"سنصير شعباً، إن أَرَدنا، حينَ نَعلَمُ أَننا لسنا ملائكةً، وأنَّ الشرَّ ليسَ من اختِصاصِ الآخَرينْ سَنصيرُ شَعباً حين نَحتَرِمُ الصَّوابَ، وحين نَحتَرِمُ الغَلَطْ"

مـحـمـود درويــش

أثار موضوع إصدار مرسوم رئاسي جديد، بتعيين مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش - تسرَّب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفهم منه تلقائياً إقالة المجلس القديم المعيَّن في نيسان 2015 - أسئلة عديدة تتعلق بطبيعة تشكيل مؤسسة تحمل اسم الشاعر الكبير محمود درويش، وماهية القانون الذي يحكم عملها؟ بالإضافة إلى سؤال كبير حول إذا كان هناك اعتبار يذكر لسيادة القانون في المجتمع الفلسطيني.

كما أثار الموضوع سؤالاً كبيراً حول العلاقة بين الثقافة والسياسة؟ وما إذا كانت علاقة تكافؤ، أم علاقة تبعية؟ وهل هناك تداخل أم تخارج بين الثقافة والسياسة؟ وبين الثقافة والسلطة السياسية؟ وتبعه سؤال أكبر طرح نفسه بالضرورة، حول مدى أهمية استقلال المؤسسات الثقافية عن السلطة السياسية؟

هناك من اعتبر أن من قبل التعيين بمرسوم رئاسي يجب أن يتقبل برحابة صدر الإقالة بمرسوم رئاسي، وهناك من شكَّك بتشكيلة المجلس الجديد، الذي تسرِّبت أسماء أعضائه بالطريقة ذاتها، دون إعارة أي اهتمام لموضوع قانونية القرارات. نتجت البلبلة بسبب عدم وضوح طبيعة تشكيل المؤسسة، لدى الكثيرين/ات، وطبيعة تشكيل مجلس أمنائها ومجلسها التنفيذي، كما نتجت من انعدام الثقة بتطبيق المؤسسات الثقافية للأنظمة والقوانين التي تحكم عملها.

تم تأسيس مؤسسة محمود درويش عام 2008؛ كمؤسسة دولة بمرسوم رئاسي، أسوة بطبيعة تشكيل مؤسسات الدولة كافة: "انطلاقاً من المرسوم الرئاسي الصادر في مدينة رام الله بتاريخ 4/10/2008 الذي تأسست بموجبه مؤسسة محمود درويش، وتقديراً للمكانة التي تبوَّأها درويش في حركة الشعر والنثر الفلسطينية والعربية والعالمية، وتعزيزاً لأفكار محمود درويش وقيمه العقلانية والتنويرية والوطنية، واستجابة لتكريسه كل جهوده الفكرية والإبداعية، طوال خمسة عقود من الزمن، لقضية شعبه العادلة في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية، وتعبيره الخلاق عن هذه القضية وما تشتمل عليه من أبعاد إنسانية، واعترافاً لمحمود درويش بتفرده الإبداعي، وحرصاً على تراثه الثقافي الفذ؛ تتحمل مؤسسة محمود درويش شرف المسؤولية، وتؤكد أنها لن تدَّخر جهداً من أجل النهوض بمشروع ثقافي متعدد الجوانب، يليق بالقامة العالية للأديب الذي تحمل اسمه".

وبعد اعتماد أسماء المؤسسين عام 2008؛ اعتمدت أسماء أعضاء مجلس الأمناء بمرسوم رئاسي في شهر نيسان عام 2015؛ استناداً إلى المادة 4/الفقرة 2 من النظام الأساسي للمؤسسة.

وبما أن مدة رئاسة مجلس الأمناء ثلاث سنوات قابلة للتجديد؛ استناداً إلى الفقرة الأولى من المادة الخامسة، من النظام الأساسي للمؤسسة، وبما أن زوال العضوية لا يتمّ إلاّ في حالة: الوفاة، أو الاستقالة، أو مخالفة قواعد النظام الأساسي وأحكامه، أو ارتكابه ما يضر بسمعة المؤسسة، أو التغيب عن ثلاثة اجتماعات متوالية دون عذر، وبما أن أياً من هذه الأسباب لم يرد ضمن المرسوم الرئاسي الجديد؛ يصبح قرار التعيين الجديد غير قانوني.

