لماذا يقرر الشخص الإختفاء؟ وماذا يمكننا القول عن شخصية المختفي؟ وأين يقضي المختفي ساعاته وايامه؟ لماذا حالات اختفاء الإناث اكثر من الذكور، ولماذا القاصرات بشكل خاص؟ دور الاهل والمجتمع واسئلة عديدة، نحاول الاجابة عليها من خلال الحديث مع كل من د. سيزار حكيم وهو اخصائي نفسي عيادي والاخصائية الاجتماعية سماح سلايمة، مديرة جمعية" نعم" نساء عربيات بالمركز.

التطرف بالمشاعر يؤدي الى الاختفاء

" نفسي اختفي من هاي الدنيا"! عشان اللي حوالي يعرفوا قيمتي" هذا اول ما ردده د. سيزار حكيم وهو اخصائي نفسي عيادي، بعد مشاهدته التقرير حول المفقودين الذين يبحثون عن هوياتهم، وخاصة القاصرين منهم، وبدأ يشرح مقولته على النحو التالي:"

كثيرا ما كنت اسمع من متوجهين الى عيادتي هذه المقولة" مش قادر اتحمل اكثر، نفسي اختفي من هاي الدنيا"، عشان اللي حواليّ يعرفوا قيمتي"، وكانت هذه الكلمات صادرة من اجيال مختلفة، ورددها القاصرون والبالغون والرجال والنساء على حد سواء، ولكنهم لم يكونوا ينفذون تهديدهم هذا، وبشكل خاص القاصرون منهم وبقي الامر في مخيلة المراهق، وهنا يُطرح السؤال، لماذا كثُرت هذه الحالات مؤخراً؟

وبالعودة الى المسبب الاساس يقول د. حكيم في الماضي لم تكن تتوفر الآليات السهلة لتنفيذ التهديد بالاختفاء، كما هو متاح اليوم ولذلك نرى العدد الكبير من حالات الاختفاء لقاصرين بشكل خاص، والعودة بعد ساعات او ايام قليلة لحضن العائلة، ولذلك بإمكاننا ان نطلق عليها ظاهرة، واعتقد ان مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً هاماً في تعزيز هذه الظاهرة، وذلك كون القاصر يختفي بمحض ارادته ليجبر الاخرين على البحث عنه، وهنا يلعب صراع الاجيال بين المراهقين والاهل دورا اساساً ...

مواقع التواصل الاجتماعي زادت من ظاهرة اختفاءات القاصرين بشكل خاص

فالمراهق بمشاعره الجياشة يعمل جاهداً على ان يراه الناس وان يفهمه المجتمع، ويريد ايضاً ان يتمرد، ان ينفصل عن عائلته ليبني شخصية مستقلة، لكن لا توجد الامكانيات لذلك، ناهيك الى انه يشعر احيانا انه فاشل لا قيمة له، ولدى الصراع مع اهله يحتد زخم المشاعر حتى تصبح متطرفة، فيقرر الاختفاء حتى يركض الاخر اليه ويؤكد له ان له معنى في الوجود ومكانة في البيت، هذا ما يقوله د. سيزار.

وهنا يأتي دور مواقع التواصل الاجتماعي يتابع د. سيزار حكيم، التي تتحدث الى مشاعر القاصر بشكل ما على الملأ، وتمنحه العلاقات الواسعة التي تكون بحسب اعتقاده ملاذا له ولمشاعره، فينجذب اليها، وهنا يمكن القول ان مواقع التواصل الاجتماعي هي الآلية التي اكتشفها القاصر لتنفيذ تهديده بالاختفاء، وبالامكان ان نقول انها تشجع على الاختفاء...

فمن خلال هذه المواقع تتم مشاركة المشاعر مع عدد كبير من"الاصدقاء"، وتشجع على" الهرب".

