"بعد تاريخ التاسع من نيسان 1948 وهو اليوم الذي وقعت فيه مجزرة دير ياسين كان علينا مغادرة قريتنا بيت إكسا شمال غرب القدس، خصوصا أن دير ياسين قريبة جدا من بيت إكسا ولا تبعد عنها إلا كيلو متران، وقد حملتني أمي مع مجموعة نساء إلى قرية خروبة قضاء الرملة، حيث كان لنا بيت هناك أيضا، إذ سرنا على الأقدام وبقينا فيها قرابة شهر تقريبا، ولكن في أواخر شهر أيار اضطرنا للرحيل من خروبة، حيث كنت تتعرض القرية لإطلاق نار متواصل من المستوطنات القريبة من اللد كل ليلة، الأمر الذي دفع المواطنين للرحيل إلى خربة زكريا التي تبعد عن خروبة 2 كيلو، حيث كانوا يمكثون هناك حتى تهدأ الامور ويعودون لخروبة بعد ذلك، لكن الحرب تصاعدت حيث تقدمت العصابات الصهيونية وحاصرت خروبة وطردت أهلها منها"- بهذه الكلمات بدأ الحاج حسن غيث حديثه عن ذكرياته إبان نكبة فلسطين في العام 1948.

ويضيف: "لم تكن حياتنا سهلة هناك كان يوجد نفر قليل من الرجال، كان عليهم حماية القرية وتوفير الطعام للنساء والأطفال وكان ذلك صعبا جدا، خصوصا أن القرية التي أقيم عليها أجزاء من مطار اللد حاليا وتحولت الأجزاء الأخرى إلى مراعي للمواشي، كانت تتعرض لهجمات متواصلة تشنها العصابات الإسرائيلية بهدف إجبار الأهالي على ترك القرية والرحيل".

العنوان الأبرز لتلك المرحلة يقول الحاج حسن غيث هو الهرب من الموت فجميع مواطني السهل الساحلي الفلسطيني غادروا قراهم متوجهين إلى الضفة الغربية، كانوا يمرون يوميا من قرية خروبة، كنا نشعر بخوف وقلق دائم على مصيرنا لم نعرف إلى أين سنتوجه وما هو مصيرنا".

خروج إلى المجهول

يتابع الحاج حسن سرده للأحدث "ففي العاشر من أيار قرر الرجال الغائبون عنا في والمتواجدون في قرية بيت إكسا الرحيل باتجاه قرية خروبة بعد أن قصفت القرية ودمرت بالمدفعية الإسرائيلية الثقيلة من قرية دير ياسين التي جرى احتلالها بعد مجزرة بشعة روعت الأهالي في مدينة القدس".

وما أن وصل الرجال إلى هناك حتى تصاعدت وتيرة الاشتباكات التي كانت تشنها العصابات الصهيونية على قرية خربة والقرى المجاورة، في السادس عشر من الشهر ذاته وبعد يوم من إعلان قيام إسرائيل وبسبب تصاعد عمليات القصف وإطلاق النار التي تعرض لها القرية، قمنا بالمغادرة متوجهين إلى مدينة رام الله كان علينا السير على الأقدام، فيما ركب الأطفال والشيوخ الحيوانات التي كنا نستعين بها على التنقل.

وبسبب الخوف الذي كان يرافقنا كنا نسقط من على ظهر الحمير ويعيدنا أهلنا للركوب مجددا أثناء سيرنا الذي تواصل ليومين دون توقف أملا في الوصول إلى مكان آمن في رام الله، ثم العودة إلى قريتنا خروبة بعد استقرار الأوضاع ولكن هذا لم يحدث حتى اليوم.

"لم نأخذ شيئا مما بداخل منزلنا سوى بعض الأغراض التي تعيننا على السفر أغلقنا باب منزلنا وتركنا كل شي بالداخل، ولا نزال نحتفظ بمفتاحه أملا في العودة إليه، كان بداخله طاقة داخل الحائط كنا نضع فيها أغراضنا الثمينة، لكن المنزل لم يعد موجودا اليوم بعد أن جرى تدميره في أوسط الخمسينيات من القرن الماضي".

معاناة جديدة في مخيم الكرامة

وتابع: "ومن رام الله انتقلنا إلى مخيم الكرامة شرق غور الأردن، ومكثنا متنقلين بين المخيم ومدينة عام 3 أعوام متنقلين بين عمان ومخيم الشونة أو الكرامة كما كان يسمى في حينه، كان على أهلنا تدبر أمورنا، وفي المخيم كنت نتعرض لمعاناة كبيرة بينها المبيت بالعراء بالتزامن مع المعارك الكبيرة التي كانت تدور على جانبي نهار الأردن.

وفي العام 1953 فوجئنا بدعوة توجهها القوات الأردنية للمواطنين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في قرية بيت إكسا بضرورة الذهاب إلى الحافلات للعودة إليها بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منها بموجب اتفاق بين الجانبين.

وبالفعل عاد قرابة 300 شخص من أهالي القرية إليها من أصل 1500 إلى 1800 قاموا بمغادرتها، وكان علينا تدبر أمورنا في بيوتنا التي دمرت أجزاء كبيرة منها وبينها منزل عائلتي، بالفعل عدنا إلى القرية وواصلنا صمودنا حتى اليوم".

النكبة متواصلة

ويضيف الحاج حسن غيث " نعيش اليوم في كرب شديد جدا، ويعاني أهالي قريتنا بيت إكسا من مساعي متسارعة لتهويد الأرض هناك، حيث يمنعون من البناء ومن الوصول إلى أرضهم، ويمنعون أبسط الحقوق الإنسانية".

ويضيف: "الحياة في بيت إكسا لم تعد تحتمل، انا بحاجة لأن تخضع للتفتيش أثناء دخوله وخروجك من القرية، وعليك تحمل استفزازات الجنود المتطفلين، الذين يمنعونك من استقبال أصحابك أو أي شخص لا يقيم داخل قرية بيت إكسا، والهدف هو إحكام الغلاف الاستيطاني حول القدس وطرد قرابة 1500 شخص بقوا في القرية عبر دفعهم للرحيل إلى القرى المجاورة هربا من المعاناة".

وقال نحن نوجه نداء لكل شخص يستطيع مساعدة القرية أو دعم صمود أهلها القيام بكل ما بوسعه، لأنها باتت بالفعل مهددة بنكبة جديدة تشبه النكبة التي وقعت في العام 1948".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]