إنها رحلة الماضي والآتي، حلمٌ عاشته سنواتٍ طوال، منذ أن عرفت هويتها الحقيقية "فلسطينية"، جذور والديها من عكا والبصّة، الفلسطينيتين، اللتين ترسختا في البال ذكرىً وحنين إلى ماضٍ جميل عاشه الأهلُ قبل اغترابهم في وطنٍ لا يُسمى فلسطين.

في منتصف أيار، وصلت نهاية سخنين أبو ريا العبد الله، إلى وطن الآباء والأجداد وأبناء العم، الذين أمدّ الله بعمرهم، كي يحتضنوا قريبتهم، التي جاءت في رحلةٍ تُشبه المغامرة، لأول مرّة تزور بلادٍ تحكي جميع الإذاعات والحكومات عنها، وتربطها بها مشاعر عميقة، لكنّها لا تستطيع تفسيرها، لكنّها في زيارتها الأولى لفلسطين، عرفت ابنة العمل نهاية، معنى الوطن في ظل الأهلِ وأبناء العم والأحبّة.

عن مشاعرها التي تغص في القلب حين تعود بها الذاكرة إلى اللقاء التاريخي، في مطار بن غوريون، حيثُ استقبلها أبناءُ أعمامها، وابنة عمها في أرض المطار، فشعرت، كما وصفت "قلبي يكاد يقفز من مكانه" فرحًا بهذا الحدث الكبير.

ونهاية سخنيني أبو ريا العبد الله، كما يحلو لها أن تكرر الأسم المطوّل اعتزازًا بانتمائها، حدثتني عن قرار والديها وأهل والدتها باللجوء إلى لبنان والاستقرار في بيروت هروبًا من نكبة العام 1948، وولدت نهاية بعد مرور عامٍ على النكبة، ولدت في لبنان، وخرجت العائلة إلى الكويت في العام 1975، ومن ثم الهجرة إلى كندا عام 1989، بهدف تأمين مستقبل الأبناء الثلاثة والإبنة مي، وجاءَ قرار الهجرة بهدف الحصول على جنسية، لأنّ العائلة طوال حياتها تُعامل على أنها عائلة لاجئين فلسطينيين في لبنان، يملكون هوية لاجئ، ولا يمكنهم العمل في لبنان أو أي مكان بسبب وثيقة لجوئهم، وصارَ لزامًا على العائلة تأمين حياة الأولاد وتعليمهم، وكبروا في كندا، رحل الوالد قبل عشرة أعوام، لكنّ حياتهم في كندا سجلت 26 عامًا من الاستقرار.

• عن الأبناء:

- ابني الكبير 36، مازن ، مهندس ومهندس ديكور.
- ابني الثاني ماهر ، يعمل برامج في الكمبيوتر.
- ابني الثالث مهند في الاتصالات يعمل مع شركة هاتف بالإدارة.
- ابنتي مي تعمل في المحاماة.

• في زيارة أبناء العم بسخنين

شاءت الظروف أن تزور ابنة نهاية (مي) صديقة لها في الناصرة، فأوصتها الوالدة بالبحث عن أبناء عمها في سخنين وهم من عائلة أبو ريا، وحسنًا فعلت مي، بزيارتهم، ونقلت مشاعرها والتسجيلات المصوّرة والفوتوغرافية إلى الوالدة، التي زادت حماسًا ورغبةً في زيارة الأهل في فلسطين.

وفي صيف 2014، قرّرت نهاية أن تزور عائلة ابناء عمها مع شقيقتها التي تقيم معها في كندا، لكن بسبب الحرب على غزة، توقّفت السفرية.

هذا العام زاد حنين نهاية، حدًا لا يمكن معه ألا تنفذ رغبتها بالتقاء عائلتها، وصلت إلى أرضِ المطار، ومنذ اللحظة الأولى التي رأت فيها أبناء عمها (لطفي) والحاجة المسنّة ابنة عمها، وإذا بالقلب يكاد يتوقف عن الخفقان من شدة التأثُر وانطلاق المشاعر التي صار من الصعب ترك المكان دون أن تبكي الزائرة والمضيفين.

تقول نهاية: "كأنني أعرفهم وتربيت بينهم، شعورٌ غريب لا يوصف، أردتُ احتضانهم وفي قلب حبٌ جارف حقيقي، نابع من القلب وتمنيته أن يصل إلى القلب، ولعله وصل، بسبب الحب الكبير والاحتضان والمشاعر التي منحوني اياها طوال رحلتي القصيرة.

عن حياة عائلة سخنيني أبو ريا العبد الله تقول نهاية: "كان أبي، محمد علي، يعمل مدير مدرسة عام 1948، وحين اندلعت الحرب، وصارت الحياة صعبة، قرر والدي وعائلته وعائلة أمي ترك عكا، انتقلوا إلى سخنين، لكنّهم لم يشعروا براحة في المكان، فخرجوا إلى لبنان، أبي رفض العودة، لكن احد أبناء عمي وأحد أعمامي أعيدا بالقوة من لبنان. ولوالدي أقيمت جنازة رسمية في بيت الأشقاء (أعمامي)، في بلدة سخنين.