ومن هنا يوجد جانبان سلبيان لمواقع التواصل الاجتماعي في هذا الموضوع وهما: اولا انها تشرعن الاختفاءات وتشجع عليها، وثانيا ان الجميع يتحدث عن المختفية اون لاين وهنا فان المختفية تشعر بان لها اهمية في المشهد العام.

واما الجانب الايجابي فيتمثل بالعثور على المختفية.

الخطف ام الاختفاء!

وفي معرض رده على تفضيل مجتمعات معينة النظر الى الموضوع في بعده الجنائي" الخطف" من ان يكون حادث "الاختفاء" ببعده النفسي والمجتمعي، شرح:" في الاردن مثلاً تحاول الشرطة عدم عرض وكشف حالة الاختفاء على مواقع التواصل الاجتماعي خوفاً من العرض" الشرف"، وعليه فإنها تقوم بفبركة قضية الخطف، للحفاظ على" سمعة" العائلة.

لماذا يختفي المراهق بالذات؟

وحول جيل المختفي، قال سيزار، اولا علينا التأكيد ان الاختفاء يعطي صاحبه نوعاً من الاهمية، والمراهق يحب ان يشعر انه ملاحق بالاهتمام ممن حوله، هذا لا يعني ان شرائح اخرى لا تحب ان تكون ملاحقة، فمثلاً الزوجة التي تغضب او تزعل من زوجها (ليس على خلفية عنف)وتقرر ترك البيت، ليس لانها تود حقا تركه وانما لكي يأتي زوجها اليها، ويصالحها ويشعرها بأنها مهمة، وكذلك المراهق الذي يبحث عن لفت الانتباه له وانه مهم وله كيانه وشخصيته.

لماذا الإناث اكثر من الذكور؟

ورداً على سؤال موقع بكرا لماذا تكثر هذه الظاهرة لدى الإناث من القاصرات اكثر منها لدى الذكور ، فأجاب د. سيزار:" امام القاصرين الذكور امكانيات ومساحات اوسع للتمرد، ان كان ذلك عبر سهر الليالي، المشاركة في شجارات، قيادة السيارات بتهور وغيرها من مشاهد التمرد، وهذه الامور لا تنكشف لها غالبية الاناث فلذلك فإن مساحة التمرد لديها تبقى ضيقة نوعاً ما، وترى المتنفس عبر ابتعادها واختفائها، حتى لو كان لفترة محدودة.

مديرة جمعية" نعم" نساء عربيات بالمركز سماح سلايمة، عقبت على التحقيق، قائلةً:

" اعتقد ان هناك بلبلة في طرح القضية هنا، فهناك فتيات خرجن من البيت وعدن بعد ساعات محدودة ، ليس هذا اختفاء ابدا، وانما قد يكون محاولة للهروب من واقع او أزمة عائلية حادة، تجد فيها الشابة او الشاب الأبواب مغلقة والأذان صماء لا تسمع ولا تتفهم الاحتياجات او المشاعر في وقت معين ، فلا يفكر الشاب الا بالهروب من الواقع .

وتستدرك سلايمة، وتقول:" احيانا يكون الهروب رد فعل لشجار حاد في البيت ،التعرض للعنف احيانا ويكون الهروب مخططا ومدروسا".

وضع يستوجب التدخل

اشارات استغاثة

"الاختفاء او الهروب المستمر بنظري يجب ان يضيئ الضوء الاحمر امام الاهل ،وأمام المرافق العلاجية الشحيحة اصلا ،بان هناك وضعا يستوجب التدخل"، هذا ما تؤكده سلايمة، وتفسر ذلك بالقول" لان الفتاة خاصة تلجأ للعالم الخارجي وتطلب المساعدة بهذه الوسيلة. وتبعث إشارات استغاثة ،تماماً مثل محاولات الانتحار المتكررة او إيذاء النفس بهدف طلب المساعدة الخارجية من جهات خارج الاسرة ، كالاطباء والشرطة او الشوون الاجتماعية او الجمعيات النسوية".

