في هذه الأيّام، يُعتبر عمر البرغوثي من أشهر الأسماء المتداولة في السياسة الإسرائيليّة. المسؤولون الحكوميّون الإسرائيليّون يزجّون باسْم هذا الناشط الفلسطينيّ في مجال حقوق الإنسان وأحد أهم مؤسسي حركة بي. دي. إس (حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها -في ما يلي: "حركة المقاطعة")، أو BDS بالأحرف اللاتينية، في خانة واحدة مع إيران. ما هي درجة خطورة “التهديد”؟ صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الأكثر انتشارًا في إسرائيل أفردت خبرًا مركزيًّا تصدّر جزءًا من صفحتها الأولى للتحدّث عن هذا الرجل، وأطلقت عليه اللقب "عمر الانفجاري" ( عبر تلاعب لفظي). لكن إذا كان عمر البرغوثي هذا وحركة المقاطعة التي يشارك في قيادتها يقضّان مضاجع الساسة ووسائل الإعلام في إسرائيل، ويدخلانهما في حالة من الهلع والهستيريا، فلا مناص من أن يفترض المرء أنّ ما يقوما به هو عين الصواب.

"هل هذا هو عصر الرنسانس لحركة المقاطعة؟" -أطرح عليه هذا السؤال عبر الهاتف. يضحك عمر ملء فيه ويخبرني أنّ القادم أعظم.

على الرغم من ذلك، يرفض البرغوثي ابن الخمسين الردّ على الاتّهامات المنسوبة إليه من قبل "الصحافة الصهيونية"- حد تعبيره، ويواصل في مقاطعته للإعلام الإسرائيليّ لكونه بمعظمه مجرد "أداة دعائية وغير مهنية في يد النظام الاستعماري والعنصري" كما قال لي. كان لهُويّتي الفلسطينيّة دَوْر في استعداده لإجراء هذه المقابلة النادرة، لكنّه اشترط أن تُنشر باللغة العربيّة على موقع "بكرا" الفلسطينيّ، على الرغم من نقلها هنا بالإنجليزيّة (في مجلّة+972 )، وبالعبريّة على موقع "سِيحاه مكوميت" ("محادثة محلّيّة") حيث أعمل مدوِّنًا. تلك مناهَضة موحَّدة للصهيونيّة باللغات الثلاث في أفضل حالاتها.

يتحدّث البرغوثي عن اختياره عدم التحدّث مع الإعلام الإسرائيليّ، وعن المنطق الكامن من وراء الدعوة العامّة للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل: "في جميع حالات القمع الاضطهاد المتواصل، تنادي مجموعات حقوق الإنسان باتّخاذ إجراءات عقابيّة ضدّ الدولة ومؤسّساتها، ولا تكتفي بمكوِّن واحد فيها يرتبط على نحو مباشر بالظلم الذي نتحدّث عنه. لم نسمع عن دعوة لمقاطعة الشركات السودانيّة، مثلاً، التي تنتج بضائعها في دارفور كردّ فعل على جرائم الحرب التي يقترفها النظام السودانيّ هناك. السودان بمجْمَلها كانت هي المستهدَفة من الدول الغربية.

"قال القسّ ديزموند توتو مرّة إنّ الغرب قد وضع إسرائيل على منصة عالية، ويتعامل معها على أنّها فوق القانون الدوليّ. تعمل حركة المقاطعة على إنهاء هذه الحالة الاستثنائيّة الإسرائيليّة، وإنهاء إفلات هذه الدولة من المحاسبة الجنائيّة. يجب التعامل مع إسرائيل كغيرها من الدول التي ترتكب جرائم فظيعة مماثلة"- أضاف.

الإنطلاقة ....

