مسلسل «حارة اليهود» للمخرج محمد العدل، بطولة منة شلبي، وإياد نصار، أثار جلبة بين مؤيدين ومعارضين للافكار التي طرحها.
حظيت الحلقات الاولى بترحيب السفارة الاسرائيلية وبعض وسائل الاعلام الاسرائيلية، ما أشعل الخلاف ووضعه على نار حامية، وغلَّب البعد السياسي على ما عداه، ولكن سرعان ما تراجع الاسرائيليون عن الترحيب وحولوا الاعجاب الى غضب.

تعرض المسلسل لنقد في مجالات مختلفة، على صعيد فني حفل بمشاهد وحبكات ساذجة كمشهد الهرب من السجن والمطاردة، وأداء الشخص الفلسطيني، واتهم المسلسل بالقفز عن الزمن وبخلط تاريخ الاحداث، وبارتكاب أخطاء دينية، وبمغالطات في اكثر من مجال.

بعيدا عن النقد الفني فإن الفكرة التي يطرحها المسلسل مهمة جدا وجديرة بالتقييم، وبقيت حاضرة في الحلقات الـ 11 التي تم عرضها حتى اليوم. هل اليهود المصريون جزء من نسيج المجتمع المصري وتنطبق عليهم شروط المواطنة أم لا؟ اعتقد ان المسلسل نجح في البرهنة على أن اليهود كمواطنين ينتمون إلى ثقافة وقومية مصرية عربية، لا يختلفون في عيشهم وفي علاقاتهم وفي همومهم عن ابناء جلدتهم من المصريين.

علي الضابط في الجيش المصري يحب ليلى اليهودية، والطائفة اليهودية تتبرع للجيش المصري الذاهب إلى فلسطين، وأبناء الحارة يتضامنون في السراء والضراء، وشباب يهود ينتمون للحزب الشيوعي المصري ويشكلون رابطة لمقاومة الصهيونية.

لقد اظهر المسلسل بقوة إقناع لافتة قبولا متبادلا بين المصريين اليهود والمسلمين والمسيحيين، وهذا لم يكن مفتعلا، لأنه لا يتعارض مع ذاكرة الاجيال السابقة الذين جسدوا التعايش المشترك.

اليهودية إذا، ديانة خاصة بمعتنقيها لكنها لا تضعهم في مصاف قومية أو عرق خاص.

ما ينطبق على منتسبي الديانتين الاسلامية والمسيحية انطبق على منتسبي الديانة اليهودية في الانتماء الى مصر وفي اكتساب حقوق المواطنة وواجباتها.

فلم يكن في مصر قومية اسلامية ولا قومية مسيحية حتى يكون فيها قومية يهودية، كان الجميع موحدين في هوية واحدة هي الهوية الوطنية المصرية.

وبمثل ما كان اليهود المصريون جزءا طبيعيا من الشعب المصري، كان اليهود العراقيون واليمنيون والمغاربيون والتونسيون والسوريون والفلسطينيون جزءا من شعوبهم.

بدأ اندماج اليهود في مجتمعاتهم العربية تحديدا يتضعضع مع انتقال المشروع الصهيوني إلى حيز التطبيق، ذلك المشروع الذي تضمن سلخ اليهود عن شعوبهم واستقطابهم في دولة إسرائيل، انطلاقا من كون الديانة اليهودية قومية وعرقا خاصا باليهود دون غيرهم.

هنا بدأ الصراع على اليهود، وقد تباين اليهود في استجابتهم، فمنهم من اندفع مع المشروع الصهيوني وبخاصة نسبة كبيرة من الاثرياء، واكثرية انحازت إلى الانتماء لشعوبها وأوطانها.

ويمكن القول إنه لو ترك المجال أمام اليهود ليقرروا مصيرهم بحرية ومن غير ضغوط الترهيب والترغيب لبقيت الاكثرية مندمجة في مجتمعاتها.

تدخلت العوامل الخارجية للتأثير في خيارات اليهود، كان العامل الاقوى هو الحركة الصهيونية التي وفرت الاموال الهائلة، وبثت ألوانا من الدعاية والتحريض، وجندت شبكات من الوكلاء داخل البلدان العربية من اليهود وسماسرة آخرين، وتعاونت مع دوائر استعمارية ومع انظمة رجعية عربية، وأمنت طرق ووسائل الانتقال.