عندما يصبح الهروب من البيت هو الخطوة الاخيرة التي لا رجعة فيها

وتسهب سلايمة وتقول:" احيانا يكون الهروب من البيت هو خطوة اخيرة لا رجعة فيها، وهذا يحدث عندما تصل المرأة لطريق مسدود ،و غالبا ما تتعرض للعنف الشديد ولا تحظى بدعم من الاسره الممتدة ، او تشعر المرأه بالخطر على حياتها فتقرر إنقاذ نفسها مع كل التحدي والخطورة المرفقة بالموضوع ، و كسر حاجز الخوف وتحدي العادات والأعراف وردود فعل العائلة بعد الإقدام على هذه الخطوة".

دور الناشطات النسويات والاجتماعيات

هناك حالات لا حل ولا امل في إصلاحها الا بإبعاد المرأه او الفتاة عن الخطر

وعن دور النسويات والناشطات الاجتماعيات، في هذه الحال، تشرح سماح سلايمة:" علينا مساعدة الفتاة او المرأه التي تقع ضحية عنف او تهديد بكل السبل داخل مجتمعها ،وفي بيتها لان المنظومة الاجتماعية المحافظة لا تزال تمنع المرأه من اعادة بناء حياتها من جديد بأمان واستقلالية ودون تدخل من اي مصدر خارج نطاق الاسرة ، وليس هذا فحسب، بل لان المجتمع يسلب المرأه العديد من الحقوق والأملاك بعد هذه الخطوة ،وتصبح إعادة تاهيل حياتها مهمة صعبة للغاية ، مع هذا انا اعتقد ان هناك حالات لا حل ولا امل في إصلاحها الا بإبعاد المرأه او الفتاة عن الخطر وهذه الخطوه تكون حتمية رغم صعوبتها.

احذروا مواقع التواصل الاجتماعي: وعدها بالزواج وانتهى الأمر بها في الدعارة

وحذّرت مديرة جمعية نعم نساء عربيات بالمركز سماح سلايمة، من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فهو سلاح ذو حدين، قالت، من جهة تساعدنا على التواصل وطلب المساعدة في الوقت المناسب ، وهناك عدة حالات تصلنا عبر شبكة التواصل الاجتماعي ،التي تفرز الكثير من الأزمات العائلية وتخرجها من خلف الجدران في الوقت المناسب، ومن جهه اخرى قد يكون العالم الافتراضي ما هو الا فخا تقع فيه بعض الفتيات ، اللواتي يعتقعدن انه الخلاص من الحياة الصعبة، فتهرب الفتاة مثلا لإنسان مجهول او مجرم مخادع ويسئ لها ويستغل أزمتها، وقد عرفنا في جمعية "نعم "حالات كثيرة كهذه أيضاً.

وتذكر سلايمة ، احدى الحالات التي واجهها جمعية" نعم"، قبل فترة ليست ببعيدة، في احدى مدن مركز البلاد، بعد انا خرجت فتاة من بيتها بهدف الارتباط بشاب وعدها بالزواج والعيش الكريم والهروب من واقع عائلي صعب ، وانتهى الامر بها مسجونة في بيت مجهول يرتاده رجال يبحثون عن الدعارة ، واستوجب الامر مجهودا كبيرا لإنقاذها من تلك البؤرة الموبوءة، قالت.

الحل بالتوعية والتربية والحصول على الاستشارة

اما عن الحلول لهذه الظاهرة، فقالت الناشطة سلايمة:" الحل بنظري هو التوعية والتربية والعمل منذ الطفولة لتحضير الأولاد والبنات لهذا العالم الافتراضي،.مناقبه ومحاسنه، والعمل على رفع الوعي في مجتمعنا لثقافة الاستشارة وطلب المساعدة من المختصين وبناء حوار مسالم ومتفاهم بين أفراد الاسرة الواحدة حتى نمنع وصول المشاكل العائلية لطريق مسدود، وفي نفس الوقت، الابتعاد عن وسائل التربية والتواصل المعتمدة على القمع والعنف والاضطهاد للبنات كما للأولاد .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]