ويقول البرغوثي إنّ حركة المقاطعة BDS قد انطلقت في التاسع من حزيران من العام 2005، إثر توجيه نداء مفتوح إلى منظّمات المجتمع المدنيّ الدوليّ وأصحاب الضمائر الحيّة في العالم لمقاطعة إسرائيل من قِبل أوسع تحالف فلسطيني في الوطن والشتات. ضمّ هذا التحالف أكثر من 170 هيئة فلسطينيّة مدنيّة فاعلة ضمّت أحزابًا ونقابات عمّاليّة، واتحادات شعبية والأطر المممثلة للاجئين وشبكات المنظّمات غير الحكوميّة وغيرها. يضيف البرغوثي إنّ الدعوة تضمّنت مناشَدة لـِ "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، على غرار ما حصل في جنوب أفريقيا في حقبة الأبارتهايد". ويضيف قائلاً: "في هذه الأيّام يقود حركةَ المقاطعة BDS العالمية تحالفٌ واسع داخل المجتمع الفلسطينيّ – اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل(BNC) " .

تدعو "حركة المقاطعة" إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي الفلسطينيّة والعربيّة المحتلّة منذ العام 1967، بما في ذلك إزالة جدار الفصل والضم والمستعمرات؛ وإزالة نظام الفصل العنصريّ (الأبارتهايد) الإسرائيليّ ضدّ المواطنين الفلسطينيّين في أراضي 1948؛ واحترام حقّ اللاجئين الفلسطينيّين في العودة إلى ديارهم (بحسب قرار الأمم المتّحدة ذي الرقم 194).

ويضيف البرغوثي: "إن هذه الحقوق الأساسية الثلاثة تخاطب مكوِّنات الشعب الفلسطينيّ الثلاثة الرئيسيّة: سكّان قطاع غزّة والضفّة الغربيّة (وبضمنهم سكّان القدس الشرقيّة)؛ وسكّان أراضي العام 48 الذين يعانون من الأبارتهايد الإسرائيليّ؛ وفلسطينيّو الشتات". ويقول البرغوثي إنّ هذه المبادئ، وهي الحد الأدنى لممارسة الحق في تقرير المصير، تشكّل ركيزة لأيّ حلّ عادل للقضيّة الفلسطينيّة، بغضّ النظر عن الشكل النهائيّ الذي سيتّخذه هذا الحل. فحركة المقاطعة لا تتبنى أي موقف تجاه شكل الحل، طالما شمل هذه الحقوق الثلاثة بالحد الأدنى.

الأداة التي اختارتها أطر المجتمع الفلسطينيّ (وعددها يفوق 170)، في نضالها للمطالَبة بهذه الحقوق وضدّ نظام الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيليّ، ترتكز على خطاب حقوق الإنسان والقانون الدولي وعلى النضال الشعبي السلمي، على عكس طبيعة الاحتلال العنيفة. لهذا السبب على الأقلّ، ثمّة أهمّيّة للاستماع إلى أقوال البرغوثي وفهمها.

حصدت حركتكم نجاحات كبيرة في الآونة الأخيرة. المثالان الأكثر بروزًا من الفترة الأخيرة هما قيام لورين هيل بإلغاء حفلها الموسيقيّ في إسرائيل، وتهديد شركة "أورانج" العالميّة بسحب علامتها التجاريّة من البلاد. حدّثنا عن قصص نجاح أخرى لم تَلْقَ تغطية إعلاميّة كبيرة مماثلة؟

"صندوق التقاعد الهولنديّ العملاق (PGGM)، الذي تقترب استثماراته الدوليّة من 200 مليار دولار، قرّر في السنة الماضية سحب استثماراته من المصارف الإسرائيليّة الخمسة الكبرى بسبب تورّطها في تمويل الاحتلال. تلا ذلك قرارٌ من قِبل الكنيسة المشيخيّة البروتستانتيّة الأمريكيّة بسحب استثماراتها من شركة كاتربلر، وإتش. بي، وموتورولا سولوشينز؛ وذلك بسبب تورّط هذه الشركات في مشاريع الاحتلال، وسحب بيل غيتس لاستثماراته في شركة الأمن الأكبر في العالم G4S ، المتورّطة في جرائم إسرائيليّة ضدّ الشعب الفلسطينيّ. تقطف "حركة المقاطعة" المزيد من النجاحات في مجال فضح طبيعة إسرائيل كنظام احتلالي واستعماري وعنصري.

