زيارة خاطفة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى قبرص، خطفت الأضواء رغم أنها لم تستغرق سوى 12 ساعة فقط، وحتى قبل هذه الزيارة بأيام قليلة، قيل إن قيام نتنياهو بأول زيارة خارجية بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة، تعكس أهمية بالغة، ذهب البعض إلى أنها ستكون مكرسة للبحث حول إمكانية أن تتحول سواحل قبرص الجنوبية، الى ميناء لشحن البضائع إلى قطاع غزة، على ضوء سلسلة الأحاديث حول هدنة طويلة الأمد بين حركة حماس وإسرائيل، تفضي من بين عناصر أخرى إلى إنشاء هذا الميناء، عوضاً عن الميناء العائم الذي اقترحته تركيا، تصريح نتنياهو إثر اجتماعه مع الرئيس القبرصي نيكوس انستاسيلديس، يعكس ما ذهب إليه البعض حول تكريس الزيارة للملف الفلسطيني خاصة أن نتنياهو أشار في تصريحه هذا إلى الدعوة لعقد مفاوضات سلام مع الجانب الفلسطيني.

لكننا نعتقد أن المسألة التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لم تكن جوهر هذه المباحثات، وان ملف الغاز والطاقة، كان الملف الرئيسي وجوهر ومبرر قيام نتنياهو بهذه الزيارة الخاطفة إلى قبرص، ولتأكيد ما ذهبنا إليه، نعود إلى فاصلين زمنيين، قبل وبعد هذه الزيارة.
قبل الزيارة بيوم واحد، كان نتنياهو قد التقى بوزير الطاقة في حكومته، يوفال شطاينتس، بمشاركة الطاقم المهني في الوزارة، لدراسة إمكانية إدخال تعديلات حول مسألة احتكار شركة الغاز الإسرائيلية لقطاع الطاقة، وهو الأمر الذي توقفت عنده حكومة نتنياهو، بدون أن يتمكن من اتخاذ أي قرار، نظراً لحساسية دعم الحكومة الإسرائيلية لشركة احتكارية، وهو ما تضمنه المشروع المقدم للتصديق عليه من قبل الحكومة، بعدما تخلى شطاينتس عن مسؤوليته إزاء الأمر، نظراً لأن المشروع ينطوي على التسليم باحتكار الشركة من ناحية، ولما تتضمنه من تحكم الشركة بالأسعار للمستهلك والتصدير، وهو ما أثار نقاشاً حاداً داخل حكومة نتنياهو، الأمر الذي فرض على نتنياهو اللقاء قبل ساعات من زيارته لقبرص مع وزير الطاقة، ذلك أن ملف الغاز سيكون محور هذه الزيارة السريعة الخاطفة.

هذا قبل الزيارة بيوم، أما بعدها بيوم، أي اليوم الأربعاء، فهو الموعد المحدد للنقاش المصيري في حكومة نتنياهو لاتخاذ قرارها الحاسم بالاشتراك مع الكنيست حول مشروع الغاز، بغية المصادقة عليه، الاتفاقات أو التفاهمات التي ستتمخض عن زيارة نتنياهو إلى قبرص حول ملف الغاز، ستدعم ـ ربما ـ توجهات رئيس الحكومة وإقناع أعضاء حكومته والكنيست بضرورة المصادقة على المشروع، ربما بعد التعديلات التي تفاهم بشأنها مع وزير الطاقة شطاينتس قبل الزيارة الخاطفة التي استمرت لعشر ساعات فقط، بيوم واحد.

بين فاصلين زمنيين، تتحدد هذه الزيارة زمنياً في إطار ملف واحد أساسي، وهو ملف الغاز، وليس صحيحاً ما ذهبت اليه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية من أن الزيارة تتركز حول «ميناء لغزة» علماً أن موقع «واللا» الإسرائيلي، الذي يعتبره البعض موقعاً أمنياً مطلعاً، هو أول من أشار إلى هذه المسألة، أي أن مسألة غزة هي جوهر ومحور هذه الزيارة، الموقع الإسرائيلي المشار إليه، والذي تأخذ عنه وسائل الإعلام الفلسطينية، والألكترونية منها على وجه الخصوص، معظم أخباره، هو موقع يعتمد على التخمين والتسريب، والاتجاه بالمعلومات إلى وجهة أخرى غير وجهتها الحقيقية، ولعل ما ستبحثه حكومة نتنياهو اليوم، حول ملف الغاز، ما يؤكد ما ذهبنا إليه، باعتبار هذا الملف هو الشغل الشاغل للزيارة، دون أن ننفي أن ملفات أخرى قد يكون تم بحثها، إلاّ أنها لم تكن تتصدر الهدف من هذه الزيارة.

«ملف الغاز» ليس منفصلاً عن ملفات أخرى ترتبط به كل الارتباط، خاصة ملفي السياسة والأمن، هناك تقارب واضح بين إسرائيل، وكل من اليونان وتركيا، بعدما كانتا من أكثر المؤيدين للقضية الفلسطينية حتى قبل 4 أعوام، بينما هناك توترات بين إسرائيل وتركيا، الخصم التقليدي لهما، الزيارات المتبادلة على أرفع المستويات خلال الأشهر الماضية، تعكس العلاقات الجيدة بين إسرائيل وكل من اليونان وقبرص، يضاف إلى ذلك، ما تردد من مشروع إسرائيلي لإقامة تحالف إقليمي يضم تركيا وقبرص ورومانيا وبلغاريا، إلاّ أن ما وقعته إسرائيل مع قبرص حول حقول الغاز شرق المتوسط، جاء على حساب الحصة التركية، وهو الأمر الذي مازال موضع نزاع. الأمر الذي مازال يؤخر الاستجابة لهذا المشروع، رغم أنه مازال يطرح بين وقت وآخر.

وسبق أن طلبت إسرائيل في أيلول الماضي من قبرص السماح لها بوضع طائرات في قاعدة سلاح الجو القبرصي في باخوس، والأمر مازال في مرحلة الفحص، بينما تشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن إمكانية أن تقيم إسرائيل أول قاعدة حربية معلنة خارجها، باتت أكثر واقعية، على خلفية ما يشار من تهديدات حول حقول الغاز المتنازع عليها بين تركيا ولبنان وقبرص ومصر، وأن الحاجة لهذه القاعدة، قد يخدم إسرائيل وقبرص وهو ما يجعل احتمال إقامتها وارداً!!

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]