مع بداية شهر رمضان المبارك طالعتنا وسائل الاعلام المختلفة بما يسمى سياسة "التسهيلات" الإسرائيلية لأهلنا في الضفة الغربية لدخول مدينة القدس وأراضي الـ 48 والصلاة في المسجد الاقصى المبارك. وتأتي سياسة "التسهيلات" هذه في ظل عمليات المصادرة وسرقة الأرض والممارسات العنصرية التي يرتكبها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بشكلٍ عام وفي مدينة القدس المحتلة بشكلٍ خاص.

لقد تبيّن أنّ هذه التصاريح تصدر بناءً على القوائم التي تُقَدِمها السلطة الوطنية الفلسطينية لمكتب التنسيق والارتباط المدني والأمني في الادارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، وذلك بعد فحص هذه القوائم بوساطة الأجهزة الامنية الفلسطينية والتأكد من عدم وجود عناصر "غير مرغوب بها" من دخول القدس أو الصلاة في المسجد الاقصى المبارك.

ووفقاً للإجراءات المتفق عليها يقوم مكتب التنسيق والارتباط بإصدار هذه التصاريح وتسليمها للجانب الفلسطيني الذي يقوم بدوره بتسليمها الى المواطنين.

تزامناً مع ذلك، وفي المقابل، فتح الاحتلال الاسرائيلي الباب أمام الفلسطينيين كأفراد بتقديم طلبات للحصول على التصاريح مباشرةً من مكتب التنسيق والارتباط، وبذلك تعامل الاحتلال الاسرائيلي مع السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها كأحد "الزبائن" الذين يتوجهون اليه لتلقي الخدمات.

كما أنّه تمّ رصد طوابير طويلة من أبناء شعبنا الفلسطيني أمام مكاتب الارتباط لتقديم الطلبات، وطوابير أخرى عند استلام التصاريح والمراجعات، وطوابير كبيرة جداً كذلك على الحواجز للدخول الى القدس، كل ذلك في ظل الأجواء الحارة وفي ظروف غاية في الصعوبة والإذلال.

على ضوء ذلك فإنّنا نسجل الملاحظات التالية:

أولاً: نحن أمام حالة تضليل كبيرة للرأي العام الفلسطيني والإسلامي لم يسبق لها مثيل، يتصرف فيها الاحتلال كصاحب السيادة على القدس والمسجد الاقصى، في محاولة منه لخلق حالة وعي جديد في الذهن الفلسطيني بأنّ القدس والمسجد الاقصى إسرائيليين، وبأنّه هو من يسمح بالدخول أو يمنعه، وهو الذي يقرر الشروط أو التقييدات بصفته صاحب السيادة. وأنّ هذه التسهيلات يغدق بها الاحتلال على الشعب الفلسطيني متى شاء ويمنعها كيفما شاء.

ثانياً: لم تتعامل السلطة الفلسطينية مع هذه الاجراءات بصفتها ممثلاً للشعب الفلسطيني الذي يطالب بحقه المسلوب في أراضيه في القدس المحتلة، وإنّما تعاملت مع هذا الاحتلال على أساس أنه صاحب الأرض، وما أثار حفيظتها فقط هو ما قام به الاحتلال من تسليم التصاريح مباشرةً للمواطنين لا عبر مكتب التنسيق الفلسطيني.

ثالثاً: شكّلت أحداث عام 2014 أو ما تسمّى انتفاضة القدس منعطفاً في سياسة المشروع الصهيوني في القدس المحتلة، وفي التعامل مع الشعب الفلسطيني بشكل عام. وبعد أن زاد غضب الفلسطينيين على محاولات الاحتلال المستميتة في عام 2014 لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وقياس مدى تأثير ذلك على وجود الاحتلال ورموزه الصهيونية في المنطقة. ولذلك تهدف هذه الاجراءات إلى تنفيس غضب الفلسطينيين من اجراءات الاحتلال وقياس ردة فعلهم بخصوص اقتحامات المسجد الأقصى.

رابعاً: بدأ الاحتلال الاسرائيلي بتفكيك دور السلطة كمرجعية للشعب الفلسطيني، وفي الجهة المقابلة يسعى الاحتلال لتجميل صورته أمام الفلسطينيين ليكسب نقاط في الرأي العام الفلسطيني على حساب السلطة.

خامساً: على الرغم من تقديم كل هذه "التسهيلات"، الا أنّ الاحتلال اصَّرَ على استمرار اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى المبارك في الفترة الصباحية، ليغير بذلك واقع المسجد الاقصى المبارك في ذهن ووعي الشعب الفلسطيني، وليُطَبِع الشعب الفلسطينيين تطبيعاً نفسياً لهذه الاقتحامات.

سادساً: يبدو أن الأمور سيكون لها ما بعدها خصوصاً بعد انتهاء شهر رمضان المبارك ودخول فترة الأعياد اليهودية في شهر أيلول وعيد العرش اليهودي. وسنسمع من قادة المشروع الصهيوني أنّهم كما "منحوا" الفلسطينيين الحق في الصلاة في الاقصى، فانّهم الآن سيمنحون اليهود الحق في الصلاة أو الاحتفال بأعيادهم في المسجد الاقصى. وبالتالي سيظهر الاحتلال بمظهر الحامي لحق العبادة لجميع الأديان في المسجد الاقصى المبارك، وكما يقال بالعامية "وكل واحد على دينه الله يعينه".

لذلك فإنّ هذه الاجراءات ليست تسهيلات حقيقية، بل هي سياسة "تضليلات" من أكبر ما مرّ به المسجد الاقصى المبارك في الأعوام الأخيرة، وهي تغيير تكتيكي أتى بعد فشل الاحتلال الاسرائيلي عام 2014 في فرض واقع جديد على المسجد الاقصى المبارك. ويجب علينا أن نتذكر دائما أنّ أهداف الاحتلال والمشروع الصهيوني النهائية في القدس والمسجد الاقصى المبارك هي هدم المسجد واقامة الهيكل المزعوم مكانه. ولم نلمس حتى الآن أي تنازل عن هذه الأهداف.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]