اختار عدد من نشطاء حركة المقاطعة مقاطعة إسرائيل بالكامل، وعدم الاكتفاء بمقاطعة الشركات أو الاجسام التي تجني الأرباح المباشرة من الاحتلال. كيف تفسّر هذا الأمر؟

"الفصل المصطنع وغير المبرّر " بين إسرائيل وَ "الاحتلال" يحمل طبيعة سياسيّة وأيديولوجيّة؛ ولا يرتكز على اعتبارات عمليّة وقانونيّة وأخلاقيّة. إسرائيل هي الدولة التي يعتبرها القانون الدوليّ قوّة الاحتلال، وعليه فهي الجهة المسؤولة عن بناء وإدامة المستعمرات والجدار، وعن المنظومة الاحتلاليّة برمّتها. "إسرائيل تتحمّل المسؤوليّة أيضًاً عمّا أطلقت عليه وزارة الخارجيّة الأمريكيّة التمييز المؤسّساتيّ والقانونيّ والمجتمعيّ ضدّ مواطني إسرائيل الفلسطينيّين. هذه المنظومة تنضوي تحت تعريف الأمم المتّحدة لمفهوم الأبرتهايد .

ويقول البرغوثي إنّ التنكّر لحقّ العودة للاّجئين الفلسطينيّين هو أقسى أشكال الظلم الذي تمارسه إسرائيل. هؤلاء اللاجئون (ومن ضمنهم المهجرون داخلياً) الذين اقتُلعوا وهُجّروا من ديارهم في العام 1948 يشكّلون 68% من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ويحقّ لهم الحصول على حقهم الطبيعي المكفول في القانون الدولي يالعودة إلى ديارهم، أسوةً بغيرهم من اللاجئين حول العالم.

التهمة الأساسيّة التي توجَّه ضدّ "حركة المقاطعة" هي أنّها تتغذّى على "معاداة الساميّة". ما هو رأيك في هذا الادّعاء؟

إن حركة المقاطعة BDS هي حركة حقوق إنسان سلمية تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة للشعب الفلسطيني، على أساس القانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. بناء عليه، ترفض الحركة بشكل قاطع جميع أشكال التمييز والعنصرية، بما في ذلك معاداة السامية، كما ترفض عشرات القوانين الإسرائيلية العنصرية. لم يكن نضالنا يوماً ضد اليهود، بل ضد النظام الظالم الذي يستعبد شعبنا من خلال الاحتلال والفصل العنصري والحرمان من حقوق اللاجئين المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

الخلط بين المقاطعة ضد انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي من جهة والعنصرية المعادية لليهود من جهة أخرى ليس زائفاً فحسب، بل هو أيضاً محاولة عنصرية لوضع كل اليهود في سلة واحدة وإلى توريطهم في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين.

إن اتهام النظام الإسرائيلي لحركة المقاطعة BDS بالعنصرية هو كاتهام كو كلوكس كلان، الجماعة المتطرفة في عنصريتها ضد الأفارقة-الأمريكيين في الولايات المتحدة، لمارتن لوثر كينغ وروزا باركس بالعنصرية!

أخيراً، وكما اعترف رئيس الموساد الأسبق، شابتاي شافيت، في مقال في جريدة "هآرتس"، إسرائيل قلقة من تنامي تأييد الناشطين/ات والأكاديميين/ات اليهود في الغرب لحركة المقاطعة BDS، فهذا التأييد المبدئي، الذي نفخر به، ينفي محاولة النظام الإسرائيلي تصوير مقاطعة إسرائيل وكأنها شكلاً من أشكال معادة اليهود أو العنصرية ضدهم، فإسرائيل لا تمثل يهود العالم وعدد متزايد من هؤلاء لا يستطيع التوفيق بين مواقفه وقيمه الليبرالية والجرائم التي تقوم بها إسرائيل بحق شعبنا.

