تصوّروا لو أن عائلة الدوابشة، من دوما، التي قضى طفلها حرقاً وهي في وضع حرج هي عائلة مستوطنين... ماذا كان سيكون رد الفعل الإسرائيلي؟

أولاً: إغلاق مناطق كافة القرى الفلسطينية المحيطة بهذه المستوطنة.

ثانياً: هدم فوري لبيوت المنفذين بعد اغتيالهم والتنكيل بجثثهم.

ثالثاً: الإعلان عن الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي القرى والبلدات المجاورة.

رابعاً: الإعلان عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية، وتشريع لعدد كبير من البؤر الاستيطانية.

خامساً: عقوبات جماعية لأهالي المنطقة بكافة أشكالها حتى السفر للخارج...

أما من جهة المستوطنين القتلة والإرهابيين فكانوا سيعيثون في المنطقة فساداً وتدميراً للسيارات والمنازل وحرق المزارع وقطع الأشجار وقتل الحيوانات و.. و.. و..

وعلى الصعيد الخارجي لقامت حكومة المستوطنين الإسرائيلية بحملة إعلامية متكاملة في كل دول العالم تبكي الإرهاب الفلسطيني وقتلة الأطفال من الفلسطينيين... وربما لشاهدنا العشرات من أعضاء الكونغرس الأميركي وهم يطالبون بمزيد من الدعم العسكري والاقتصادي، بما في ذلك الأسلحة الفتّاكة من أجل القضاء على «الإرهاب» الفلسطيني.

إذن، مسكينة عائلة الدوابشة... ستصدر بحقها بيانات كثيرة من القريب والبعيد، بيانات تدين وتستنكر وتشجب، وما هي إلاّ أيام معدودات وينتهي كل شيء... ستعود الأمور إلى طبيعتها... وسيعود الإرهاب الاستيطاني يضرب من جديد.

الفرق بين حكومة المستوطنين والسلطة الوطنية أن الوزراء في حكومة المستوطنين الإرهابيين قادرة على الفعل والتشريع والبناء الاستعماري، وقادرة على خلق وقائع أكثر من عنصرية على الأرض، وقادرة على الفعل وليس إصدار البيانات فقط.

ولكن، ماذا بالنسبة للسلطة الفلسطينية بشكل عام والحكومة الفلسطينية بشكل خاص... ما هي الخطوات العملية والفعلية القادرة على اتخاذها لمواجهة هذه الجريمة الشنيعة، وهل ستقتصر الردود الرسمية على مزيد من بيانات الإدانة والاستنكار ومناشدة العالم للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني أمام الإرهاب الاستيطاني؟.

إذا ما اقتصرت ردود فعلنا على بيانات الاستنكار، فإننا نعلن موت قدرتنا على الفعل، وربما هذا سيغري مجموعات إرهابية استيطانية للقيام بالمزيد من الجرائم المخطط لها والممنهجة... كيف لا والإعلام الإسرائيلي يؤكد أن كُتيِّبات ومنشورات متنوعة وزعت حول كيفية اقتحام المباني والمنازل الفلسطينية وحرقها بمن فيها كأساس للتخلص من الفلسطينيين.

قبل عقدين أو ثلاثة عقود كان المستوطنون عادة ما يتحركون بحماية قوات الاحتلال... لم يكونوا قادرين على الخروج أكثر من مناطق مستوطناتهم التي اغتصبت الأرض الفلسطينية، وكان الفعل الفلسطيني أكبر من إصدار بيان في حينه... فلماذا انقلب الوضع؟ ولماذا تتمكن مجموعة من المستوطنين من اقتحام بلدة أو قرية وإحراق منازل أو مسجد فيها؟... ولماذا هذا الرعب غير المعروف سببه يسمح بتكرار هذه التجارب؟.

تصوّروا، مثلاً، لو اقتحمت مجموعة من المستوطنين المجرمين قرية فلسطينية وأحرقت مسجداً... ماذا لو تم إحراق هذه المجموعة داخل المسجد أو البيت الذي اقتحموه، هل سيعيدون فعل هذا الأمر؟

بصراحة، نحن بحاجة اليوم وبشدّة إلى خطة لمواجهة جرائم المستوطنين بكافة أشكالها... وإلاً أصبحنا كالمواشي التي تساق إلى مذبحها...

صحيح أننا نطمح لسلام عادل... صحيح أننا نطمح للعيش في دولة مستقلة... صحيح أننا سنقبل بالتنازل عن ثلثي فلسطين من أجل أن يعيش أبناؤنا بعيداً عن الموت حرقاً وقصفاً واغتيالاً... ولكن هذا لا يعني بالمطلق أن نساق لموتنا على طريق الإرهاب الاستيطاني.

اليوم، كل القوى الفلسطينية مطالبة بصياغة استراتيجية متكاملة وقادرة على الفعل لمواجهة الإرهاب الاستيطاني... دون ذلك انتظروا جرائم تلو جرائم لهؤلاء القتلة العنصريين...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]