتها من النوع الشروقي بالحماسة وقد دعا من خلالها إلى دحر الاستعمار البريطاني وتنديد بالحركة الصهيونية . ورغم أن فرحان سلام من الشعراء الشعبيين ، إلا أن صيته ذاع كشاعر وثائر. كون أشعاره تركت أثرا واسعا في النفسية والعقلية الشعبية الفلسطينية ، وحضورا واسعا في مجمل أرجاء فلسطين.

ومن المناسبات التي شارك فيها فرحان سلام إبان الحرب العالمية الثانية وبحضور حاكم الناصرة العسكري. مساجلة شعرية بين أربعة من شعراء فلسطين الشعبيين وهم: حسب الترتيب:

فرحان سلام - من لمجيدل .
مصطفى الحطيني - من حطين .
محمد الاسدي - من دير الاسد.
توفيق الريناوي - من الرينة .

حيث يشير الكاتب محمد بصول نجل الشاعر توفيق الريناوي (أبو الأمين.) في كتابه " فارس الشعر- أبو الأمين": أن الأربعة اشتركوا في عرس أقيم في مدينة الناصرة إبان الحرب العالمية الثانية ورغم حالة الحرب بين ألمانيا والحلفاء.وأن المفتي الحاج أمين الحسيني ألتصق اسمه بالألمان نكاية بالانجليز الذين لم يبخلوا ولم يتورعوا عن استعمال كل الموبقات ضد العرب في كل زمان ومكان. إلا أن أصحاب العرس أصروا على إقامة العرس ودعوة الشعراء الشعبين. وكان من بين المدعوين للحفل الحاكم العسكري الانجليزي .

وقد طلب صاحب العرس من الشعراء أن يمجدوا بدور الحاج أمين الحسيني بان يقول كل واحد منهم شطرة من الشعر تتضمن اسم مفتي العرب الحاج أمين الحسيني.

فوقف الحاج فرحان وقال:
أيا مفتي العروبة وين حليت – مشاكل قاسية للعرب حليت.
ولما في قصر برلين حليت – فيك بتفتخر كل العرب.

ثم جاء دور الحطيني فقال:
أيا مفتي العروبة إشتد متنا – بوجودك نعتلي من فوق متناَ
وأيا مفتي العروبة إن كان ُمتنا – نحن برواحنا نفدي التراب.
ثم جاء دور أبي السعود فقال:
أيا مفتي العرب وين هديت – بروح العالية للغرب هديت
ولما عا قصر برلين هديت – تحيا وتدوم يا مفتي العرب.

ثم جاء دور أبي الأمين فقال:

أيا مفتي العروبة إن كنت عليت – حما في صدر إدوارد ( ملك بريطانيا) عليت
مقامات العرب بالكون عليت – نموت وفليعيش مفتي العرب .

تقطعت الأوصال وتفرق الشعراء فغادر البلاد من غادرها وبقي من بقي إلا أن حالة التطهير العرقي والتهجير ألمت بشعبنا الفلسطيني .وانتهى معها عصر شعراء كانوا يحيون الأفراح والأعراس الفلسطينية. ليصبحوا مهجرين يشكون واقعهم المرير من خلال قصائدهم الشروقية الحزينة والتي تحاكي واقع النكبة والتهجير.

ومن القصائد التي نظمها الشاعر الحاج فرحان سلام وذاع صيتها قبل أكثر من عشرة عقود قصيدة مرثاة فلسطين والتي ندد من خلالها بوعد بلفورالمشئوم وظلم الغرب. والتي مطلعها:
نادي بإسم الإله الواحد الديان
من ذكر هذا الاسم فروا الشياطينا
بمهد عيسى وإسرا النبي العدنان
من ظلمك يا غرب فجرت براكينا
يا غرب بعد التجارب آن للثملان
أن يصحى ويفهم الخمرة من الكينا
يا آل ثروكهوب يا نائب السلطان
إعرفت أوجاعنا وماذا يشفينا
خبر ملوكك والوزراء والأعيان
بلغو لبلفور وعداً جاء يفنينا
إن كان بلفور يجهل قيمة الأوطان
نحنا بأرواحنا نفدي أراضينا
كم من لجنة يا غرب حققت بالأوطان
تسمع شكاوى الأعادي مع شكاوينا
تقاريرهم أهلمت بأي شرع كان
لولا الدراهم واشتيرن وصهيونا
يا غرب نحن عرب من نسل قحطان
تاريخنا بعلمك أحوال ماضينا
نطرب لصوت الموازر في رحي الميدان
كصوت فاطر (ربابة) بها شاعر يلبينا
يا مسجد الأقصى افرح لا تكن حزنان
لبيك لبيك عند الضيق نادينا
حولك تلاقي بواسل للقا شجعان يسقوا إلى القوم زقوماً وغسلينا
يا صخرة القدس كوني في رضا وأمان
وإن هجرناك إلى الرحمن اشكينا
كنيسة المهد من كان بك طمعان
حولك تلاقي النصارى والمسلمينا
مجمع حماك أسد لا تقبل الخذلان
لا يباتوا على الضيم يحموا الميادينا
واختم كلامي باسم طه النبي العدنان
بلفور سقط وعدك حيث تآخينا

في شهر كانون أول من عام 1999 توفي الحاج فرحان سلام في إمارة أبو ظبي وفيها دفن . تاركا وراءه أكثر من 45 حفيد وحفيدة. يعيشون كلهم في الشتات . كان حلمه أن يعود إلى أرض الوطن وأن يدفن في ظل شجرة زيتون رومية من زيتونات المجيدل . لكن يبدو أن سنوات الانتظار طالت لياليها وأن حلم العودة قد تبدد في الشتات بعد أن سلم شاعرنا روحه إلى باريها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]