ما هي الآليّة التي تقومون بتبنّيها لتحديد الأفراد والمنظّمات والكيانات التي تستهدفونها؟ ما هي الخطوات العمليّة التي تتّخذونها بعد هذه المرحلة؟

"المعايير الثلاثة التي توصي اللجنةُ الوطنيّة الفلسطينيّة لمقاطعة إسرائيل بتبنّيها عند انتقاء الأهداف الإستراتيجيّة هي التالية: أوّلاً- درجة التواطؤ، أي التركيز على الشركات المتورطة على نحوٍ جليّ ومباشر وعميق في الانتهاكات الإسرائيليّة لحقوق الإنسان، مما يسهل تبرير مقاطعتها للجمهور العريض.

"ثانيًا، إمكانيّة خلق تحالفات بين الحركات المختلفة: منح الأولويّة للشركات أو المنتجات التي تمكّننا من خلق تحالفات نضاليّة واسعة مع نضالات الشعوب الأخرى. على سبيل المثال، ينخرط في الحملة لوقف التعاقدات مع شركة المياه الإسرائيليّة "مكوروت" طيف واسع من الحملات البيئيّة وتلك المناهضة لعمليّات الخصخصة. "أمّا المعيار الثالث، فهو احتمالات النجاح: ثمّة ضرورة للتأكد من توفر فرص واقعيّة لنجاح أي حملة مقاطعة أو سحب استثمار، وعدم الاكتفاء بزيادة الوعي. يتمثّل هذا النجاح -على سبيل المثال- في إقناع شركة أو مؤسسة دوليّة بالتوقّف عن دعم شركة إسرائيليّة تخالف القانون الدولي".

أجريتُ قبل عدّة أشهر نقاشًا مفتوحًا مع عمر البرغوثي أمام نحو 400 من فلسطينيي 48 في قرية عرعرة. في مرحلة معيّنة من النقاش، توجّهت إلى الجمهور وطلبت ممّن سمع عن "حركة المقاطعة" قبل هذا اليوم أن يرفع يده. عدد الذين رفعوا أيديهم لم يتجاوز العشرين. نظرت إلى البرغوثي ورأيت الابتسامة تعلو وجهه. لقد عرف السؤال الذي أعتزم طرحه عليه. ذكّرته الآن بتلك اللحظة!

يفسّر البرغوثي: "خلقت معاهدات أوسلو انشقاقًا خطيرًا، وحاولت سلخ الفلسطينيّين في أراضي 48 من الشعب الفلسطيني. وعلى العكس من ذلك، تشدّد "حركة المقاطعة" على أنّ من حقّ الفلسطينيّين ممارسة حقّ تقرير المصير كشعب واحد وموحّد، وعليه فهي تشدّد على حقوق الفلسطينيّين بمن فيهم فلسطينيّو 48. شاركت مجموعات هامة من داخل مناطق 48 في إطلاق "حركة المقاطعة" في العام 2005، لكن الحركة لم تعمل بما فيه الكفاية لتعزيز ورفع الوعي في تلك المنطقة".

"كذلك إنّ النضال لتحرير عقولنا من الاستعمار هو عمل شاقّ بالذات في أراضي 48؛ وذلك أنّ عمليّة "أسرلة" عقولنا أو استعمارها قد تجذّرت في العقود السبعة الماضية. جزء أساسيّ من العمل اليوميّ لـِ "حركة المقاطعة" هو تهشيم اليأس، وتغذية الأمل والاقتناع بأنّنا -نحن المضطهدون- قادرون على وضع حدّ للظلم والاضطهاد".

ارتفاع عدد الشركات التي قد تنسحب من إسرائيل في السنوات القريبة نتيجة مساعي "حركة المقاطعة"، يُعتبر نجاحًا للحركة. على الرغم من ذلك، ماذا تقول للمواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل الذين قد يعانون من البطالة، أو قد تلحق بهم أضرار اقتصاديّة أخرى نتيجة خروج شركات دوليّة من السوق الإسرائيليّة؟

