تستمرّ الحرب في سورية على وقع "احتفاء" التنظيم الإرهابي "داعش" بمرور سنة على تأسيس "الخلافة"، وبالتزامن مع توسّع الإرهاب في كل من الكويت وتونس ومصر وفرنسا، ومع تأكّد العالم أن الجميع معني بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله، وإلا غرق العالم بأكمله في الفوضى والدمار والإرهاب المتفلت من عقاله.

وعلى وقع انتشار الإرهاب، يعود الروس، وعلى لسان الرئيس بوتين، لمحاولة طرح مخارج للأزمة السورية، وللإرهاب المتفلت في الشرق الأوسط؛ باقتراحه حلف دولي لمحاربة الإرهاب، تنخرط فيه كل من سورية ودول الجوار، أي تركيا وقطر والسعودية.
يعيد بوتين تكرار هذه الدعوة التي برزت بقوة في حزيران 2013؛ مباشرة بعد سقوط مشروع "الإخوان" في كل من سورية ومصر، والتي أظهرت أن أمام العالم فرصة تاريخية لتسوية ما تدفع الجميع إلى محاربة الإرهاب، ويُعترف للدول المشاركة فيها بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

ما هي فرص نجاح هذه الاستراتيجية الروسية القديمة - المتجددة؟

بداية، نجاح هذه الخطة الروسية تفترض اقتناعاً سعودياً - تركياً - قطرياً بجدوى مكافحة الإرهاب، وأن مردود مكافحة الإرهاب أكثر بكثير من مردود تمويله. وعليه:

1- ليقتنع الأتراك بجدوى مكافحة الإرهاب، على القوى الكبرى أن تؤكد "استحالة" قيام كيان كردي ذي حكم ذاتي في شمال سورية، ويجب أن يُعطى "الإخوان المسلمون" بفروعهم السلمية في سورية، حصة في السلطة الانتقالية التي يُفترض أن تشكَّل من السلطة والمعارضة معاً، هذه أمور قد يكون مقدور عليها، لكن ماذا عن الحقد الشخصي لأردوغان على الرئيس السوري بشار الأسد، واشتراطه رحيله قبل القبول بأي تسوية، ولو تطلّب الأمر دعم الإرهابيين وتأمين ممر لهم، وإيواءهم في تركيا؟

2- بالنسبة إلى السعودية، فالغرق السعودي في الرمال اليمنية يُعَدّ سيفاً ذا حدّين: من ناحية أولى يريد السعوديون إنهاء الحرب اليمنية بما يحفظ لهم ماء وجههم، ويعكس "انتصاراً ما" في تلك الحرب التي خاضها ابن الملك وعارضها العديد من الأمراء في العائلة المالكة السعودية، ومن ناحية أخرى يتشدّد السعوديون في شروطهم، بعدما ذهبوا لأول مرة إلى حرب علنية، واستطاعوا الحصول على تأييد أميركي وأممي - ولو مبطَّن - لحربهم على اليمن، من خلال قرار مجلس الأمن 2216، وهو ما ظهر جلياً في المفاوضات حول اليمن، والتي رعتها الأمم المتحدة في جنيف، وأفشلها التشدد السعودي ومطالبته بسقف أعلى مما يمكن لأي طرف آخر احتماله.

من هنا، فإن إمكانية مشاركة السعودية في تحالف جدّي وحقيقي ضد الإرهاب يبدو صعباً، خصوصاً بعدما تبيّن بالدلائل أن الفكر الإرهابي المتشدد مصدره المدارس السعودية المنتشرة في أرجاء المعمورة، ما يعني أن أي محاربة حقيقية للإرهاب تفترض إقفال تلك المدارس، وهو ما يجعل السعودية تخسر نفوذاً عالمياً هائلاً تعطيه لها تلك المدراس، كما تفترض تغيير الهيكلية التربوية، وتحديث الرؤى الدينية التي تستند إليها المملكة، وهذا أمر مستحيل، لأنه سيؤدي إلى خراب السعودية من الداخل، وخلخلة نظام آل سعود برمّته.

3- بالنسبة إلى قطر التي تموّل السياسات التركية في دعم "الإخوان المسلمين"، وتدعم بعض المجموعات الإرهابية في كل من ليبيا ومصر وسورية ولبنان وغيرها، فإن قبول الدوحة بالحل السياسي وتقاسم مجموعات "الإخوان" السلطة مع النظام، لن يدفعها إلى الانخراط السريع والمطلق في تلك السياسات، ما لم تؤكد حصولها على عقود استثمار لمدّ أنابيب الغاز الطبيعي القطري إلى أوروبا عبر سورية، وهو أمر سيضرّ بمصالح كل من إيران وروسيا اللتين ستتنافسان على الأسواق العالمية بعد أن يتمّ التوقيع على الاتفاق النووي مع الإيرانيين ورفع العقوبات.في المحصلة، يبدو أن الطرح الروسي غير قابل للحياة في هذه الفترة بالذات، بل سيأتي وقت في المستقبل يكون هذا الطرح هو الحل المنشود من الدول التي تعارضه اليوم، وذلك عندما يضرب الإرهاب في داخل الدول التي تعتبر نفسها بمأمن عنه، وعندما ينقضّ الإرهابيون على من ساعدهم وموّلهم وأمّن لهم الإمداد.التاريخ مليء بالعبر والدروس، ومنها الدرس الأميركي القديم والدرس الفرنسي الجديد، والدرس اللبناني - العرسالي، حيث انقض الإرهابيون على عرسال قتلاً وترهيباً وتنكيلاً بـ"العراسلة" الذي فتحوا لهم بيوتهم، وزغردت النازحات السوريات حينما اعتقدن أن الإرهابيين قد اقتطعوا عرسال وضموها إلى "إمارتهم" السوداء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]