"لم يحدثني والدي تفاصيل عن التهجير، أعرف أنهم كانوا خائفون ورفضوا العودة للبلاد، وأصبحت الحياة صعبة بالنسبة لهم هنا، فقرروا الاسترار في وطن آخر يشعرون أنهم غرباء فيه، لكن الأيّام مرّت بسرعة".

وفي سؤال حول شعورها بالغربة في لبنان قالت (أم مازن)، نحنُ كعائلة لم نشعر بذلك، لأننا سكنّا في بيروت، في المدينة، لم نعش تجربة المخيمات والحصار الذي لا يزال مفروضًا عليهم، حياتهم لم تزل صعبة، ممنوعون من الحصول على عمل، ومن تصليح بيوتهم، وإدخال مواد بناء، محاصرون ليلاً ونهار، لكنهم لا يزالون يحلمون بالعودة، ولم يزل كبارهم يحملون مفاتيح بيوتهم".

في أي بلدٍ/وطنٍ شعرتِ أنك لاجئة؟! لبنان أم الكويت أم كندا؟!

"لم أشعر بهذا، شعرته فقط عندما كنت أنوي العمل في لبنان أو الخروج إلى بلدٍ آخر، شعرتُ بذلك عندما أردتُ السفر إلى تشعرين بذلك عندما تنوين العمل في لبنان أو تخرجي لأي مكان آخر، شعرت بذلك عندما نويتُ السفر إلى الأردن، لكنّ وثيقة اللجوء حرمتني من هذه الفرصة، وكنت ممنوع من السفر إلى الخليج لأنني لاجئة فلسطينية، وممنوعة من العمل، إلا إذا قدّم أنني إذا أردت السفر إلى اب العمل إجازة عمل للفلسطيني، كي يعيش، أنا عملتُ كسكرتيرة إدارية في مكتب التوظيف التابع للشركة، لكنني بدون المُشغِل ما كُنتُ أحصل على مهنة".

أما في الكويت، فقد تركنا البلاد، وانطلقنا إلى كندا، وصار وطن الأبناء، ومُستقرهم.

كيف كان شعورك لحظة مهبطك في المطار؟!

"كنتُ قلقة، وأمضيتُ أسبوعًا قبل ذلك دبلا نوم، كنتُ أقول لنفسي: "صحيح أنني ذاهبة، لكن ما الذي سينتظرني؟ لدي لوحة سوداء، لا أعرف البلد والأهل، تفاجأت (يخزي العين) بعددهم، سألتُ نفسي بسرعة: أكل هؤلاء عائلتي بينما أعيش طوال حياتي وحيدة؟! لا أستطيع أن أتصور هذا. لكن لحظت اللقاء تغيرت مشاعري، امتلأت بالحب والدفء والحنين، مشهد بكاء ابنة عمي لا تفارقني، مع شعور بالفرح الممزوج بالحنين والعواطف، ناهيكِ عن رحلة العمر في طبيعة فلسطين، وطن الوالدين والأشقاء. كنتُ أكبر باسم الله حول مشاهد فلسطين، من شمالها إلى القدس ورام الله والجولان، عكا وحيفا ويافا، طبريا، "الوطنُ الجنّة".

شعرتُ بانتمائي للعائلة، وكيف أنني عشتُ في غربة طوال الوقت، لكن مجرد زيارتي للوطن ملأتني حنينًا ومشاعرًا لا توصف".

• هل تشعرين أنكِ حققتِ أمنية والديكِ؟

بل هي امنية حياتي أنا، منذ كنت صغيرة، وأنا أتساءل كيف سيكون هذا الوطن الذي يسمى فلسطين. وها أنذا أحقق حلمي ورحلة عمري، تجولت في العالم، لكنني في فلسطين شعرتُ بسعادة ما مثلها سعادة، إنها أسعد أيام حياتي التي قضيتها في ربوع الوطن الجميل وبين الأهل الطيبين إنها أسعد أيام حياتي في سخنين قلب فلسطين.

• كيف كانت زيارتك لعكا؟

"كانت زيارة مميزة، لأنها بلد والدتي رحمها الله، كما زرت البصة، لأنّ زوجي رحمه الله من البصة، أحببت أن أراها وأعرّف أبنائي على بلد والدهم، شعرتُ بالحب في سخنين، وفي عكا والبصة، لأنني لمستُ فلسطين عن قرب".

• ماذا تقولين قبل الوداع؟!

"شعرتُ أنني في وطني، بيت أهلي، بيت جدي، أمي في عكا، بلد زوجي، رأيتُ البصّة المهدّمة، رأيتُ الوطن، وأتمنى العودة إليها قريبًا، لكن أترك أهلي بعد أن وجدتهم في رحلةٍ طويلة مريرة من بيروت إلى الكويت إلى كندا ومن ثم إلى الأسمى في نظري "وطني آبائي وأجدادي" فلسطين".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]