"نظام الاضطهاد الإسرائيليّ هو المسؤول عن هذا الأمر، وعن جميع عواقب مقاومة الاضطهاد، ولا يجوز إلقاء اللوم في ذلك على من يقاومون الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصريّ. هؤلاء الذين يدّعون أنّ "حركة المقاطعة" تُلحق الضرر بالفلسطينيّين يطرحون ادّعاءات غير أخلاقيّة وعارية عن الصحة، ويُخفقون في فهم حقيقة أنّ المقاومة، كل مقاومة، مُكْلفة في البداية، بل إنّهم ينصّبون أنفسهم أوصياء على الفلسطينيّين، ويبلغوننا أنّهم يفهمون مصالحنا (أيْ مصالح الفلسطينيّين) أكثر منّا. نحن نرفض هذا النهج الاستعماريّ جملةً وتفصيلاً. لا شيء يؤذي الفلسطينيين (سواء في أراضي 67 أو أراضي 48 أو الشتات) كإيذاء النظام الإسرائيليّ الاستعماريّ العنصريّ لهم".

لا أستطيع كمواطن فلسطينيّ في إسرائيل دعم "حركة المقاطعة" علنًا بسبب القوانين التي تقيّد ذلك. أشعر أنّني لا أستطيع فعليًّا الانضمام إلى هذه الحركة الشعبيّة اللا-عنفيّة. على الرغم من ذلك، كيف يمكن للناشطين المحلّيّين دعم نشاطكم؟

"هناك فهم خاطئ للقانون الإسرائيليّ التعسّفيّ وغير الديمقراطيّ الموجَّه لمناهضة "حركة المقاطعة". وعلى الرغم من رداءته وظلمه، إلا إن هذا القانون لا يمنع فعليًّا دعم "حركة المقاطعة". يحظر القانون الدعوة علنًا لمقاطعة إسرائيل أو أيّ من المؤسّسات أو الشركات الإسرائيليّة. كلّ مواطن فلسطينيّ أو يهوديّ في الدولة يرغب في دعم "حركة المقاطعة" يستطيع الإفصاح عن ذلك جهارًا دون أن ينتهك القانون، ما لم ينادِ مباشرة إلى القيام بعمل عينيّ للمقاطعة. (ملاحظة المحرّر: قانون حظر المقاطعة لا يجرّم مُناصري مقاطعة إسرائيل ومؤسّساتها، لكنّه يمكّن المواطنين الأفراد والشركات والمؤسسات مِن مقاضاة مَن يقوم بدعوة علنيّة للمقاطعة إذا استطاع المدّعي إثبات أن الدعوة المحددة للمقاطعة من المدعى عليه ألحقت به أضراراً ماليّة).

"ثمّة سبل عديدة للتحايل والالتفاف على هذا القانون القمعيّ لمن لا يريد مواجهته وجهاً لوجه. على سبيل المثال، أستطيع توضيح سبب تورّط شركة معيّنة في انتهاك القانون الدوليّ، ومن ثَمّ القول: "أنا شخصيًّا أقاطع منتجات هذه الشركة، لكنّ قانون مكافحة المقاطعة القمعيّ يحظر عليّ دعوتكم لمقاطعتها أيضًا". على هذا النحو أدعو بطريقة غير مباشرة إلى المقاطعة دون الإخلال بالقانون".

"لكنّنا نحتاج، في نهاية الأمر، إلى القيام بعصيان مدنيّ وعدم الانصياع لهذا القانون الإسرائيليّ وغيره من القوانين التعسّفيّة، على غرار ما فعلت حركة حقوق الإنسان في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحركة مكافحة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. حريّ بنا ألاّ ننصاع بتاتًا لقوانين غير أخلاقيّة وغير عادلة. يجب على أصحاب الضمائر الحيّة عصيان هذه القوانين على نحوٍ جماعيّ ومؤثّر، وبالتالي إبطالها".

أحد النجاحات الأخيرة لحركة المقاطعة التي تصدّرت العناوين الرئيسيّة في العالم وفي إسرائيل، ومن وقف مِن ورائها لم يكن البرغوثي ولا اللجنة الوطنيّة الفلسطينيّة للمقاطعة، وإنّما السلطة الفلسطينيّة. كعضو في الفيفا، تمكّنت رابطة كرة القدم الفلسطينيّة من تهديد إسرائيل بإقصائها عن البطولات الدوليّة، وأجبرتها على تغيير سياساتها التي تؤثّر على لعبة كرة القدم الفلسطينيّة. أريد معرفة شعور البرغوثي تجاه هذا الأمر، وشعوره تجاه السلطة الفلسطينيّة أيضًا.

