يغيب عبد الناصر عودة عن عائلته قسريا، فيخوض أفراد العائلة نضالا لإبقاء شقيقهم حاضرا ولو روحا بين أصدقائه وأبناء حيه. هنا عائلة عودة المقدسية!.. ستة أبناء ووالديهم لم يتركوا قضبان الاحتلال تغيّب عنهم الشقيق والابن عبد الناصر (15 عام) ، فعاشوا معه كما لو كان بينهم.

قصة الغياب القسري بدأت في الثالث عشر من أيلول الماضي، عندما اقتحمت عناصر كبيرة من قوات الاحتلال منزل العائلة لاعتقال عبد الناصر وكسرت محتوياته وعاثت فيه فسادا، بينما كان يبيت ليلته في منزل خاله، وعندما أدركت قوات الاحتلال ذلك سلمت العائلة بلاغا بتسليم نجلها وإلا فإنها ستعتبره مطاردا.

عاد عبد الناصر لمنزله في اليوم التالي، تناول طعامه واغتسل وودع عائلته تاركا خلفه أشقاءه الستة يحاولون قهر وجع غيابه بأساليب إبداعية، حتى تحولت حساباتهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى صفحات رواية تسرد فصول قصة الابن الغائب الحاضر.

فهذه أخته بلقيس تنذر حسابها عبر فيسبوك لحكاياته، ومرة تكتب كيف صنع عقدا كتب عليه اسم أمه وأبيه ليشدا من أزره خلال اعتقاله، ثم تشير إلى تسريب فيديو التحقيق مع الطفل أحمد مناصرة، لتنقل عن شقيقها عذابات السجن والاعتقال التي لم يتم تصويرها ولا يمكن تسريبها للعالم.

الكتابة للدعم النفسي 

وتقول بلقيس، إنها لجأت للكتابة ورواية ما يجري لصديقاتها، حتى تحصل على الدعم النفسي وتفرغ الحزن الذي تعيشه، ما زاد من مكانة شقيقها بداخلها عند كل سؤال تتلقاه عنه، مضيفة، أن كتاباتها انتشرت بعد أن ترجمت مشاركاتها للغات أجنبية ونشرت قصة شقيقها عبرهم إلى شعوب غربية، وتطوع محام بريطاني لتجهيز ملف عن "عبود" واعتقال قوات الاحتلال للقاصرين بهدف تقديمه لوزارة القضاء في بلادهم.

وتضيف، أنها ترتدي بشكل مستمر ثياب "عبود" وقمصانه، ولا تتوقف عن مشاهدة صوره القديمة وزيارة حجرته وسريره حتى تبقى رائحته عالقة في ذاكرتها.

تحقيق وغياب محامي 

وتوضح خولة صوص والدة عبد الناصر وهي أكاديمية في جامعة القدس، أن طفلها خضع للتحقيق في غياب المحامي وولي أمره كما ينص القانون، لكنه بقي في غرفة التحقيق 28 يوما دون أن يعترف بأي تهمة من التهم الموجهة إليه.

وتقول صوص، إن سلطات الاحتلال منعتها طوال هذه الفترة من الحديث إلى ابنها، وكانت تسمح لهم برؤيته من بعيد فلا تستطيع مسك يده أو تقبيله، وكلما حاولت ذلك تعامل معها عناصر الاحتلال بعنف شديد، مضيفة، أنها كانت تشاهد في كل جلسة محاكمة آثار ضرب على وجهه وجسده أو خنق حول رقبته.

وتعلق بلقيس بعد إحدى زياراتها لشقيقها لاحقا إثر صدور الحكم بحقه، قائلة، إن شقيقها كشف لها عن مواقع ضربه والآثار التي تركها التعذيب على جسده وقال، "أصلا بيعرفوش يضربوا".

تنقل عبدالناصر في عدة سجون حتى وصل الآن إلى سجن "جيفعون"، وتقول والدته إن هذا السجن لا يصلح لاعتقال أي إنسان، فالطعام والشراب فيه سيئان، كما أنه يخلو من أي وسادة أو غطاء، والمساجين فيه وجوههم مصفرة، مبينة، أن والد أحد الأسرى لم يتعرف على ابنه عند زيارته لانخفاض وزنه نحو 20 كيلو عن الزيارة السابقة.

وتضيف خولة، أنها التقطت صورة لطفلها عبدالناصر خلال إحدى الجلسات، فكانت النتيجة طردها من الجلسة وحرمانها من رؤيته لجلستين متتاليتن، فكانت تقف عند باب المحكمة تذرف الدموع، قبل أن تنجح المحامية في انتزاع موافقة على دخولها لحضور الجلسة بعد حجز هاتفها النقال، وتهديدها بحرمانها من رؤيته طوال جلسات المحاكمة في حال حاولت تقبيله أو معانقته.

في المنزل لا يغيب ذكر "عبود" في كل حين، ويوم ميلاده كان مناسبة لملأ أركان المنزل بحسه ورائحته، حيث أقامت العائلة حفلا لابنها المغيب في سجون الاحتلال، واشترت "كعكة" كتبت عليها "لك الحرية عبود"، وغنت له واحتفت به.

معنويات الطفل 

ولا تنسى العائلة بعد كل زيارة أن تتحدث عن معنويات طفلها العالية، وتفاصيل حياته اليومية وكيف يقضي ساعاته داخل الاعتقال بعزيمة لا تكسر، وفي الزيارة الأخيرة مثلا سأل "عبود" عن أشقائه الذين لم يستطيعوا الحضور، وتساءل ببراءة الأطفال "هو الدوام أهم مني؟!".

ليس هذا كل شيء، فإبراهيم شقيق عبد الناصر وجد في الفن منفذه الأفضل لحفر قصة شقيقه في وجدان كل إنسان، واختار أن يصدر أغنية "راب" ليروي من خلالها حكاية شقيقه والأسرى القاصرين في سجون الاحتلال.
وينقل إبراهيم سعادة شقيقه "عبود" الكبيرة بالأغنية التي أصدرها شقيقه له، مؤكدا، أنه سيبقى يغني لشقيقه "غرفة رقم أربعة"، ومضيفا، "رح يكون أقوى أداء بالكون".

ويتحدث إبراهيم عن صدمته حين استيقظ فجأة في إحدى الليالي بعد أن أحس بحركة في سرير شقيقه الأسير، فأنار ضوء الغرفة ونظر للسرير ليجد والده نائما في سرير شقيقه، ليخيب أمله بعد أن صدق للحظات أنه من الممكن أن يكون شقيقه قد غادر السجن.

ومع استحضارها لابنها في كل لحظة وكل موقف، تترقب العائلة بقلق شديد موعد جلسة المحكمة المقبلة المقررة في السابع من كانون ثاني المقبل، والتي يتوقع أن يصدر الاحتلال حكمه بحق عبد الناصر خلالها، دون أن تتوقف عن التعلق بأمل أن يتم تحويله إلى الحبس المنزلي رغم ضعف هذا الاحتمال.

وكأن القلق على مصير ابنها لا يكفي، تعيش العائلة قلقا آخر من تشتت شملها، بعد أن هددتها سلطات الاحتلال بسحب الإقامة من رب العائلة والد عبد الناصر، كونه فلسطيني من الضفة الغربية ولا يملك الهوية المقدسية، وقد تقدم سلطات الاحتلال على الانتقام منه ومن عائلته في أي لحظة بسحب إقامته وتشتيت العائلة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]