كل ذلك كان بهدف سلخ اليهود عن شعوبهم وتوظيفهم في مشروع كولونيالي، وقد حققت الحركة الصهيونية نجاحات محدودة في بداية المشروع.
المسلسل كشف في الحلقة العاشرة عن إرسال 20 الف مصري يهودي في العام 49 مقارنة بأكثر من 300 الف يهودي مصري. الاستجابة المحدودة لليهود كان مردها استمرار التعايش المتبادل بين المصريين اليهود والسواد الاعظم من الشعب.

موقف «الاخوان المسلمون» ساوى في وقت مبكر بين اليهود والمشروع الصهيوني، ووضع اليهود المصريين في موقع معادٍ، وبحسب قول المرشد في المسلسل: سنحارب اليهود في فلسطين وهنا في مصر. وفعلا بدأت التفجيرات تستهدف المتاجر ودور العبادة والشركات التي تعود ملكيتها لليهود. وترافقت التفجيرات بخطاب ديني يناصب اليهود العداء بصرف النظر عن مواقفهم وانتماءاتهم السياسية.

التفجيرات داخل مصر كان لها تأثير مزدوج على اليهود وعلى غير اليهود، وساهمت في تسريع الاستقطاب بين اليهود ودفعهم نحو الخروج من مصر الفقراء الى إسرائيل، والاغنياء الى اميركا وأوروبا، وساهمت من جهة أخرى في خلق حالة من العداء لليهود.

السؤال، لماذا التقى اصحاب التفجيرات وخطاب العداء لليهود كيهود داخل مصر مع المشروع الصهيوني في سلخ اليهود عن مجتمعهم؟ بقطع النظر عن النوايا، والمواقع فقد التقى الطرفان على هدف واحد هو سلخ اليهود، كان الرابح فيه بامتياز هو الحركة الصهيونية ومشروعها «القومية اليهودية» و»الدولة اليهودية».

أما الاخوان المسلمون فقد ظفروا بتحويل الصراع مع المشروع الصهيوني الى صراع ديني بين كل اليهود وبين المجتمعات العربية. ويسجل للاخوان أن تأثيرهم في هذا المجال كان له الغلبة في حالة صعودهم السياسي وفي حالة انحسارهم على حد سواء.
فكرة المسلسل المهمة، هي إعادة تقييم مرحلة تاريخية بالنقد والتصويب، ويسجل للمسلسل انه فتح جدلا واسعا حول المواقف في تلك المرحلة، غير أن موقف بعض الاسلاميين من الاخوان جاء صادما.

عندما اتهم المسلسل بأنه «يحاول تغيير موقف شعب طالما تعامل مع اليهود على انهم عدو تاريخي له».

لاحظوا اليهود عدو تاريخي، وليس الدولة المعتدية الكولونيالية، وليس الفكر العنصري، لاحظوا أن نسبة اليهود الذين رفضوا المشروع الصهيوني اكثر من الذين قبلوا به في كل انحاء العالم، ورغم ذلك يستوي ويتساوى الذين انخرطوا بالمشروع مع الذين رفضوه، فكلهم يهود.
اكثر ما أغاظ المعادين لليهود «هو تقديم المسلسل لليهود كأناس صالحين وليس مجرد أعداء كما اعتدنا أن نراهم».

هكذا، لا يوجد يهود خارج دائرة الشر والشيطنة. ماذا تقولون عن «اليهود «الذين يتضامنون مع الشعب الفلسطيني، يرفضون الخدمة العسكرية، يرفضون الاستيطان، يقاطعون اسرائيل، ويأتون في أساطيل الحرية لكسر الحصار.

اليهود يا سادة كغيرهم من البشر، منهم «ليلى» المعتزة بانتمائها لمصر، ومنهم موسى «الصهيوني» الذي ينتمي لاسرائيل ويجند المهاجرين اليها، ومنها الرأسماليون الجشعون، ومنهم الفقراء، ومنهم المناضلون من اجل العدالة والديمقراطية.
كم فرح المعادون لليهود، بإشادة السفارة الاسرائيلية بالمسلسل في حلقتيه الاولى والثانية، ولكن سرعان ما اختفت الفرحة بانتقال السفارة الى الهجوم على المسلسل. اتعرفون لماذا؟ لأن اسرائيل ترفض ايضا التفريق بين مشروعها وبين اليهود. وهذه نقطة التقاء ثانية بين الطرفين. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]