أعتقد أن أساس البلبلة كلها يعود إلى فقر الثقافة المؤسساتية في المجتمع الفلسطيني، وغياب دولة القانون. وللأسف هناك الكثيرون/ات ممن ينتسبون إلى المؤسسات المتعددة، سواء كانت مؤسسات دولة، أو مؤسسات مجتمع مدني، أو مؤسسات منظمات غير حكومية؛ ممن لا يعرفون شيئاً عن لوائح مؤسساتهم/ن الداخلية، وهناك من يعرف، ومن ساهم في وضع هذه اللوائح؛ لكنه لا يحترمها، ولا يعمل بها.

وحين تطالب القلة التي تحترم الأنظمة بضرورة تطبيق هذه اللوائح؛ لا يؤخذ رأيها بجدية، ويجري العمل على الالتفاف على القوانين حيناً، ويجري انتهاكها حيناً آخر.

والغريب أن المثقفين/ات، ومؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، والمؤسسات الحقوقية بشكل خاص؛ ممن يفترض أن يتصدوا بضراوة لأي انتهاك للقوانين؛ لا يحركون ساكناً؛ حين يتعلق الأمر بمؤسسات يحملون لأي من أعضائها عداوة شخصية أو سياسية.

الاختلاف الشخصي بين المثقفين/ات؛ يساهم في مرور الانتهاكات الواضحة للقوانين دون أية وقفة جدية، ودون الالتفات إلى أن ما أصاب زملاءهم يمكن أن يصيبهم غداً؛ إذا اختاروا الصمت والشماتة: "أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثّورُ الأبيض". كما أن الصمت عن مثل هذه الانتهاكات؛ يساهم في ترسيخ غياب دولة القانون، ومبدأ الفردية في اتخاذ القرار، كما يساهم في ضرب أسس العمل الديمقراطي.

تنادى بعض الكتاب والكاتبات، وبعض المثقفين/ات، وبعض مؤسسات المجتمع المدني؛ إلى رفع الصوت عالياً، من خلال كتابة بيان يجري التوقيع عليه؛ لرفض الإجراءات اللاقانونية، المتمثلة بإقالة أعضاء مجلس أمناء مؤسسة محمد درويش (دون تبليغ رسمي)، ولإجراءات تعيين أعضاء جدد لمجلس أمناء المؤسسة (دون تبليغ رسمي)؛ "انطلاقاً من الحرص الشديد على وحدة النسيج الوطني الفلسطيني، وتغليباً للوحدة ولغة الحوار على الصراعات والمناكفات الجانبية، وانطلاقاً من المكانة الوطنية والعالمية التي يتمتع به إرث شاعرنا العظيم محمود درويش"، وطالبوا بالتراجع عن مرسوم حل مجلس الأمناء "الذي ضمّ نخبةً من خيرة المثقفين والأدباء الفلسطينيين، الذين يعتز العالم بإسهاماتهم ومكانتهم المرموقة، والذي استطاع، وخلال مدة قصيرة، أن يحوِّل مؤسسة محمود درويش ومتحفه إلى حاضنة ثقافية لكل مبدع فلسطيني وعربي، وبنى أوسع العلاقات مع المؤسسات والمبدعين العالميين، الذين احتفت بهم المؤسسة، وقدّمتهم لجمهورنا الفلسطيني". 

إذا كانت مؤسسة محمود درويش قد تأسست، وتشكل مجلس أمنائها بمرسوم رئاسي، كمؤسسة دولة، وكفل لها نظامها الأساسي "أن تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، وبكافة الامتيازات الممنوحة للوزارات والمؤسسات العامة"؛ إلاّ أنه من الضروري أن يكون لها نظام داخلي -لا يتعارض مع النظام الأساسي- يليق بمؤسسة ثقافية تنويرية، تحمل اسم الشاعر محمود درويش، مؤسسة تسعى إلى الخروج من الفكر المغلق والأحادي؛ إلى فضاء الإرث الثقافي الإنساني العظيم، ضمن رؤية تهدف إلى إرساء التعدّدية السياسية والاجتماعية والثقافية، التي هي جوهر الديمقراطية.

حين يتم التراجع عن أي قرار لا يتوافق مع النظام الأساسي لواحدة من مؤسسات الدولة؛ نكون قد خطونا خطوة باتجاه البعد عن الفكر القبلي، وخطونا خطوة باتجاه ترسيخ دولة المؤسسات ودولة القانون. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]