"حركة المقاطعة هي حركة شعبيّة وحركة حقوق إنسان مدنيّة، وهي تعمل باستقلاليّة تامّة عن المؤسّسات الفلسطينيّة الرسميّة وعن جميع الحكومات. قامت الحركة بدور مركزيّ ومهمّ في محاولة إبعاد إسرائيل عن الفيفا. غالبيّة المراقبين تعترف بهذا الدور. ناشطو حركة التضامن مع فلسطين (وغالبيّتهم يناصرون حركة المقاطعة BDS) ناضلوا على امتداد أشهر طويلة لرفع الوعي حيال انتهاك إسرائيل لحقوق الرياضيّين الفلسطينيّين في سياق سياسات القمع التي يمارسها الاحتلال".

"قيادة السلطة الفلسطينيّة للمساعي في هذا المضمار شكّلت بالنسبة لنا "كعب أخيل"، ونقطة ضعف قاتلة، وذلك أنّ السلطة الفلسطينيّة مقيَّدة باتّفاقيّات أوسلو المهينة، وهي ليست مُصمّمة لمقاومة نظام الاضطهاد الإسرائيليّ بسبل إستراتيجيّة وفعّالة".

الشعبيّة التي تحظى بها حركة المقاطعة آخذة في التعاظم. كيف ترى الحركة في المستقبل القريب والمستقبل البعيد؟

يقول البرغوثي: "نعمل على مَوْضعة الحركة داخل التيّار المركزيّ. نحن لا نستجدي الصدقات من أحد، بل نطالب بحقوقنا بكرامة ونسعى للحصول على التضامن الفعّال مع نضالنا للوصول لهذه الحقوق. وكما قال القس مارتين لوثر كينج ذات مرّة: في جوهرها تقترن المقاطعة "بالتراجع عن التعاون مع منظومة شرّيرة". عندما نطلب من المؤسّسات والمنظّمات سحب استثماراتها من الشركات المتورّطة في جرائم إسرائيليّة، نحن لا نطلب منها القيام بعمل بطوليّ. كلّ ما نطلبه من هذه المنظّمات هو أن تمتثل لواجب أخلاقيّ أساسيّ. هذا هو منطق "حركة المقاطعة" الأخلاقيّ والمقْنِع، وهذا هو العامل المركزيّ الذي يقف وراء النموّ الكبير للحركة في العَقد الأخير. إن حركة المقاطعة تقترب من نقطة تحوّل مفصليّة بسبب إستراتيجيّتها المؤثّرة، وبسبب تحوّل إسرائيل نحو اليمين المتطرف، ودخول عناصر فاشيّة إلى حكومتها، وإسقاط قناع "الديمقراطيّة" المخادع والذي لم يعكس يوماً حقيقة النظام الإسرائيلي الاستعماري والعنصري. ربّما يكمن إنجازنا الأهمّ في توحيد الفلسطينيّين من جميع الأطياف السياسيّة والأيديولوجيّة وفي الوطن والشتات على قاعدة حقوق الإنسان، ومن خلف مقاومة لا- عنفيّة، مستندة إلىي القانون الدوليّ".

إذا حكمنا على الأمور من منظور الانتصارات التي يبدو أنّ "حركة المقاطعة" قد بدأت تحقّقها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في الفترة الأخيرة، بدا أنّ هذه الإستراتيجيّة -التي ترتكز على منطق الضغط المتواصل والمتصاعد على إسرائيل في جميع الصُّعُد (الأكاديميّة والاقتصاديّة والتجارة العسكريّة والاقتصادية)- قد أخذت أخيرًا تؤثّر على نحوٍ فعليّ وعميق؛ أو على حدّ تعبير عمر البرغوثي: "لم نصل بعد إلى هناك، لكنّنا في الطريق للوصول إلى لحظتنا الجنوب-أفريقيّة".

* لقراءة المقال على موقع "سيحاه ميكوميت" يرجى الضغط (هنا).
* لقراءة المقال على موقع "972" يرجى الضغط (هنا). 


استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]